كان لدور القوى الكبرى كالولايات المتحدة والدول الأوروبية من جهة، والعلاقات مع الصين وروسيا من جهة أخرى، دوراً مهماً في توسيع هامش الحركة والمناورة لإيران للتحرك في كثير من الملفات، بما فيها العقوبات التي فرضت عليها، سواء من جانب الولايات المتحدة أو العقوبات الأممية التي فرضها مجلس الأمن الدولي. ويعني ذلك أهمية دور القوى الكبرى بالنسبة إلى القوى الإقليمية التي تسعى دائماً إلى لعب دور خارجي نشط في محيطها يتجاوز حدودها، ويعبر عن تطلعات إلى ما وراء الحدود، كما اعتدنا تسميته.
وتظل المفارقة أنه على رغم العداء الصريح والعلني بين إيران والولايات المتحدة منذ عام 1979 حين تأسس النظام الإيراني الإسلامي، ثمة متغيرات أسهمت في توسيع هذا الهامش. وكان التوافق المرحلي بين واشنطن وطهران هو سبب التعنت الإيراني أحياناً وتمدد تأثيرها في بعض المساحات أحياناً كالعراق.
ومن ثم كان التوافق في المصالح، خصوصاً منذ أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 وغزو العراق، مما سمح لإيران بالتمدد الإقليمي. وبشكل عام غابت أي استراتيجية أميركية محددة تجاه إيران، فتراوحت الاستراتيجية الأميركية ما بين الاحتواء حيناً والضغط والعقوبات ثم التفاوض في مساحات التوافق والتنسيق أحياناً، ثم العودة للعداء والتلويح بتغيير النظام بالقوة العسكرية على غرار إدارة الجمهوريين والمحافظين الجدد، وبعد ذلك العودة للاحتواء ومحاولة الدمج خلال فترة باراك أوباما، ثم الانتقال إلى أقصى ضغط وعقوبات وبعض العمليات العسكرية النوعية. هذا التباين سمح لإيران بالمناورة بما يحقق مصالحها وأهدافها في كل مرحلة وفي كل مساحة من مساحات التأثير.
الأمر الآخر يعد انقسام الموقف الدولي وتباينه حيال إيران أحد الفرص التي تمكنها من توسيع هامش المناورة والتحرك. ويشمل الموقف الدولي المنقسم اختلاف كل من الموقفين الروسي والأوروبي من جانب عن الموقف الأميركي في الجانب الآخر. فقد اختلفت علاقات إيران مع الدول الأوروبية عن علاقتها بالولايات المتحدة منذ الثورة الإيرانية وحتى عام 2012، وارتكزت الخلافات الأوروبية مع إيران على اغتيال المعارضين الإيرانيين في أراضي دول أوروبية، ومع ذلك حرص الأوروبيون على استمرار الحوار مع طهران للتوصل إلى حل في شأن البرنامج النووي. وتتركز العلاقات مع إيران أخيراً على محاولة الحفاظ على استمرار وجودها ضمن الاتفاق النووي وتمتعها بالمزايا الاقتصادية في أعقاب انسحاب إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في مايو (أيار) 2018 منه، ثم محاولة إعادتها لإحياء الاتفاق مرة أخرى بالتفاوض مع إدارة الرئيس الحالي جو بايدن.
كما يعد التأييد الروسي – الصيني لإيران أحد أهم الأوراق التي منحتها هامشاً للمناورة. وتولي إيران أهمية خاصة للعلاقات مع روسيا، فهي عضو دائم في مجلس الأمن وطرف رئيس في “خطة العمل المشتركة الشاملة” (الاسم الرسمي للاتفاق النووي) وأيضاً داعم رئيس في الحرب السورية، كما تعتبر موسكو أن طهران لاعب مهم في مواجهة التنظيمات المتشددة. وتمتد العلاقات مع روسيا إلى الجوانب الاقتصادية بما يخفف ولو بدرجة ضئيلة وطأة انسحاب الولايات المتحدة من “خطة العمل المشتركة الشاملة” وإعادة فرض العقوبات على إيران.
أما الصين، فهي ذات أهمية أيضاً بالنسبة إلى إيران، إذ إنها عضو دائم في مجلس الأمن وأحد الأطراف الموقعة على “خطة العمل الشاملة المشتركة”، كما أنها أكبر مستورد للنفط الإيراني ومصدر مهم لتصدير الأسلحة التقليدية. كما ترفض الصين العقوبات التي أعادت الولايات المتحدة فرضها على طهران. وفي العام الماضي، عقدت الدولتان اتفاق شراكة استراتيجية لمدة 25 عاماً واستمرت بكين كأحد أهم مستوردي النفط الإيراني وقامت بشراء النفط عبر قنوات التهريب. كما دعمت الصين وروسيا انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون والأمن، فضلاً عن محورية دور إيران في مشروع الصين “الحزام والطريق”.
من هنا فإن التباين الواضح في سياسات القوى الكبرى الغربية وغيرها أسهم في عدم كبح السلوك الإيراني بل كان أهم محفزات هذا الدور الهادف إلى توسيع مساحات تأثيره بما يحقق مصالحه الخاصة على حساب استقرار الإقليم.
اندبندت عربي