تونس تحاول تنشيط سوق الإسكان بالقروض الاجتماعية

تونس تحاول تنشيط سوق الإسكان بالقروض الاجتماعية

يترقب موظفو القطاعين العام والخاص في تونس إقرار الحكومة إجراءات جديدة تتعلق بزيادة سقف القروض الاجتماعية الموجهة للسكن، في محاولة لتحقيق أهداف مزدوجة تتمثل في تنشيط سوق العقارات، وتعزيز الملاءمة المالية لصناديق التقاعد.

تونس – تسعى تونس في سياق الإصلاحات الاقتصادية والتي يتعلق جزء منها بإحياء الدور الاجتماعي للدولة إلى تحفيز سوق الإسكان عبر تسهيلات أكبر من صناديق التقاعد للموظفين الذين يعانون من تدهور قدراتهم الشرائية بسبب تضخم التكاليف المعيشية.

ومن المتوقع أن يشرع الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية (سي.أن.آر.بي.أس)، في صرف قروض السكن في صيغتها الجديدة ابتداء من شهر يونيو المقبل، وفق ما أعلن عنه الأربعاء الماضي، وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي.

وينص المخطط الجديد فيما يتعلق بالصندوق، الذي يشمل 700 ألف مساهم يباشرون العمل و400 ألف متقاعد، على ثلاثة أصناف من القروض وهي الشخصية والسيارات والسكن، ويجب ألا تتجاوز تكاليف السداد نسبة 40 في المئة من معدل الأجر المصرح به.

وأوضح الزاهي في تصريحات صحفية على هامش الاحتفال بعيد العمال أن الأمر المعدل والخاص بقروض السكن من الصندوق في صيغته الجديدة سيتم عرضه قريبا على مجلس وزاري للمصادقة عليه والشروع في تنفيذه.

ويقضي التعديل الجديد بزيادة سقف القروض السكنية من 15 ألف دينار إلى مئة ألف دينار (4.8 ألف دولار إلى 31.85 ألف دولار) يتم سدادها على عشرين سنة بفائدة غير متغيرة بحدود 6.75 في المئة.

وسبق أن أعلن الوزير عن هذه الإجراءات في وقت سابق من هذا العام، لكنه أكد في فبراير الماضي، أن تفعيل هذه الخطوة مرتبط باستكمال بعض التراتيب والإجراءات القانونية اللازمة.

وكان الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (سي.أن.أس.أس)، الذي تستهدف خدماته المساهمين من القطاع الخاص قد شرع مطلع فبراير الماضي في قبول مطالب الحصول على قروض السكن في صيغتها الجديدة بعد الزيادة في سقفها وتسهيل طرق سدادها.

ويتطلع البلد، الذي مر بسلسلة من الأزمات على مدار 13 عاما إلى إحداث اختراق في جدار مشكلة التمويل العقاري لتغيير ديناميكية سوق الإسكان وفي الوقت ذاته زيادة تملك التونسيين للمنازل في ظل النمو الديموغرافي المطرد للبلاد.

وفشلت الحكومات المتعاقبة منذ 2011 في حل الأزمة أو على الأقل الحد من مشاكل الإسكان على اعتبار أن سوق العقارات ظل رهينا للمضاربات وارتفاع التكاليف وعدم قدرة الكثيرين على تحمل أعباء إضافية لتدهور قدراتهم الشرائية مما حد من زخم التملك.

لكن الأمر لا يتوقف عند ذلك الحد فحسب، حيث يبدو أن تضخم أسعار الاستهلاك والفائدة المرتفعة، التي توظفها البنوك على القروض السكنية شكلت أحد الأسباب الأساسية لخمول القطاع، وبالتالي عزوف الناس عن التفكير أساسا في مسألة الشراء أو البناء.

وتظهر التقديرات الرسمية أن ربع الأسر من بين 3 ملايين عائلة لا تملك مسكن، أي ما يعادل 750 ألف أسرة في بلد يبلغ تعداد سكانه 12 مليون نسمة، مما يؤكد دفع أن هذا المأزق يتطلب رؤية لتنشيط العقارات والبناء والقيام بإصلاحات شاملة.

◙ 31.85 ألف دولار الحد الأقصى للقرض السكني من صندوقي سي.أن.آر.بي.أس وسي.أن.أس.أس

واعتبرت وزيرة الإسكان سارة زعفراني مؤخرا أن الارتفاع الجنوني لكلفة العقارات السكنية وندرة الأراضي الصالحة للبناء أحد العوامل الكثيرة التي أثرت على امتلاك التونسيين للمنازل.

وتقول الأوساط الاقتصادية التونسية إن الإجراءات الجديدة للصناديق الاجتماعية رغم الأزمة المالية التي تمر بها حاليا، ستسهم في تنويع مداخيلها ولن تربك سير عمل القطاع المصرفي.

واعتبر الخبير الاقتصادي معز حديدان في تصريحات أوردتها وكالة الأنباء التونسية الرسمية أن نجاح الخطوة يبقى رهين إرساء البنية اللوجيستية والهياكل الكفيلة بالمتابعة والتصرف في مخاطر التّخلف عن سداد القروض.

ورغم الوضعية المالية للصناديق تتسم بعدم الاستقرار، وفق المعطيات التي نشرتها وزارة المالية في تقرير حول المنشآت العمومية، لكن حديدان قال إنه لا يمكن لقروضها “أن تنهي احتكار البنوك التجارية التي تفرض شروطا صارمة للحصول على القروض”.

وفسر ذلك بأن المبالغ التي سيمنحها الصندوقان، لا تستجيب لإجمالي الطلب في السوق، معتبرا أنها بديل إيجابي للموظفين والعمال غير القادرين على الحصول على قروض بنكية.

وتفاقمت معاناة التونسيين خلال السنوات الأخيرة الذين وجدوا أنفسهم أمام صعوبات لامتلاك مساكن بعدما دخلت السوق في حالة من الركود الحاد جراء الارتفاع الجامح في أسعار العقارات والأراضي ومواد البناء.

كما واجه الكثيرون منهم صعوبة في الحصول على قرض سكني نتيجة ارتفاع نسب أسعار الفائدة الموظفة على الائتمانات البنكية التي تصل أحيانا إلى 12 في المئة أو أكثر.

وأوضح حديدان أن تعديل سقف القروض الاجتماعية الموجهة للسكن سيكون لها تأثير على التونسيين، لاسيما وأن عددا كبيرا منهم، لديه نسبة تداين عالية.

وتشير التقديرات إلى أن ديون الأسر تزايدت بشكل مستمر منذ العام 2015 وحتى العام 2019 بمعدل بلغ 41.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ليقفز في عام 2020 بنسبة 52.4 في المئة قبل أن يعاود الانخفاض إلى 49.5 في المئة في عام 2022.

وسيكون لمثل هذه المبادرات الأثر الاقتصادي الإيجابي مع مرور الوقت، حيث أنه سيدفع مسار الشمول المالي وسيتيح تنويع مداخيل صناديق الضمان الاجتماعي، التي تعاني من مشاكل تمويلية كثيرة.

ويعاني صندوق سي.أن.آر.بي.أس البالغ حجم أصوله 5.5 مليار دينار (1.75 مليار دولار) من نتائج سلبية بقيمة 187.1 مليون دولار وعجز بقيمة يتجاوز المليار دولار تم تسجيلها بنهاية 2022 بحسب البيانات الرسمية.

وقدرت المساعدات البنكية وغيرها من الخصوم بالنسبة للصندوق بنحو 68.8 مليون دولار، بينما بلغت السيولة النقدية نحو 128.25 مليون دولار.

وبالنسبة لصندون سي.أن.أس.أس، الذي تبلغ أصوله حوالي 1.77 مليار دولار، فقد بلغ العجز المالي لديه قرابة 1.1 مليار دولار بنهاية العام 2022.

وتظهر الأرقام التي أعلنت عنها وزارة الشؤون الاجتماعية في وقت سابق هذا العام أنه لم يتلق أي تسهيلات ائتمانية، بينما تصل السيولة النقدية التي بحوزته إلى نحو 166.1 مليون دولار.

العرب