اخذت المواجهات السياسية والخطابية بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية والنظام الإيراني ابعادا ميدانية عديدة تخللتها بعض القرارات الصادرة عن الدول الاوربية بفرض عقوبات متنوعة تخص الأفراد والمسؤولين الإيرانيين والمؤسسات والهيئات التابعة لوزاراتي الدفاع والداخلية وعدد من قيادات الحرس الثوري الإيراني بعد الاحتجاجات التي شهدتها المدن الإيرانية في شهر أيلول الفائت وتصاعدها بحدة باستخدام أساليب العنف والقتل من قبل أجهزة النظام الإيراني، وعدم التزام منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بالتعليمات التي صدرت عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية خاصة بعد إعلان رئيس المنظمة محمد إسلامي عن بدء بناء محطة كارون للطاقة الذرية بقدرة 300 ميغا واط بمنطقة دار خوين بمحافظة خوزستان جنوب غرب البلاد وان العمل لانجازها سيستغرق سبع سنوات وبكلفة مالية مقدارها 1,5مليار دولار ، هذه التصريحات جاءت بعد الإعلان الإيراني عن بدء تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% في محطة فوردو تحت الأرض ردا على البيان الصادر عن مجلس محافظة الوكالة الدولية الذي حمل إيران جميع التبعيات التي ستؤدي اليه قراراتها بعد امتناعها عن تفتيش ثلاث مواقع يحتمل تخصيب اليورانيوم فيها تقع حول مدينة طهران.
هذه التطورات جعلت صورة العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية تأخذ مسارات عديدة عبر تصريحات المبعوث الأمريكي الخاص بشؤون إيران( روبرت مالي ) الذي أعلن يوم الرابع من كانون الأول 2022 أن( واشنطن تعتزم التركيز على منع أيران من تزويد روسيا بالأسلحة ودعم الاحتجاجات في إيران وتطلعات الشعب الإيراني عوضا عن احياء الاتفاق النووي مع طهران ، وان واشنطن تشكك بالنوايا الإيرانية بخصوص البرنامج النووي كونها غير مهتمة بذلك) ، هذا التصريح يؤكد ابتعاد الإدارة الأمريكية عن إمكانية العودة للمفاوضات والبدأ بالجولة العاشرة في العاصمة النمساوية فيينا واستمرار التعاون وتبادل الآراء مع الحلفاء الأوربيين( فرنسا وألمانيا وبريطانيا ) والضغط على طهران وتفعيل العقوبات الاقتصادية وتشديد العمل ضد التحركات الإيرانية مما يعني اتساع حالة الاضطراب الداخلي الذي تشهده المدن الإيرانية وتصاعد المواجهة مع أجهزة النظام وتفاقم الأوضاع المأساوية التي تعاني منها الشعوب الإيرانية وعدم رفع العقوبات واسترداد الأموال المجمدة وعودة إيران وتأثيرها الدولي والإقليمي في سوق الطاقة العالمي بسبب سياسة التعنت والتسويف التي يتبعها النظام وعدم وجود رؤية واضحة لإيجاد صيغ دقيقة لقرارات قادمة بخصوص مفاوضات البرنامج النووي والتي تتحمل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن جزءا رئيسيا منها كونها لا تمتلك إستراتيجية محددة تجاه إيران فهي تبتعد تارة وتقترب أخرى وتتراوح خطواتها ما بين الاحتواء والضغط والعقوبات ثم ما تلبث أن تعود للتفاوض في مجالات من التوافق والتنسيق مع إيران وتصل إلى مراحل اخرى تدعي انها على استعداد لاستخدام لتغيير القوة العسكرية لتغيير النظام القائم في طهران ، وهذه الأساليب أصبحت مكشوفة للقيادة الإيرانية وعلى ضوئها بدأت تتعامل مع معطيات جولات التفاوض واقتراحات الجانب الأوربي بل انها سعت وبشكل ميداني للاستفادة من علاقتها الثنائية مع روسيا والصين اللتان تبديان تأييدا وتعاطفا مع الموقف الإيراني بسبب الخلافات القائمة الآن مع الإدارة الأمريكية حول المواجهات العسكرية بين روسيا وأوكرانيا والتوجهات السياسية والاقتصادية الصينية في تطلعاتها نحو الشرق الأوسط والوطن العربي التي تراها واشنطن ضد مصالحها وتواجدها في هذه الأماكن التي تعتبرها جزءا من سياستها وتوجهاتها الخارجية.
هذه المناورة السياسية الإيرانية تعتبر من الأوراق المهمة التي يعتمدها النظام في علاقته مع الإدارة الأمريكية لانه يرى في سوريا عضوا مهما في مجلس الأمن وطرفا رئيسيا في خطة العمل المشتركة الشاملة وداعم رئيسي لسياسته في الميدان السوري إضافة إلى تأثير العلاقات والاتفاقيات الاقتصادية التي وقعت بين موسكو وطهران، ويقاس الحال مع الصين التي عملت إيران على توقيع اتفاقية اقتصادية مشتركة معها لمدة 25 سنة والموقف الإيجابي من مبادرة الحزام والطريق وان الصين تعتبر الآن أكبر مستورد للنفط الإيراني ومصدر مهم للأسلحة التقليدية لطهران وداعم مهم لانضمامها لمنظمة شنغهاي للتعاون والأمن ، هذه هي العوامل الدولية التي تساهم في حالة التباين التي يتصف بها سلوك ونهج النظام الإيراني الذي يسعى لتحقيق مصالحه وأهدافه الذاتية وتوسيع مشروعه السياسي على حساب المتغيرات الإقليمية القائمة في المنطقة .
تبقى حالة المواجهة قائمة بين النظام الإيراني والوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تؤكد توجه إيران لاستخدام 14سلسلة إضافية من أجهزة الطرد المركزي(أي_ار_6) في منشأة فوردو وستحل ستة منها محل الجيل الأول(أي_ار_1) وستعمل هذه الأجهزة على تخصيب اليورانيوم بنسبة 60% مع توسيع إيران للأنشطتها في تخصيب اليورانيوم في محطة الوقود المنشأة نطنز بتركيب ثاني مبنى إنتاجي قادر على استيعاب أكثر من 100 سلسلة من أجهزة الطرد المركزي ،ما يعني استبعاد أي مفاوضات قادمة إلا عبر قبول النظام الإيراني بشروط الوكالة الدولية للطاقة الذرية للقيام بعمليات التفتيش وإعطاء ضمانات بإيقاف بعمليات التحصيل المستمرة والسعي لاتفاق جديد يرضي جميع الأطراف.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية