فاغنر تتوسع تجاريا في أفريقيا بعد التمدد العسكري

فاغنر تتوسع تجاريا في أفريقيا بعد التمدد العسكري

بعد مرور 30 عاما على فك الارتباط مع أفريقيا في أعقاب تفكك الاتحاد السوفياتي، تحاول روسيا عبر مرتزقة فاغنر شبه العسكرية التموقع في المنطقة من جديد، مستغلة من أجل ذلك الانقلابات العسكرية وانتشار الجماعات المسلحة وتراجع نفوذ الدول الأوروبية.

موسكو – تزايد خلال السنوات الأخيرة انتشار المرتزقة في مناطق الصراعات في أفريقيا، وفي مقدمتهم مجموعة فاغنر الروسية، التي تسعى لتحقيق أهداف موسكو التوسعية في القارة السمراء، إلا أن التوسع لم يقتصر فقط على البعد الأمني، بل تعدى ذلك إلى ترسيخ الحضور التجاري.

وأشارت العديد من التقارير إلى توسع الحضور الاقتصادي لمجموعة فاغنر العسكرية الروسية على الساحة الأفريقية، حيث نشرت وكالة “الأخبار البلجيكية” في الثاني من ديسمبر الجاري، تقريرا عن تورط مجموعة فاغنر في عمليات تجارة وتهريب الألماس من جمهورية أفريقيا الوسطى إلى بلجيكا.

وهذا الأمر يدفع بتساؤلات حول حدود التوسع الاقتصادي لمجموعة فاغنر في القارة السمراء، والهدف من هذه الهيمنة الاقتصادية، وما إذا كانت مقدمة لإخضاع السلطات الحاكمة هناك فيما بعد، فضلا عن العوامل التي تعتمد عليها فاغنر في زيادة وجودها الاقتصادي في القارة.

ووفق التقارير، وصلت قوات فاغنر إلى دولة مالي غربي أفريقيا، للعمل ظاهريا مع القوات الفرنسية على مجابهة تزايد عنف الحركات الإسلامية الذي انتشر في معظم أرجاء المنطقة، لكن توترا حادا اشتعل على خلفية العنف المتصاعد بين المجلس العسكري المالي وفرنسا صاحبة الامتداد التاريخي في المنطقة، أدى إلى انسحاب الأخيرة، لتستغل روسيا ذلك جيدا في تعزيز نفوذها وملء الفراغ الذي خلفته فرنسا.

مجموعة فاغنر تحصل على نسبة محددة من الذهب والألماس مقابل خدماتها الأمنية في جمهورية أفريقيا الوسطى

وبعد مالي جاء الدور على بوركينا فاسو التي سعت روسيا إلى تكريس وجودها داخلها كنقطة مرتبطة بمالي، وهو ما حصل نسبيا، لاسيما بعد تصاعد موجة الغضب ضد الفرنسيين، لتتنقل موسكو إلى مرحلة أبعد من ذلك بالتركيز على دولة النيجر، وبالتالي أثارت هذه التحركات حفيظة باريس وعدد من دول الاتحاد الأفريقي.

وتاريخيا تعد منطقة غرب أفريقيا محل تواجد فرنسي، إذ تعد مالي وبوركينا فاسو والنيجر وغيرها من الدول المحيطة بها مستعمرات فرنسية، غير أن روسيا تحاول خلق منطقة صراع جديدة من خلال تدخلها في الغرب الأفريقي، وأيضا بمحاولة إحكام قبضتها على مصادر الطاقة التي تعد المنطقة إحدى أهم حاضناتها.

واعتمدت فاغنر كذلك في تنويع مصادر تمويلها وفي حضورها الاقتصادي في القارة الأفريقية مداخل عديدة، لعل أبرزها تنويع حالات توقيع عقود الحماية الأمنية، بجانب عقد صفقات سياسية لحماية المسؤولين مقابل الاستيلاء على ثروات المنطقة، وغيرها العديد من الأساليب.

وتعتمد فاغنر أيضا على نسبة محددة من الذهب والألماس مقابل خدماتها الأمنية في جمهورية أفريقيا الوسطى، وهو ما أكده رئيس القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا “أفريكوم” ستيفن تاونسند في فبراير الماضي، بأن فاغنر ومالي تعاقدتا على أن تدفع الأخيرة للأولى 10 ملايين دولار شهريا، معتبرا أن مالي سيتعين عليها “أن تتاجر بالموارد الطبيعية كالذهب والأحجار الكريمة من أجل دفع هذا المبلغ”.

وأكدت العديد من التقارير حصول فاغنر على نسبة 78 في المئة من أسهم الشركة الوطنية المسؤولة عن تعدين الذهب وتكريره “مارينا غولد” في مالي.

وتعتبر مالي ثالث أكبر منتج للذهب في القارة الأفريقية بعد غانا وجنوب أفريقيا، وبلغ إنتاجها من الذهب 63.4 طنا خلال عام 2021. وتمتلك البلاد فضلا عن ذلك، بحسب وزارة المناجم المالية، “مليوني طن من خام الحديد، و5 آلاف طن من اليورانيوم، و20 مليون طن من المنجنيز، و4 ملايين طن من الليثيوم، و10 ملايين طن من الحجر الجيري”.

العديد من التقارير تشير إلى توسع الحضور الاقتصادي لمجموعة فاغنر العسكرية الروسية على الساحة الأفريقية

ويقول محللون إن تمدد فاغنر، وتعزيز حضورها الاقتصادي في القارة السمراء، يمكن أن يخلق تبعات وانعكاسات، لعل أبرزها زيادة فرض العقوبات الدولية على الأفراد المرتبطين بها، لكن مع ذلك فإن الهياكل المالية للمجموعة تبدو معقدة ومبهمة عن قصد، ويعتمد معظمها على الشركات الواجهة لإخفاء عملياتها وأصولها، حيث تضم المجموعة شبكة فضفاضة وسرية من الشركات والوسطاء الماليين الذين لديهم روابط مع مديرها يفجيني بريجوزين، والدولة الروسية.

وهذا الهيكل الفضفاض يضعف من فاعلية العقوبات وغيرها من سياسات الاستهداف المالي، التي يمكن للشركات العسكرية الخاصة تجنبها من خلال تغيير هيكلها وإعادة توجيه أنشطتها المالية والتعتيم عليها.

ويرى العديد من الخبراء الأمنيين أن توسيع العقوبات سيكون مفيدا للغاية باعتبارها إحدى الإستراتيجيات الهامة لتعطيل العمليات الاقتصادية والمالية لفاغنر.

وينشط مرتزقة فاغنر الآن في حروب مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، فهم يدعمون زعماء بعض الدول وقادة الميليشيات الذين يمكنهم الدفع مقابل خدماتهم نقدا، أو منحهم امتيازات تعدين بعض المعادن الثمينة مثل الذهب والماس واليورانيوم.

وأكد تقرير لصحيفة نيويورك تايمز في وقت سابق من العام الجاري أن مجموعة فاغنر أكبر من شركة توفر الدعم العسكري مقابل الذهب، فهي نموذج مثالي لمحاولات موسكو التوسع في القارة السمراء من خلال دعم بعض الميليشيات والحكام المستبدين، مشيرا إلى أنها تعمل من خلال شبكة مترامية الأطراف من الشركات الوهمية.

وينفي الكرملين أي صلة له بفاغنر. لكن المسؤولين الأميركيين والأوروبيين والمراقبين يقولون إنها أداة غير رسمية للكرملين، مؤكدين أنها طريقة رخيصة للرئيس فلاديمير بوتين لتوسيع نفوذه وتعزيز حربه ضد العقوبات الغربية، وتوسيع نفوذه.

مجموعة فاغنر ظهرت لأول مرة في 2014، أثناء الهجوم الروسي على شرق أوكرانيا، وكان قائدها ديمتري أوتكين، وهو قائد متقاعد من القوات الخاصة الروسية

وظهرت مجموعة فاغنر لأول مرة في 2014، أثناء الهجوم الروسي على شرق أوكرانيا، وكان قائدها ديمتري أوتكين، وهو قائد متقاعد من القوات الخاصة الروسية، يقال إنه مفتون بتاريخ النازية.

وبدأت الأنشطة الخارجية للمجموعة في 2015، عندما تم تكليفها بدعم رئيس النظام السوري بشار الأسد، والاستيلاء على حقول النفط والغاز، بحسب مسؤولين أميركيين.

وفي أفريقيا، بدأ مرتزقة فاغنر في تقديم المشورة للطغاة المترنحين، وإدارة حملات التضليل على وسائل التواصل الاجتماعي ونشر فرق من مراقبي الانتخابات الوهميين، وفقا لمسؤولين غربيين وخبراء ومحققين تابعين للأمم المتحدة. كما عملت الشركات المرتبطة بريجوزين على تشغيل مناجم الذهب والماس، التي يمنحها الطغاة للمجموعة مقابل دعمهم.

وفي عام 2019، نشرت المجموعة حوالي 160 مقاتلا في منطقة كابو ديلجادو الغنية بالغاز وذات الأغلبية المسلمة في شمال موزمبيق. لكن مسؤولين أميركيين قالوا إن في غضون أسابيع، قتلت جماعة تابعة لتنظيم داعش سبعة منهم، مما دفعهم إلى الانسحاب بعدها بعدة أشهر.

وحاولت روسيا تشكيل سياسات ما لا يقل عن 12 دولة أفريقية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وحملات التأثير السياسي التي تنفذها مجموعة فاغنر، بالإضافة إلى توفير الأسلحة لبعض الميليشيات والأنظمة الاستبدادية.

ويقول المحللون إن هذا التوسع جزء من رغبة بوتين الأوسع في إعادة تأسيس روسيا كقوة عظمى، مما يجعلها في منافسة مع الصين وتركيا، التي تبحث عن فرصة لتوسيع نفوذها في أفريقيا في ظل تراجع الدور الغربي.

العرب