بعد أشهر من المناشدات والضغوط الدولية وافقت كل من ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية على تزويد أوكرانيا بالدبابات ــ كان ذلك قراراً وصفه أحد كبار مساعدي الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنه “قبضة الديمقراطية الحقيقية” في مواجهة الاجتياح الروسي.
فيما أنه من المستبعد أن يغير عدد الدبابات المتوقع تسليمها إلى أوكرانيا مجرى الحرب، إلا أن الدبابات التي يوازي عديدها ثلاث كتائب تقريباً، لا بد من أنها تعتبر تغييراً في مستوى المساعدة التي يقدمها حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى حكومة كييف ــ كما تؤكده الاتهامات التي وجهها الكرملين بأن الدول الغربية تتدخل مباشرة في الحرب وتجديد الحلقة المحيطة ببوتين تهديداتها باحتمال اللجوء إلى استخدام الأسلحة النووية.
إن الدبابات نفسها وبما فيها دبابات “ليوبارد 2” الألمانية ودبابات “أبرامز أم 1” M1 الأميركية ودبابات “تشالنجر 2” البريطانية ينظر إليها عموماً على أنها فاعلة بشكل أكبر من غالبية المركبات السوفياتية والروسية التي لعبت حتى الآن دوراً مركزياً في أول حرب برية موسعة تشهدها أوروبا منذ عقود، وهو أمر كان فاجأ من اعتقدوا بأن الدبابات أصبحت عملياً من أسلحة الماضي.
فيما أثبت كل من سلاح المدفعية البعيدة المدى والطائرات المسيّرة “الدرون” أنها وسائل لعبت دوراً أساسياً في النزاع، تبقي كييف على آمالها في أن تؤدي عمليات التسليم الإضافية من الدبابات، إلى منح أوكرانيا درجة تفوق في ميدان المعركة، مع الاقتراب السريع من موعد الذكرى الأولى لاندلاع تلك الحرب.
بعد التحول المهم الذي شهدناه الأسبوع الماضي، تلقي “اندبندنت” في هذا التقرير نظرة على مختلف أنواع الدبابات التي تشارك حالياً أو قريباً في المعارك، وكيف يمكن تقييم أدائها، وماذا يمكن أن تعني مشاركة أي منها في الجهود الحربية لكل طرف.
دبابة “ليوبارد 2” الألمانية
أخيراً رضخ المستشار الألماني أولاف شولتز للضغوط من خلال إعلانه أن برلين لن ترسل دبابات “ليوبارد 2” إلى كييف فحسب، بل هي ستسمح أيضاً لحلفائها بإعادة تصدير الدبابات التي تصنعها ألمانيا، مفسحة المجال أمام وصول عدد أكبر منها في النهاية إلى أوكرانيا.
وقالت ألمانيا إن الدول الأوروبية سترسل “بسرعة” ما يعادل كتيبتي دبابات ــ أي حوالى 80 دبابة ــ إضافة إلى إرسال برلين 14 دبابة ليوبارد “كخطوة أولى”. معلوم أن أكثر من ألفي دبابة من نوع ليوبارد قابعة حالياً في مخازن أسلحة دول أوروبية عدة وكندا، ويقال إن قيمة الدبابة الواحدة من هذا الطراز تبلغ حوالى 6 ملايين دولار أميركي.
صممت دبابة ليوبارد الألمانية إبان الحرب الباردة كجزء من برنامج، عمل أيضاً على تطوير دبابة “أبرامز” الأميركية، لمواجهة دبابات الحقبة السوفياتية التي تستخدم حالياً في أوكرانيا، وصممت دبابة ليوبارد لكي تصد دروعها ذخائر القذائف الخارقة من عيار 125 ملم التي يتم إطلاقها من على بعد 1500 متر، وهي “واحدة من الدبابات الأفضل تدريعاً”، بحسب الدكتورة مارينا مايرون، من كلية دراسات الحروب في جامعة كينغز كوليدج في لندن.
دبابة ليوبارد مزودة بمدفعين رشاشين خفيفين مركبين على محور واحد إلى جانب مدفعها الأساسي، وتحسب لمصلحة دبابة ليوبارد قدرتها العالية على التأقلم [في ساحات المعارك المختلفة]، وقدرتها العالية على المناورة، كما تعتبر دبابة صالحة جداً للاستخدام بشكل خاص على الأراضي الأوكرانية، وهي اقتصادية تستهلك نسبة أصغر من الوقود مقارنة بمثيلتها الأميركية.
ويقول القائد الميداني السابق في فرقة الدبابات الملكية البريطانية هاميش دو بروتون غوردون، لقناة “سي بي أس” الإخبارية، إنها “مثل [سيارات] مرسيدس، أو بي أم دبليو، دبابات عالمية فائقة. أنا أعتقد بأنني أحتاج إلى 10 أو 15 دبابة من طراز تي-72 [التي تستخدمها روسيا] لمواجهة دبابة واحدة من طراز ليوبارد”.
دبابة “أم 1 أي 2 أبرامز”
هي دبابة من تصميم شركة “كرايسلر” للدفاع Chrysler Defence، خلال الحرب الباردة واستخدمت في البوسنة والعراق وأفغانستان، فدبابة أبرامز هي دبابة القتال الرئيسة في الجيش الأميركي، كما تستخدم كل من أستراليا والمملكة العربية السعودية ومصر وبولندا نسخة من الدبابة مخصصة للتصدير. وسيتم تزويد أوكرانيا حالياً بـ31 دبابة من هذا الطراز، وهو عدد يكفي لتسليح كتيبة دبابات كاملة.
وينقل عن الخبراء أن دبابات أبرامز هي الأولى التي يزود كل من قائدها ومشغل مدفعها الأساسي بنظام رؤية بصري وحراري إضافة إلى جهاز توجيه بقدرة دوران 360 درجة مئوية، مما يسمح للقائد ومشغل المدفع التعامل بشكل متزامن مع أهداف مختلفة، ويشار إليها في التعبير العسكري بقدرات “صياد قاتل”.
ويثني الجيش الأميركي على قدرات دبابة أبرامز ويقول إن لديها “قدرات نارية قاتلة وقدرات لا مثيل لها من درجات الحماية وقدرة مناورة استثنائية”. وتبلغ كلفة أبرامز حوالى 10 ملايين دولار أميركي تقريباً، ويتضمن هذا المبلغ كلفة تدريب الطاقم وتوفير الصيانة اللازمة، وتقول الدكتورة مارينا مايرون لـ”اندبندنت” إن مدفع الدبابة الرئيس الذي يطلق قذائف من عيار 120 ملم يتميز بذخيرته المحتوية على اليورانيوم المنضب والمعروف “بالرصاصات الفضية” وهي قادرة “ربما على اختراق أي دروع”.
إن الاختلاف الأساسي بين دبابة أبرامز ودبابة ليوبارد يكمن في أن محرك الأولى يعمل بتوربينات متطورة على الغاز، ويتطلب نوعاً من وقود الطائرات الخاص، مما يعني أن الجنود سيحتاجون إلى سلسلة إمداد خاصة لتشغيل محركات دباباتهم، بحسب الدكتورة مايرون، والمسؤولين الأميركيين لطالما عبروا عن شكوكهم في صلاحية هذه الدبابة للعمل في ميدان الحرب الأوكرانية.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية قالت الأسبوع الماضي إن “كلفة الصيانة ونوع الصيانة اللذين تحتاج إليهما دبابات أبرامز ــ يجعلان من غير المنطقي توفير هذا المركبات للأوكرانيين في هذه المرحلة”.
لكن وبعدما غير الرئيس الأميركي موقفه الأسبوع الماضي، تفيد التقارير بأنه وفيما تعتزم واشنطن إرسال 31 من دبابات أبرامز المتقدمة من طراز “أم1 أي2” M1A2، بدلاً من النسخة الأقدم من نوع “أم1 أي1” M1A1، ستضطر الولايات المتحدة إلى إزالة طبقة التدريع السرية التي تحتوي على اليورانيوم المنضب وفق ما تمليه التدابير الفيدرالية الأميركية [المفروضة على تصدير هذه المركبة القتالية إلى طرف ثالث]، ربما خوفاً من أن تقع الدبابة بيد القوات الروسية في مسرح المعارك.
دبابة “تشالنجر 2” البريطانية
وعدت المملكة المتحدة بتسليم أوكرانيا 14 دبابة تشالنجر 2 بحلول نهاية شهر مارس (آذار).
تم تطوير “تشالنجر 2” من قبل شركة “فيكرز ديفينس سيستمز” Vickers Defence Systems التي تغير اسمها اليوم إلى “بي أي إي سيستمز” BAE Systems، ومنذ دخول الدبابة التي يبلغ طولها 8.3 متر الخدمة في القوات المسلحة البريطانية، استخدمت في العمليات في كل من البوسنة وكوسوفو والعراق، وهي مصممة لتدمير الدبابات المعادية. ويدعي الجيش البريطاني أن “أياً من دبابات تشالنجر لم يتم تدميرها بنيران عدوة أبداً”.
تشالنجر 2 هي من الدبابات الأثقل وزناً من بين نظيراتها الغربية الممنوحة لأوكرانيا، وعلى رغم قدراتها على إطلاق قذائف من إنتاج منظومة حلف الأطلسي، فإنها تستخدم ذخائر مختلفة لمدفعها الأساسي المخدد حلزونياً rifled gun [لتوجيه نيراني أدق] لمقذوفاته المصممة برؤوس حربية لاصقة تحتوي مواد شديدة الانفجار معروفة بـHESH، وهي دبابة أقل سرعة من مثيلاتها في المنظومة الغربية ومجهزة بمحرك بقوة 1200 حصان، أي أبطأ بـ300 حصان عن دبابات جيلها، وفقاً للدكتورة مايرون.
مدفعها المخدد حلزونياً من طراز 120 ملم يقال إن مداه الفاعل لا يقل عن ثلاثة كيلومترات ويستخدم قذائف قادرة على اختراق الدروع. ويزعم أيضاً أن تشالنجر 2 تحمل الرقم القياسي لأبعد تدمير ناجح لهدف العدو في معركة دبابات، ويسجل لدبابة تشالنجر نجاحها في تدمير دبابة عراقية عن بعد بلغ 4700 متر خلال حرب الخليج عام عام 1991.
وتقدم هذه الدبابة قوتها النارية وحماية هيكلها على مسألة سرعة حركتها، من خلال تدريعها الثقيل المشتمل على دروع دورشستر 2 “ذائعة الصيت عالمياً” مما يجعلها أقل سرعة قليلاً مقارنة بمثيلاتها، ولكن تعوض عن ذلك “قوة تصويبها الناري وقدراتها الفتاكة” بحسب الجيش البريطاني.
ويقول الضابط المتقاعد دو بروتون غوردون “في ما يتعلق بمسألة حماية الآلية، فإن دبابة تشالنجر 2 تتمتع بمستوى حماية عال، إذ يتطلب تدميرها إصابتها بقذائف عدة من دبابات تي-72، [الدبابة التي تعود للحقبة السوفياتية وتستخدمها الدولة الروسية] وعلى رغم ذلك فإن طاقمها غالباً ما ينجو من الهجوم”.
وكانت مصادر عسكرية قالت لصحيفة “اندبندنت” إن رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون كان يود التخلص من دبابات تشالنجر 2 عام 2021، عندما كان رئيساً للحكومة، لاعتقاده بأن تلك الدبابات انتهت صلاحيتها وجدواها العملية. من جهته، زعم وزير الدفاع البريطاني بن والاس الأسبوع الماضي أنه بصدد القيام بمراجعة “إن كانت الدروس المستقاة من حرب أوكرانيا تعني أن المملكة المتحدة ستحتاج إلى أسطول أكبر من الدبابات” بالتوازي مع عملية التطوير المزمعة إلى الطراز “تشالنجر 3”.
تي -72
لطالما اعتمدت كل من أوكرانيا وروسيا بقوة على دبابة القتال الرئيسة التي تعود للحقبة السوفياتية تي -72 والتي على رغم أنها كانت تمثل انتقالاً نوعياً في مستوى القوة النارية المتاحة لها لدى دخولها الخدمة عام 1973، بسبب مدفعها الرئيس من عيار 125 ميلليمتراً، إلا أن تلك الدبابة تجد نفسها اليوم أقل قدرة على منافسة القوة النارية لدبابات الجيل التالي.