يؤكد الجبوري وعدد من سكان الموصل، لـ”العربي الجديد”، عبر الهاتف، أنهم “اعتادوا بعد ما يقارب العام ونصف العام، حياتهم الجديدة، في ظلّ حكم داعش”، على الرغم من أن حياتهم هذه مُكرَهون عليها، لكن لا بديل لهم غير ذلك.
ووسط حالة “الاعتياد” هذه، تتواتر الأخبار أخيراً، التي تشير إلى تحشيدات دولية كبرى، للقضاء على “التنظيم”، ويؤكد سكان الموصل أنهم يتابعون تفاصيلها، فهم يعلمون أن روسيا وضعت لها موطئ قدم في سورية، والغاية من ذلك هو مقاتلة التنظيم، كما هو حال دول أوروبية كثيرة، خططت للقضاء على “داعش” الذي يتخذ من الموصل “عاصمة لخلافته”. لكن سكان الموصل يُجمعون على أن “طرد داعش لا يستوجب كل هذه الجيوش”، وهو ما لفت إليه عبد العزيز الموصلي، في حديث لـ”العربي الجديد”.
عبد العزيز الذي يتمتع بخبرة عسكرية وأمنية تراكمت من عمله في الاستخبارات العسكرية العراقية على مدى 37 عاماً، يرى أن “القضاء على داعش في الموصل، لا يستوجب سوى عمليات إنزال قوات في عدد من المواقع، مع القيام بهجوم بري من محاور عدة، يسبقها قصف مواقع محددة لمعسكرات داعش، عندها سينتهي الأمر في غضون يومين لا أكثر”.
ويضيف أن “التحشيدات العسكرية الدولية المتمثلة بتسيير بارجات وجيوش واستخدام طائرات، لم نر أي نتيجة إيجابية لها، وها هو التنظيم يتمتع بكامل قوته منذ احتلاله الموصل، على الرغم من القصف المستمر، الذي يكون المدنيون ضحاياه باستمرار”. ويشير الموصلي إلى أن “داعش لا يملك من الأسلحة النوعية ما يُمكّنه من إطالة أمد المعركة الحقيقية إن وقعت”، لافتاً إلى أن “الخاسر الأكبر من القصف المستمر هم المدنيون الأبرياء”.
أبو نبيل، يرى بدوره أن “داعش أسس قاعدة واسعة له داخل الموصل، مع ذلك لن تصعب هزيمته، لكن المشكلة تكمن في أن التنظيم لن يتوانى عن إحراق كل شيء، إنْ اضطر إلى ذلك، والجميع يعلم أن التنظيم يملك مواد كيماوية، وجميع عناصره انتحاريون، والخاسر الوحيد هم نحن سكان الموصل”.
ويلفت أبو نبيل، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إلى أن “الحياة طبيعية في الموصل، وقد اعتدنا على العيش ملتزمين بالقوانين الصارمة التي يفرضها التنظيم، في الملبس والمأكل والخروج للأماكن العامة. إنْ لم تكن هناك خطة حقيقية لإنقاذ السكان، فالأولى عدم المجازفة وإحراقنا بالكامل”.
إلى ذلك، يكشف خالد الحيالي، لـ”العربي الجديد”، أن “الخوف زال عن قلوب السكان، سوى على مستقبل الأطفال، لذلك اضطر الناس هنا للرضوخ لأمر عناصر داعش، وكثيرون تمكنوا من الهرب ونجوا بأسرهم وأطفالهم، لكنّ كثيرين آخرين ما زالوا يمنّون النفس بالهرب”.
ويضيف أن “الجميع هنا (في الموصل)، يعلمون جيداً أن الآتي أصعب بوجود معركة مرتقبة قد تُشنّ في أي وقت. جميعنا هنا ننظر إلى أطفالنا، هل سننجو بهم؟ ماذا لو قتلنا بالقصف وبقي أطفالنا مشردين؟ إنها كوابيس تلاحقنا ليل نهار”.
كل الظروف تدفع أهالي الموصل كي يتهيأوا للمعركة المقبلة عبر حفر الملاجئ. شاكر الجبوري، استغل المساحة الواسعة في حديقة منزله، ليحفر فيها سرداباً حصيناً، بحسب ما يعتقد، كي يحميه وأسرته من قصف الطائرات. ليس الجبوري وحده، بل الكثير من الأهالي فعلوا ذلك، وهم يدركون أن المعركة قد تندلع في أي لحظة. عن سبب بنائه الملجأ، يقول الجبوري لـ”العربي الجديد” إن “قضاء صغيراً مثل سنجار، تطلب تحريره عمليات كبرى تم خلالها قصف عنيف بالطائرات، فكيف بحال مدينة الموصل الكبيرة، ويتحشد بها التنظيم بين المناطق السكنية؟”.
وبنيت بعض الملاجئ في الموصل بطريقة بدائية، تحمي من فيها في حال سقطت القذيفة بالقرب منها، لكنها لن تحمي إن سقطت فوقها، بحسب ما رواه سكان من المدينة لـ”العربي الجديد”.
ويقول الحاج أبو ياسين، إن “الكثير من الناس هنا لا يملكون ثمن بناء ملجأ مناسب، لكنهم حفروا في حدائق منازلهم ملاجئ بحسب إمكانياتهم، وغطوها بالخشب، وأكياس الرمل”. ويضيف أن بعض السكان تعاونوا في بناء ملجأ، مستغلين مساحة فارغة من الأرض قريبة من منازلهم، مستدركاً بالقول “لكن جميع هذه الملاجئ بدائية، وليست عملية بدرجة كافية، لكنه يبقى خياراً جيداً”.
بدوره، يؤكد فاضل لـ”العربي الجديد” أن “داعش على علم بما يصنعه السكان، وشجع على إنشاء ملاجئ، وبعض عناصره صنعوها بالفعل لعوائلهم”.
فراس عبدالهادي (37 عاماً)، الذي نجح في الهرب من مدينته، الموصل منذ نحو ستة أشهر، يقول لـ”العربي الجديد” إنه على تواصل مع أصدقائه الذين ما زالوا داخل الموصل، ويؤكدون أن السكان يعلمون جيداً أن المعركة إن وقعت ستخلف أعداداً “مهولة” من الضحايا المدنيين، وفق قوله.
ويضيف: “هم يقولون إن قضاء سنجار لم يكن فيه سوى أعداد قليلة من مقاتلي (داعش) وقت حانت ساعة تحريرها، لكن القضاء تحول إلى أنقاض نتيجة القصف المدفعي والصاروخي، بالإضافة للقصف الجوي” فيما مدينة الموصل “يوجد فيه أعداد كبيرة من مقاتلي وقادة التنظيم، وهو مركز الخلافة، وهذا ما يرعب الأهالي”.
آدم محمود
صحيفة العربي الجديد
ا