هل يمكن لروسيا تدجين فاغنر في أفريقيا بدون تدميرها؟
سؤال طرحته صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير أعدته رجا عبد الرحمن وإيليان بيلتير وقالا فيه إن شركة التعهدات الأمنية متمكنة بعمق في جمهورية أفريقيا الوسطى ودول القارة الأخرى ولا يمكن استبدالها بسهولة كما يقول الخبراء. فبعد ساعات من إنهاء يفغيني بريغوجين تمرده يوم السبت، اتصل مسؤولون في وزارة الخارجية الروسية برئيس جمهورية أفريقيا الوسطى لتطمينه أن آلافا من المقاتلين الروس الذين نشروا في بلاده سيظلون في أماكنهم وأن روسيا ستواصل مشاريعها في القارة.
وبعيدا آلاف الأميال حيث كان التمرد جاريا، حاصرت القوات الروسية في سوريا عددا من القواعد العسكرية هناك، خشية أن تنتشر عدوى التمرد أبعد من روسيا. وأخبر مسؤولو وزارة الخارجية الروسية الرئيس فوستين أرشانج تواديرا أن القيادة الروسية واجهت عددا من القضايا مع “رئيس القوة شبه العسكرية” وأنه تم حل هذه المشاكل وأن الكرملين عاد للتحكم، كما أكدوا له.
لكن آخرين لم يكونوا متأكدين، فمجموعة فاغنر كانت مشروعا شخصيا لبريغوجين، وهو الذي بناه على مدى عقد وحوله إلى تجارة واسعة انتشرت أنيابه إلى ليبيا ومناطق في أفريقيا والشرق الأوسط. ونشرت المجموعة قواتها في عدد من دول أفريقيا وأكدت عدة شركات مرتبطة ببريغوجين حضورها في أكثر من عشر دول.
والآن وقد أصبح بريغوجين بالمنفى في بلاروسيا وتوزع معه عدد من المقاتلين الذين رفضوا القتال بأوكرانيا، فمن غير الواضح كيف ستعمل الشركة وهو في الظل. ويقول جون ليشتنر، الباحث الذي يعد كتابا عن شركة فاغنر إنهم أي بريغوجين ومساعديه “يعرفون الناس على الأرض ولديهم معرفة مؤسساتية” ولهذا فإن “الكرملين لا يمكنه استبدال هؤلاء الأشخاص ويتوقع أن تسير الأمور بنفس الطريقة التي كانت”.
وأكثر من هذا فقد أكدت وزارة الدفاع الروسية بعد تمرد الأسبوع الماضي على ضرورة توقيع مقاتلي فاغنر عقودا مع الجيش الروسي، وهو ما يعني تدمير استقلالية المجموعة. وطلب نفس الأمر من الروس والسوريين العاملين مع المجموعة في سوريا، ولا يعرف إن كانت الأوامر تنسحب على أفريقيا.
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” أول من كشفت عن جهود المسؤولين الروس تأكيد سلطتهم على المجموعة في أفريقيا. وتقدم فاغنر الأمن للرؤساء الأفارقة وتدعم الديكتاتوريين وتقمع الانتفاضات والتمردات باستخدام العنف وهي متهمة بالتعذيب والقتل والاغتصاب للمدنيين. كما وتتدخل في الشؤون السياسية للبلدان الأفريقية الحاضرة فيها وتنظم حملات دعائية وتضليلية، وفي حالة واحدة نظمت مسابقة جمال.
ولقاء كل هذه الخدمات تحصل على تنازلات مربحة في مناجم الذهب والماس واليورانيوم. وحتى اندلاع الحرب في أوكرانيا، ظل بريغوجين ينفي أية علاقة مع فاغنر وحتى وجودها، ولكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اعترف قبل أيام بعلاقة الدولة الروسية بالشركة، حيث أسهمت العلاقة الغامضة بحصولها على المصادر العسكرية والمالية الروسية المهمة. وحصل مقاتلوها على الطائرات والعربات المصفحة في وقت لعبوا فيه دور لاعبين من غير الدول. وبالمقابل قدمت الجماعة لروسيا وسائل تأثير وطرقا للتعبير عن القوة، وعادة عبر العنف الذي لا يميز بدون أن ينسب هذا للكرملين.
وفي الوقت الحالي، يبدو أن عملاء فاغنر تعاملوا بثقة مع كلام موسكو، وفي بعض الحالات لم يكونوا مستعدين للتخلي أو حتى التفكير بخسارة القوة العسكرية المهمة التي تقدم الدعم لهم. وقال فيديبل كوانجيكا، المستشار الخاص لتواديرا “أعطتنا روسيا فاغنر والباقي لا يهمنا” و”لو لم تعد فاغنر وأرسلوا لنا بيتهوفن أو موزارت فلن يغير هذا من الواقع وسنقبلهم” حيث أشار للموسيقيين نظرا لأن اسم الشركة مأخوذ من اسم الموسيقار الألماني فاغنر.
ويرى المحللون أن جمهورية أفريقيا الوسطى هي أهم قصة نجاح لفاغنر ومثال عن السيطرة على دولة، فالنشاطات والموارد المذهلة التي تتدفق من هناك تلخص المشاكل التي ستواجه الكرملين وهو يحاول السيطرة عليها. وتستخدم فاغنر الشركات الوهمية وبشكل واسع لإخفاء نشاطاتها، ولديها عدد من الكيانات المعروفة في جمهورية أفريقيا الوسطى التي تدير من خلالها نشاطاتها مثل إذاعة ومصنع للخمور ومصنع لتعليب المياه. كما وتقدم الحراسة الشخصية لتواديرا وتدرب القوات العسكرية للبلد.
إلى جانب كل هذا تتحكم فاغنر بشبكة طويلة من الطرق التي كانت فيها تنتشر عصابات النهب وتربط العاصمة بانغي وميناء دوالا في الجارة الكاميرون، حيث تحمل شاحنات الشركات التابعة لفاغنر الأخشاب والمواد الأخرى والمعفاة من الضريبة، حسب دبلوماسي غربي في بانغي. وتقول جوليا ستانيارد، المحللة البارزة في “غلوبال إنشيتف أغينست ترانزناشونال أورغانيزد كرايم” أو المبادرة العالمية ضد الجريمة العابرة للدول “هناك الكثير من الشركات الإفريقية التابعة” و”ما نعرفه هو طرف كرة الجليد”.
ويقول محللون إن الكرملين قد يستطيع استعادة السيطرة في بلدان توفر فيها فاغنر الجنود والخدمات العسكرية، لأن الشركة تعتمد على الدعم اللوجيستي من وزارة الدفاع. ففي مالي حيث يعمل حوالي 1.500 مرتزق من فاغنر إلى جانب القوات المالية لقتال الجماعات الإسلامية المتشددة، استخدمت فاغنر وبشكل واسع الطائرات والعربات العسكرية الروسية لنقل المعدات ونقل الجنود. وفي سوريا، حيث تدخلت القوات العسكرية الروسية عام 2015، يعمل مرتزقة فاغنر إلى جانب القوات الروسية. وقامت القوات الروسية ببناء حضور لجنودها حول قاعدتين عسكريتين لفاغنر، واحدة قرب دمشق وأخرى قرب الساحل السوري خشية ظهور تحركات استجابة للتمرد، وتم التشويش على الاتصالات فيهما.
والتقى نائب وزير الخارجية الروسي بشار الأسد في دمشق وبحثا شؤون “التنسيق” بين البلدين و”بخاصة في ضوء التطورات الأخيرة”. وأعطي مقاتلو فاغنر في سوريا حتى يوم الجمعة لتوقيع عقود مع وزارة الدفاع الروسية. وردد حساب على تيلغرام في جمهورية أفريقيا الوسطى الأمر، بدون أية إشارات عن صدور أمر بهذا الشأن هناك. لكن بحسب مستشار الرئيس تواديرا فالأمر لا يهم كثيرا. وقال وزير الخارجية سيرغي لافروف يوم الإثنين إن المرتزقة في مالي أو جمهورية أفريقيا الوسطى لن ينسحبوا من هناك وإن السفارة الروسية في بانغي أرسلت رسائل تطمين للمسؤولين. وقال كوانجيكا “روسيا لديها مخالب طويلة ولكننا لا نشعر بها” و”هم يفركوننا بالطريقة الصحيحة”.
القدس العربي