بدأت بوادر الصدام بين واشنطن وتل أبيب، الرئيس الأمريكي بايدن وصف حكومة نتنياهو بأنها واحدة من أشد الحكومات تطرفا في إسرائيل، واتهم الوزراء الذين يساندون الاستيطان في أي مكان يرغبون في الضفة الغربية، بأنهم جزء من المشكلة في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير بدأ الضربة الأولى من الجانب الآخر، ليذكر بايدن بأن إسرائيل لم تعد جزءا من الولايات المتحدة.
وبالنسبة للتطبيع بين السعودية وإسرائيل قال: «ما نزال على مسافة بعيدة من ذلك». وأكد أن أمن إسرائيل النهائي يتحقق مع حل الدولتين. وهو الحل الذي يعمل نتنياهو على سحقه تماما. وتجنب بايدن الإجابة على سؤال بشأن دعوة نتنياهو لزيارة البيت الأبيض. وقال إن أمن إسرائيل النهائي يتحقق في «حل الدولتين»، لكنه ذكر أيضا أن السلطة الوطنية الفلسطينية فقدت مصداقيتها، وشكك في قدرة إدارته على الاستجابة للمطالب السعودية في خصوص التطبيع مع إسرائيل. هذه التصريحات تمثل إشارات قوية إلى عمق الخلاف بين واشنطن وتل أبيب بشأن موضوعات الاستيطان، وحل الدولتين، كما تطرح تساؤلات بشأن موقف واشنطن من السلطة الفلسطينية، والتطبيع بين السعودية وإسرائيل.
يعتبر خبراء السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط أن تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، يمثل حجر الزاوية في سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة، في الوقت الحاضر
ويعتبر خبراء السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط مثل روبرت ساتلوف، ودينيس روس، ومارتن إنديك، وديفيد ماكوفسكي وغيرهم، أن تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، يمثل حجر الزاوية في سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة، في الوقت الحاضر، وأن أي إرباك للجهود المبذولة لتحقيقه، يمكن أن يفسد الوضع الإقليمي، ربما لعقود مقبلة. في مقاله الأخير عن خطورة ضعف السلطة الوطنية الفلسطينية، بالمشاركة مع غيث العمري وهو مسؤول ومستشار سابق للسلطة، ويعمل أيضا في المعهد، قال دينيس روس الدبلوماسي الأمريكي المخضرم، الذي عمل في إدارات أمريكية متعاقبة مسؤولا تنفيذيا، أو مستشارا لشؤون الشرق الأوسط، إن «السلام السعودي- الإسرائيلي هو الذي سيغير الحقائق الأساسية للمشهد السياسي في الشرق الأوسط». المقال المنشور على موقع مجلة «فورين بوليسي»، وموقع معهد واشنطن (6 يوليو/تموز)، يقدم رؤية قريبة جدا من توجهات إدارة الرئيس بايدن، التي تعتبر أن الشرق الأقصى هو منطقة المواجهة الرئيسية مع الصين، وأن إسرائيل تمثل المدير التنفيذي للمصالح الأمريكية فى المنطقة، وأن حصار التمدد الصيني فيها يتطلب جر السعودية بعيدا عن النفوذ الصيني، وأن إسرائيل هي القادرة على صنع ذلك. ويقرر روس والعمري في مقالهما (سنشير إليه لاحقا في «المقال»)، أن تدهور الوضع في الضفة الغربية، يهدد أي صفقة ممكنة بين السعودية وإسرائيل. ومن أجل توفير الأرضية الملائمة لدفع مشروع التطبيع، فإن الولايات المتحدة يتعين عليها تكثيف تحركاتها الدبلوماسية، من أجل إحداث اختراق في الحائط الذي يقف مانعا ضد تحقيق الهدف. ويقرر المقال أن «السلام السعودي – الإسرائيلي هو الذي سيغير الحقائق الأساسية للمشهد السياسي في الشرق الأوسط». واشنطن إذن تنظر إلى ما يحدث في الضفة الغربية من منظور مصالحها القومية، ومن خلال النافذة التي ترى منها دور كل من بكين وطهران.
المطالب الأربعة للسعودية
طبقا لما جاء في مقال روس والعمري، فإن السعودية في محادثاتها مع الإدارة الأمريكية، حتى الآن «لا تركز على ما تريده من الإسرائيليين لصالح الفلسطينيين، ولكن على ما تأمل هي في الحصول عليه من الولايات المتحدة». ولا نرى في هذا ما يضير المحادثات من وجهة النظر الواقعية؛ فالسياسة الخارجية لكل دولة تقوم على أساس مصالحها القومية. هذه المصالح، في التحليل النهائي، وإن كانت تبدأ من داخل الحدود، إلا أنها لا تتوقف عندها، وإنما تمتد إلى ما وراء الحدود، ومن الناحية الجغرافية البحتة، فإن إسرائيل تقع على حدود السعودية، ومن مصلحة القيادة السياسية في الرياض ضمان أمن واستقرار هذه الحدود، وهو ما يتطلب تفاهمات مع واشنطن، عبرت عنها الرياض في مطالبها الأربعة. ويذكر المقال أن ما تريده السعودية من أمريكا يتلخص في أربعة مطالب رئيسية، الأول هو التزام أمريكي رسمي بأمن السعودية، والثاني هو فتح الباب أمام السعودية للحصول على أكثر الأسلحة تطورا في ترسانة الأسلحة الأمريكية، والمطلب الثالث هو عقد شراكة في تطوير البرنامج النووي السعودي المدني – الصناعي، والرابع هو إقامة منطقة تجارة حرة بين البلدين. ويستبعد المقال أن تكون احتياجات الفلسطينيين «لها أولوية بالنسبة للسعودية في الوقت الحاضر»، لكن المقال يقرر أن القيادة السعودية، قبل إتمام صفقة التطبيع، ستريد تقديم «شيء ما» للفلسطينيين، من أجل المحافظة على صورتها داخليا، وكذلك لضمان أن توقيعها على صفقة مع إسرائيل، سيجذب أطرافا إسلامية، مثل إندونيسيا وماليزيا. المقال لم يتطرق ولو بالإشارة إلى مدى قدرة الولايات المتحدة على تلبية الشروط السعودية الأربعة، وموقف إسرائيل منها، وهو ما يدخل بالضرورة في حسابات الإدارة الأمريكية. كما لم يتطرق إلى ما تريده أمريكا لنفسها من الصفقة. ونستطيع القول بأن التطبيع السعودي – الإسرائيلي ليس طبخة جاهزة في المطبخ أو على المائدة، وإنما هي عملية معقدة في أكثر من جانب منها، خصوصا في ما يتعلق بحصول السعودية على أكثر الأسلحة الأمريكية تقدما، وهو أمر يصطدم مع تعهد واشنطن بالتفوق العسكري النوعي لإسرائيل على كل جيرانها، وأيضا في ما يتعلق بالبرنامج النووي السعودي، حيث توجد موانع قانونية تحول دون تعاون مفتوح بين البلدين، حيث تشترط السعودية امتلاك تكنولوجيا دورة الوقود النووي كاملة للاستخدامات السلمية، وهو ما يصطدم بمعارضة قوية من جانب الكونغرس. وفوق ذلك فإن السنوات الأخيرة سجلت زيادة في عدم الثقة بين الرياض وواشنطن، وتصميم القيادة السعودية، وليس ولي العهد فقط، على إنهاء تقييد السياسة الخارجية بمبدأ «النفط مقابل الدفاع»، الذي تحاول واشنطن إعادته للعمل مرة أخرى.
ماذا يقترح روس والعمري؟
من أجل إعادة الأمن، وتوسيع نطاق «اتفاقيات أبراهام»، فإن واشنطن وحلفاءها يتعين عليهم اتخاذ خطوات عاجلة، للمحافظة على السلطة الوطنية الفلسطينية من الانهيار. وتضمن المقال عددا من المقترحات، منها أن يقوم المانحون بتنظيم ضغوط على أبو مازن، لتعيين رئيس وزراء «إصلاحي»، وإتاحة فرص عمل كافية للشبان الفلسطينيين، الذين لا يرون مبررا للابتعاد عن استخدام العنف. كما يدعو المقال إلى مراجعة بروتوكولات باريس الاقتصادية لعام 1994، التي كانت تستهدف إقامة «اتحاد جمركي» بين إسرائيل والمناطق الخاضعة للسلطة الوطنية. ويقول إن الاتفاقيات المعمول بها حاليا تجاوزها الزمن، وتحرم السلطة من جزء كبير من الإيرادات. هذه المراجعة من شأنها تغيير الوضع المالي للسلطة، بما يساعد على تمويل الإصلاحات المطلوبة. كما يقترح المقال الكف عن إعلان برامج استيطان جديدة، وعدم تقنين البؤر الاستيطانية، ومعاقبة المسؤولين عنها، ومنع المستوطنين من إحياء مستوطنة «حومش» التي تقع على تل بين مدينتي جنين ونابلس في شمال الضفة الغربية. لكن هذه الدعوة بخصوص تقييد الاستيطان تصطدم بقوة مع نهج الحكومة الحالية، التي أقرت خطة استيطان على مرحلتين، تتضمن إنشاء أكثر من ثلاثة عشر ألف مسكن جديد للمستوطنين، وتقنين البؤر الاستيطانية التي اعتبرتها الحكومة السابقة «غير قانونية»، وإحياء أربع مستوطنات كان قد تم تفكيكها من قبل منها مستوطنة «حومش» التي دعا المقال إلى عدم إعادة بنائها. «حومش» مقامة على أرض فلسطينية مملوكة ملكية خاصة، كانت المحكمة العليا الإسرائيلية قد أصدرت حكما يقضي بإعادة الأرض المقامة عليها لمالكيها عام 2013. وتعتبر «حومش» حاليا أحد أهم مراكز نشاط المستوطنين المتطرفين. ولا تلتقي تلك المقترحات مع نهج الحكومة الإسرائيلية الحالية. ويريد نتنياهو أن تتحول السلطة إلى مجرد شرطي يعمل لحساب الحكومة في الضفة الغربية. ومع ذلك فقد اشترط التزامها أولا بأربعة شروط أساسية هي: أولا، الالتزام بوقف أنشطتها ضد إسرائيل في الساحة الدولية. ثانيا، وقف التحريض ضد إسرائيل في وسائل الإعلام وفي منظومة التعليم. ثالثا، وقف رواتب عائلات منفذي العمليات. ورابعا، وقف البناء في المنطقة ج. وهي شروط تضمن أن تصبح السلطة رجل الشرطة الذي يمثل إسرائيل بامتياز.
ويختتم روس والعمري مقالهما بالتحذير من ضياع الوقت، بشأن الجهود التي تبذلها واشنطن من أجل تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل. ويحذران في مقالهما من أن انهيار السلطة الفلسطينية يقلل احتمالات حدوث ذلك قائلين: «مع أن الوقت ليس متأخرا بعد لإنقاذ هذه الجهود، إلا أنه يمر بسرعة». هذا التحذير وإن كان يعكس إلحاح أولوية المصالح الأمريكية، لكنه لا يلتقي مع إلحاح مماثل من جانب أي من السعودية أو إسرائيل.
القدس العربي