تتعاظم المشاكل والأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالمواطن الإيراني بسبب الإجراءات والوسائل التي يتبعها النظام الإيراني وعدم قدرته على تجاوز حدود هذه الأزمات بايجاد الحلول الجذرية لها وتحسين أداء الوزارات الحكومية والمؤسسات التنفيذية وغياب القرار السياسي الذي يدعم عملية التحولات الاقتصادية نحو المقبولية الدولية برفع العقوبات عن إيران والشروع ببناء علاقات دولية واقليمية يبتعد فيها مسؤولي النظام وأجهزته الأمنية والعسكرية عن مشروع التمدد والنفوذ في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي واتباع سياسة واقعية تعمل على معالجة الأوضاع المأساوية للشعوب الإيرانية وحدة الحالة المعيشية بسبب الإرتفاع الكبير في اسعار السلع الاستهلاكية والمواد الغذائية والطبية وانخفاض العملة المحلية مقابل الإرتفاع الكبير للعملات الأجنبية وزيادة حجم التضخم المالي ونسبة البطالة والفقر والعوز في المجتمع الإيراني الذي بدأ يعاني من شظف العيش وصعوبة الحياة والخوف من المستقبل القادم.
استمرت سياسة النظام الداخلية وتوجهاته بقمع الحريات الشخصية والتصدي للإحتجاجات الشعبية واستخدام القوة والعنف والتسلط ووسائل الترهيب والاعتقالات العشوائية ومناهضة الأصوات الداعمة للانتفاصة الجماهيرية والتي ابتدأت بإطلاق دوريات الشرطة المحلية لمواجهة ما يسميه النظام (السلوك الاجتماعي غير الملائم) واتخاذه حجة لحملات الاعتقالات المستمرة ومنع أي تحقيق للمطالب التي خرجت بها الجماهير منتصف شهر أيلول 2022 بعد مقتل الشابة الكردية اميني واستمرار باستخدام أدوات القتل والضرب والتعذيب مما أدى إلى إرتفاع حدة الغضب الشعبي لتصرفات النظام وتصاعد الحراك الميداني الذي ينذر مستقبلاً باسقاط النظام والتخلص منه.
بدأت الأوساط الحكومية تدرك خطورة الأوضاع وأعلن مركز الأبحاث التابع لمجلس النواب الإيراني في حزيران 2023 بأنه وخلال الفترة من 2011_2022 أضيف (11)مليون مواطن إيراني إلى شريحة الفقر، وهذا دليل واضح على ضعف وانهيار المنظومة الاقتصادية وعدم وجود أليات حقيقية تواجه الأوضاع المأساوية ومكافحة الفساد المالي وظاهرة المحسوبية واتباع الإجراءات الملائمة لإيقاف نزيف ارتفاع سعر العملات الأجنبية وتراجع القدرة الشرائية لأبناء الشعوب الإيرانية، وهذا ما أكده التقرير الاقتصادي الصادر عن غرفة تجارة طهران بداية شهر تموز 2023 من ان نسبة التضخم المالي ستصل إلى 35 ٪ ثم ترتفع الى39٪
لتنتهي إلى 43٪ في حالة عدم التحوط المالي وفقدان الإجراءات الكفيلة لمواجهة الانهيار الاقتصادي المستمر.
جاءت الأحداث الأخيرة والمواجهات الشعبية لتعمق حالة الانفلات الاجتماعي وترفع حجم جرائم السرقة بسبب العوز والحاجة وانتشار البطالة ووجود ثلث الإيرانيين عند حافة الفقر بانعدام فرص العمل وعدم احتواء الشباب الذي وصل العاطلين منهم إلى 20 مليون شاب وهناك 5 مليون يتعاطى المخدرات واخرين باعمار تتراوح بين 13_18 سنة لا يذهبون للمدارس وبعدد 5 مليون مواطن، وهذا ما يشكل خطراً مجتمعياً كبيرا ً يهدد البنيان الأسري والقيم والأخلاق والسلوك المجتمعي في إيران، وتحدث عن هذه المأساة الاجتماعية عضو مجلس تشخيص النظام (علي أقا محمدي) في 28 مايس 2023 بقوله ( يوجد 19 مليون و700 الف إيراني محرومين من الإمكانيات الأساسية للحياة في السكن والتوظيف والتعليم والصحة والغذاء والملابس).
أمام هذه الأحداث والتطورات الداخلية لم يعمل النظام على مواجهتها بشكل إيجابي وإنما استمر في إجراءاته التعسفية باضطهاد وملاحقة المشاركين والداعمين للإنتفاصة الشعبية منتصف أيلول 2022 فسعى إلى غلق مكاتب الجمعيات والمؤسسات الطلابية وتعليق عضوية الطلبة فيها بل وحرمان قسم منهم من مواصلة الدراسة وعمل على اضطهاد أساتذة الجامعات ومنهم (بهارك اختر دانش ومحمد مهدي عليوي) التدريسين في جامعة باهنر واستدعاء (رهام أفغاني) عضو هيئة التدريب بكلية الهندسة المعمارية في جامعة بهشتي الي قسم التوجيه العقائدي السياسي ثم فصله واتهام الاستاذ بقسم الاتصال المرئي بجامعة طهران (ناصر مقدم كوهي) بتقديم الدعم والمساندة للطلبة المتظاهرين، مما حدى بمجلس اتحاد الطلاب في إيران بالقول ان هذه الإجراءات ستؤدي إلى إفراغ الجامعات من الأساتذة الفاعلين، وقامت رئاسة جامعة تبريز بتعليق أنشطتها العلمية مدة ستة أشهررداً على إجراءات النظام التعسفية.
يستمر الاحباط النفسي والخوف الشديد والرفض الشعبي لدى أبناء الشعوب الإيرانية من تزايد حالة التراجع والإنهيار في المنظومة الإقتصادية والتدهور في الأوضاع المعيشية وعدم اهتمام النظام الإيراني بالعمل على مواجهة الأزمات الإجتماعية والحد من أسلوب سياسته الداخلية وعلاقته الخارجية بالعمل على فتح نوافذ واقعية للحد من العقوبات الاقتصادية وتفعيل أدوات الحوار في مفاوضات البرنامج النووي الإيراني.
وحدة الدراسات الايرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية