بغداد – في المنطقة الخضراء ببغداد، وهي منطقة محصنة من إرث سنوات الحرب في العراق، توضع اللمسات الأخيرة على فندق ريكسوس الفخم بتمويل قطري، مما يسلط الضوء على الاهتمام الاستثماري المتزايد من دول الخليج.
وتأمل حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في استضافة زعماء دول الخليج وغيرهم من الوفود من الشرق الأوسط في غرف وأجنحة ريكسوس بغداد الفاخرة وعددها 470 غرفة وجناحا عند وصولهم لحضور قمة جامعة الدول العربية المقررة العام المقبل.
وتسعى حكومة العراق إلى جذب المزيد من الاستثمارات من المنطقة من أجل اقتصاد تضرر خلال عقود من الحرب والاضطرابات، لكنه يستفيد من عائدات نفطية قياسية مما يساعد على تحفيز الطلب على السلع الاستهلاكية من السكان الذين يتزايد عددهم بسرعة ويقدرون بنحو 43 مليون نسمة على الأقل.
ويشهد العراق، العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) هدوءا نسبيا منذ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2017، على الرغم من وقوع أعمال عنف متفرقة، بما في ذلك بين الفصائل الشيعية الحاكمة وهجمات في الآونة الأخيرة من جماعات متحالفة مع إيران.
تعزيز العلاقات الاقتصادية الخليجية مع العراق محاولة لإبعاد بغداد عن إيران وتقريبها من البيئة السياسية العربية
وتمثل الصين وإيران وتركيا حاليا أكبر الشركاء التجاريين للعراق. ومع ذلك، تعهدت دول الخليج، التي كانت علاقاتها مع العراق معقدة، بسلسلة من الاستثمارات في إطار مساعيها لتنمية القوة الناعمة في بلد يتمتع فيه إيران بنفوذ لا مثيل له عبر شبكة قوية من الحلفاء. وتم تحقيق ذلك جزئيا من خلال انفراجة في العلاقات بين إيران والسعودية.
وقال معتز الخياط، رئيس مجلس إدارة شركة استثمار القابضة القطرية التي تقف وراء مشروع ريكسوس إن هذا هو الوقت المناسب للاستثمار في العراق، مشيرا إلى قدرة الحكومة العراقية على بناء مشروعات ضخمة وجذب مستثمرين دوليين.
وقال إن العراق يتمتع بالأمان والانضباط بشكل أكبر. وإنه يعتقد أن بغداد ستكون واحدة من أهم العواصم العربية في خلال 25 عاما مقبلة.
وقطعت دول الخليج السُنية العلاقات مع العراق بعد غزو الرئيس السُني الراحل صدام حسين للكويت عام 1990، لكن اليد العليا آلت إلى الفصائل الشيعية المتحالفة مع إيران عندما أُطيح بصدام في غزو قادته الولايات المتحدة عام 2003.
وفي عام 2014، اتهم رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي السعودية وقطر بتحريض وتمويل مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في البلاد، وهو ما نفاه البلدان.
لكن العلاقات تتنامى مع سعي بغداد لتحويل العراق إلى مكان للتعاون بين المتنافسين في المنطقة، كما حدث عند استضافة المحادثات بين السعودية وإيران في عامي 2021 و2022 والتي ساعدت في تمهيد الطريق لتطبيع تاريخي للعلاقات بينهما في مارس آذار 2023.
وقال محجوب الزويري مدير مركز دراسات الخليج بجامعة قطر إن السعودية وقطر والإمارات شرعت بعد ذلك في تعزيز العلاقات الاقتصادية مع العراق في محاولة لإبعاد بغداد عن إيران وتقريبها من “البيئة السياسية العربية”.
وفي مايو 2023، قالت السعودية إنها خصصت ثلاثة مليارات دولار للاستثمار في العراق عبر صندوق الاستثمارات العامة بالمملكة، وأعلنت لاحقا عن مشروع متعدد الأغراض بقيمة مليار دولار يشمل مكاتب ومتاجر وأكثر من 6000 وحدة سكنية.
وزار أمير قطر الشيخ تميم بن حمد ال ثاني بغداد في يونيو 2023، حيث وقعت شركة استثمار مذكرات تفاهم بقيمة سبعة مليارات دولار لتطوير مدينتين سكنيتين جديدتين وفنادق خمسة نجوم وصفقات لإدارة وتشغيل المستشفيات.
وقال عبدالعزيز الغرير رئيس غرفة تجارة دبي إن العراق بلد ضخم ولديه إمكانيات كبيرة وربما أدركوا هناك أن الشريك الأكبر والأفضل لهم يجب أن يكون من المنطقة.
وارتفعت الصادرات من أعضاء غرفة تجارة دبي 96 في المئة تقريبا في النصف الأول من العام الماضي. كما أبدت دول الخليج اهتماما متزايدا بقطاع الطاقة العراقي، وهو منطقة نفوذ رئيسية لإيران التي تزود العراق حاليا بما يصل إلى 40 في المئة من احتياجاته من الطاقة.
واستحوذت قطر العام الماضي على حصة 25 في المئة في صفقة بقيمة 27 مليار دولار بقيادة شركة توتال إنرجيز الفرنسية لتطوير إنتاج النفط واحتجاز الغاز الذي يحرقه العراق حاليا، في حين وقعت شركة أورباكون القابضة القطرية مذكرة تفاهم بقيمة 2.5 مليار دولار لتطوير محطتين للطاقة يبلغ إجمالي طاقتهما الإنتاجية 2400 ميجاوات.
دول الخليج تتعهد بسلسلة من الاستثمارات في إطار مساعيها لتنمية القوة الناعمة في بلد يتمتع فيه إيران بنفوذ لا مثيل له عبر شبكة قوية من الحلفاء
كما وقعت شركة نفط الهلال، ومقرها الإمارات، العام الماضي ثلاثة عقود مدتها 20 عاما لتطوير حقول الغاز الطبيعي في محافظتي البصرة وديالى الجنوبيتين. وتعتزم شركة أكوا باور السعودية إنشاء مزرعة للطاقة الشمسية بطاقة إنتاجية 1000 ميغاوات. كما يعمل العراق على ربط شبكة الطاقة لديه بالكويت، وفي المستقبل بالسعودية.
وتبقى هناك تساؤلات بشأن رد فعل إيران على الوجود المتزايد لدول خليج عربية في العراق كما يسلط تصاعد أعمال العنف الضوء على هشاشة الاستقرار النسبي في البلاد.
وعلى مدى أكثر من أربعة أشهر شهد العراق هجمات صاروخية بوتيرة شبه يومية تنفذها جماعات مسلحة مدعومة من إيران على قوات أميركية موجودة لمساعدة القوات المحلية على منع عودة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية. وفي يناير تسبب هجوم إيراني بصاروخ باليستي على منطقة كردستان العراق في مقتل رجل أعمال بارز.
كما أن لدى كثير من المستثمرين مخاوف بشأن الفساد المستشري والبيروقراطية المعيقة التي تزيد من صعوبة كل إجراء، من توقيع عقد إلى استلام مدفوعات، مما يعطي أهمية كبيرة للصلات السياسية والوعود.
وقال الزويري إنه ليس واثقا من أن الاستثمارات القادمة من الخارج في العراق ستساعد على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وعزا ذلك إلى انتشار الفساد والتناحر السياسي.
وقضت المحكمة العليا في العراق في سبتمبر بأن اتفاقا لترسيم الحدود البحرية مع الكويت غير دستوري في ضربة للنوايا الطيبة المتنامية مع دول خليج عربية.
وقرار المحكم نهائي لكن مجلس التعاون الخليجي وصفه بأنه لاغ. وبوسع البرلمان أن يصدق على اتفاق جديد ويقول مسؤولون عراقيون إن المحادثات في هذا الشأن جارية.
وقال دبلوماسي خليجي “لا نزال على تفاؤل بشأن العمل في العراق رغم وجود مخاوف من أن البعض في المنطقة قد يسعى لإفساد ذلك”.
العرب