تشهد أسواق البخور والعود في المملكة حراكا نشطا استعدادا لقدوم عيد الفطر المبارك، وتتميز المواد المعروضة للبيع بتنوعها ومنها البخور ودهن العود والعطور الفخمة بمختلف أنواعها. ويحظى العود بشعبية لدى السعوديين ويفضلونه على الكثير من العطور الفخمة. وتستورد المملكة البخور من الهند وفيتنام وتايلاند وكمبوديا وماليزيا وإندونيسيا.
الرياض – حراكٌ نشط تشهده أسواق البخور والعود هذه الأيام في السعودية لتغطية الطلب المتزايد من قبل المستهلكين استعداداً لقدوم عيد الفطر المبارك، إذ تُعد رائحة العود والبخور جزءًا من ثقافة المملكة، وترتبط ارتباطا وثيقا بعادات وتقاليد الأسر وتمثل عادة متأصلة لإكرام الضيوف المهنئين بالعيد.
وبحسب هيئة الزكاة والضريبة والجمارك بلغ حجم واردات المملكة عبر المنافذ الجمركية من خشب العود طنا و145498 كيلوغرامًا، فيما بلغ حجم واردات المملكة من دهن العود 1513 كيلوغرامًا، وذلك خلال النصف الثاني من العام الماضي والربع الأول من عام 2024.
ورصدت وكالة الأنباء السعودية الحراك التجاري خلال هذه الأيام والإقبال على المتاجر التي تسجل مبيعاتها من البخور ودهن العود والعطور بمختلف أنواعها زيادة متسارعة مع قرب حلول عيد الفطر؛ ففي جولة في سوق الزل، إحدى الأسواق القديمة بحي الديرة في العاصمة الرياض، يظهر حجم المعروض من العود الطبيعي والمحسن والصناعي، تقابله كثافة المتسوقين لما يتميز به العود ودهن العود من شعبية وتفضيله على الكثير من العطور.
ويصل سعر الكيلوغرام الواحد من العود الطبيعي والنادر إلى 400 ألف ريال، فيما يتراوح سعر الوقية الواحدة من العود المحسن بين 100 و6000 ريال بحسب الجودة وكمية الدهن التي ترتبط بمصدر الاستيراد من دول جنوب شرق آسيا، أشهرها الهند وفيتنام وتايلاند وكمبوديا وماليزيا وإندونيسيا، فالأشجار المنتجة تتميز بأنها معمرة وكلما زادت في العمر كانت أزكى رائحة.
وفي الوقت الذي يشهد فيه عالم العطورات تطورًا وتنوعًا يلبي مختلف الأذواق، أكد أحد أصحاب محال البيع في السوق محمد الصالحي أن العود مازال محافظًا على مكانته ومتجانسًا عند مزجه مع بعض العطور الأخرى، عطفًا على خصائصه من حيث الجودة وثبات الرائحة، مبينًا أن خيارات الشراء متعددة أمام المستهلك فمع زيادة أسعار الطبيعي منه بات العود المحسن والصناعي خيارًا مناسبًا لدى البعض لاعتدال قيمته، ولذلك تتعدد صنوف المعروض من العود ودهن العود، وتتنوع في أسعارها.
ومن أحد المحال في السوق تحدث فهد العتيبي عن مميزات العود الطبيعي المحسن، موضحًا أنه يتم اختيار أفضل أنواع العود وتحسينها بعناية فائقة لتقديم تجربة عطرية فريدة، مشيرًا إلى أن رائحته قريبة جدًا من رائحة العود الطبيعي الأصلي، وتبقى ثابتة لمدة طويلة على الجلد والملابس، ما يجعله محببًا لدى الكثيرين.
وأشار العتيبي إلى أن أسعار العود المحسن مناسبة ومتنوعة، حيث يمكن العثور على أنواع مختلفة بأسعار تتراوح بين 1500 و6000 ريال للكيلوغرام الواحد.
وذكر تاجر العود في شارع الثميري محمد القوسي أن أنواع العود المتوافر في السوق يتصدرها المروكي وهو الأغلى سعرا، ثم يأتي الموري الهندي والماليزي المصنع.
أما عن مكون العود الصناعي فقد أشار البائع حسين الزيادي إلى أنه يتم إنتاجه باستخدام قطع خشبية عادية بلا رائحة، ويتم تحسينها بإضافة مواد شبيهة بالعود مثل الرسين، ما يمنحها رائحة فواحة تشبه العود الطبيعي إلى حد ما، ورغم ذلك يؤكد الزيادي أن العود الصناعي لا يصل إلى مستوى الجودة والتميز الذي يتمتع به العود الطبيعي المحسن، ويعتبره خيارًا بديلًا بسعر أقل.
وتفوح رائحة العود والبخور من كلّ بيت سعودي. فهو جزء أساسي في حياة السعوديين وله مكانة خاصة في قلوبهم. ويُحرق البخور عادة بالفحم المشتعل ليتم تمرير المبخرة على الضيوف في المجلس دليلاً على حسن الضيافة، ولاستقبال الأعياد وعند الخروج إلى المساجد وأداء الزيارات الاجتماعية، وللتخلص من رائحة الطهو والروائح المزعجة. كما يأتي عشق البخور لأسباب تتعلق بأصالة العطر الذي لا يماثله عطر شرقي آخر، ولارتباطه بالتقاليد والموروث الثقافي؛ فمازال يعطر الطقوس الاجتماعية وينشر عبيره بين هبات النسائم المعطرة التي تعبق في الأروقة.
والبَخُور عبارة عن عطور فاخرة تنقسم إلى قسمين، “دهن العود” و”خشب العود”. ويختلف العود في حجمه، حيث يُسمى الصغير “الدقة” والكبير “كسر”. ويُستخلص دهن العود مما يفرزه خشب العود أثناء عملية طبخه بطرق فنية. وتنسب مسميات العود إلى اسم الغابات التي تتم فيها زراعة أشجار العود المعمرة التي تسمى “إقوالوريا”. ويتم استخراج هذا المكون النادر عبر عملية الحصاد والتقطيع في موسم الشتاء. وبعد قطع الأجزاء المصابة وتنظيفها تبدأ عملية التلميع. ثم يقوم خبراء العود بعملية الفرز حسب معياري الوزن واللون.
وأجود أنواع خشب العود وأغلاها ثمناً هو خشب “الدبل سوبر” الأسود الذي يتميز بصلابته وثقل وزنه. أما العود الصناعي فهو مصنوع من خشب الشجر العادي ومصبوغ بالأسود ويُصب عليه دهن عود، لتفوح منه رائحة بُخور خفيفة.
ومن الأنواع المحببة لدى السعوديين الحست والعنبر والصندل والمسك والحبوب ودخون العود الذي يصنع بطحن العود وإضافة دهن الورد والعطور الشرقية، ثم تخلط المكونات معا وتعجن لتصبح في شكل أقراص مستديرة. وعادة ما يفضل الرجال التطيب بالعود المستورد من الهند أما النساء فيتطيبن ببخور الدخون. وهناك علاقة حب تجمع بين التعطر بعود البخور والمرأة السعودية التي تعطر شعرها وثيابها به لتلتصق بها رائحة البخور فتمنحها إحساساً بالانتعاش.
وتحرص الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي على تطييب الكعبة المشرفة وتبخير كافة جنبات الحرم المكي الشريف بأرقى أنواع الطيب والبخور خمس مرات يومياً، وذلك تعظيماً وإجلالاً لبيت الله الحرام. ويطيب الحجر الأسود والملتزم والركن اليماني بأجود أنواع دهن العود، إضافة إلى تبخير المسجد الحرام بـ3 كيلوغرامات يومياً موزعة على 30 مبخرة في كافة أرجاء الحرم، خاصة في موسم شهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى.
وتتميز السوق السعودية بتعدد أجود أنواع العود المستوردة من غابات الدول الآسيوية. ولكثرة استخدام المجتمع السعودي للعود في الضيافة ومناسبات الأفراح والأعياد، يصل حجم مبيعات البخور بكافة أنواعه في السوق السعودية إلى 5 مليارات ريال. كما يستقبل معرض البخور والعطور الدولي في السعودية وسوق القيصرية التاريخي في الأحساء خبراء ومحبي العطور من دول الخليج والوطن العربي؛ إذ تعد صناعة البخور مهنة متوارثة منذ القدم في الأحساء، ومازالت مصدر دخل الكثير من السعوديين. ولأن التطيب بالبخور يعتبر إحدى العادات المتوارثة، تستهلك السوق السعودية أعلى كمية من البخور في العالم.
إن من الأساسيات في حياة السعوديين وبيوتهم رائحة البخور التي تكاد تجتاح البيوت وكل الاستعمالات اليومية كتقليد عريق وعتيق له مكانة خاصة في قلوبهم، كما يعتبر نشر بخور العود وتمرير البخور من علامات الفرح بقدوم الضيف وحسن الضيافة، وتأتي هذه العلاقة الوثيقة ببخور العود وعشقه كارتباط تاريخي بالأصالة.
وفي الثقافة السعودية يتبوأ يوم الجمعة مكانة مرموقة، كيف لا وهو يوم تلتئم فيه قلوب المسلمين لأداء صلاة الجمعة، ومن مظاهر الفرحة بحلول الجمعة استعمال بخور العود كتقليد عريق يعكس القيم والتقاليد الثقافية للسعوديين ويؤثث فضاءات هذا اليوم الخاص.
وينفرد العود برائحته الزكية المميزة، ويعتبر استعماله يوم الجمعة عملا مميزا ومظهرا يجسد العمل الرمزي والاحتفال بهذا اليوم العظيم الذي يجدد فيه المسلم صلته بربه، ويحدث العود تأثيرا نفسيا إيجابيا على الروح والنفس، ويخلق جوا من السكينة والطمأنينة والهدوء وانشراح الصدر.
ولا تقتصر فوائد استخدام العود يوم الجمعة على الجانب الروحي فقط، بل تشمل الجانب الصحي للعقل والجسم، فمن المتعارف عليه أن لرائحة العود دورا هاما في تحفيز الاسترخاء وتقليل التوتر والقضاء على القلق.
العرب