إسرائيل وحزب الله.. هل يتدحرج التصعيد لحرب شاملة؟

إسرائيل وحزب الله.. هل يتدحرج التصعيد لحرب شاملة؟

إن تطورات الحرب في قطاع غزة بدأت تلقي بظلالها على الكثير من الملفات الداخلية والخارجية، خصوصًا مع تزايد العمليات العسكرية في الضفة الغربية التي تصاعدت بشكل كبير، ناهيك عن الهجمات الصاروخية والطائرات المسيّرة على الجبهة الشمالية مع لبنان التي تشهد اشتعالًا خلال الساعات الماضية، حيث أطلق الحزب مئات الصواريخ على إسرائيل ردًا على الضربات التي قامت بها القوات الإسرائيلية للأراضي اللبنانية، والتي أخذت سياقًا متدرجًا في التصعيد المقيد ضمن قواعد اشتباك، ولكنها تطورت الآن بشكل نوعي وغير مسبوق، مما ينذر بالذهاب إلى مواجهة شاملة ومفتوحة.

وهذا التصعيد يأتي مع الهجمات التي تنفّذها جماعة الحوثي على السفن التابعة للكيان الصهيوني في البحر الأحمر وبحر العرب، وكذلك الضربات التي توجّهها الجماعات المسلحة في العراق لأهداف في الداخل الإسرائيلي، وهنا تجدر الإشارة للضربات التي وجهتها إيران في ليلة 13/ 14 أبريل/ نيسان الماضي، الأمر الذي جعل إسرائيل تشعر بأنها محاطة بأعداء وتهديدات خطيرة ومتعددة على المستويين: الأمني والعسكري.

وهذا يعني أنّ إسرائيل مجبرة على التعامل مع جبهات متعددة وساخنة في توقيت دقيق، مما يشكل خطرًا حقيقيًا وغير مسبوق على الأمن القومي الإسرائيلي أكثر من الجبهة الجنوبية في قطاع غزة، وسيبقى السؤال: هل تستطيع إسرائيل في ضوء التطورات الجارية الذهاب إلى حرب مفتوحة وشاملة مع حزب الله، وهي عالقة في غزة دون تحقيق الأهداف؟، وهل تمتلك القدرات العسكرية والاقتصادية والشرعية القانونية لتوسيع دائرة النار في هذه الجبهة؟، وهل إسرائيل معنية بدفع مقاتلي حزب الله إلى خلف نهر الليطاني؟، جميع هذه التساؤلات تحتاج إلى تفصيل لنخرج باستنتاجات حول ذلك.

تآكل منظومة الردع الإسرائيلي
يبدو أنّ نجاح منظومة الردع الإسرائيلي في إدارة الحروب النظامية طوال الفترة الماضية لم يدم كثيرًا، خصوصًا أنها كانت تدير حروبًا مع جيوش نظامية بإستراتيجية مباشرة، والتي كان آخرها حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، والتي تعتبر آخر الحروب النظامية للجيش الإسرائيلي في المنطقة، حيث ركّز جيش الاحتلال على تطوير إمكاناته وقدراته العسكرية والتقنية والتكنولوجية بشكل كبير، ومخيف لكل من يحاول التفكير في مواجهة الكيان، وخاصة تطوير القوة الجوية، ومنظومات الدفاع الجوي، ومنظومات التنصت والمراقبة، والطائرات المسيرة، مما جعل الاحتلال يتمتع بمنظومة ردع قوية ومتكاملة.

ولكن هذا التفوق العسكري الحاسم لم يستمر طويلًا مع تطور أجيال الحروب، وصولًا إلى الجيلَين: الرابع والخامس، حيث ظهرت جماعات مسلحة في بلدان متعددة تعمل على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، بما تمتلك من قدرات بسيطة وبدائية، مثل: حزب الله في لبنان، وحماس في فلسطين، حيث طوّرت هذه الجماعات المسلحة قدراتها العسكرية بشكل يواكب التطور العسكري لجيش الاحتلال الإسرائيلي، بما فيها الاعتماد على التصنيع العسكري المحلي، حيث بدأت المواجهات العسكرية تتسع بين الجانبَين في حروب ومواجهات متعددة، وكان آخرها مع لبنان في عام 2006، ومع حماس في معركة “سيف القدس” في عام 2021، ومع سرايا القدس في معركة “الفجر الصادق” عام 2022.

لقد بدأت منظومة الردع الإسرائيلية تتآكل بعد أن كُسر حاجز الخوف، وسقطت نظرية الجيش الذي لا يقهر، حيث خاضت المقاومة الكثير من الحروب والمواجهات العسكرية المباشرة على الساحتَين: اللبنانية والفلسطينية، وآخرها ما يجري اليوم من حرب ضروس في قطاع غزة، وعلى الجبهة اللبنانية، بعد أن فشلت هذه المنظومة بما تمتلكه من قوات وقدرات عسكرية هائلة وترسانة كبيرة تعد الأولى بين دول المنطقة في الدفاع عن نفسها، فضلًا عن قدرتها على ردع خصومها.

إعلان

وقد ظهر ذلك جليًا في أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث تضررت سمعة الجيش الإسرائيلي عندما سيطرت حماس على المستوطنات المحيطة بقطاع غزة، والتي يقدر عددها بما يقارب من (22) مستوطنة، بالإضافة إلى مقر فرقة غزة العسكرية (143) أثناء عملية “طوفان الأقصى”، حيث فقد الكيان الصهيوني بشكل عام التوازن لمدة يومين، وهنا نسأل: أين منظومة الردع؟، وأين منظومة الدفاع؟، وأين النصر الحاسم؟

سوف أتطرّق إلى مواجهات محددة تبين كيف ضعفت منظومة الردع الإسرائيلية، وكيف فشلت في التصدي للضربات الإيرانية التي وجهت للكيان الصهيوني في يوم 14/13 أبريل/ نيسان الماضي، حيث ثبت فشل الجيش الصهيوني في مواجهة الهجوم الإيراني، الذي جاء ردًا على قصف القنصلية الإيرانية في سوريا يوم 1 أبريل/ نسيان الماضي والذي أدّى لمقتل 16 شخصًا بمن فيهم قيادات مهمة للحرس الثوري الإيراني، حيث قادت الولايات المتحدة الأميركية تحالفًا عسكريًا ضمّ كلًا من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا؛ لمساعدة إسرائيل في التصدّي للصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية والتي وصلت إلى أكثر من (300) صاروخ وطائرة مسيّرة، وهذا يطرح تساؤلات مهمة ومنها: أين منظومة الردع الإسرائيلية؟، وأين منظومة القبة الحديدية؟

ولكي نعرف كيف ضعفت منظومة الردع الإسرائيلية، إليك كيف ردت إسرائيل على هذا الهجوم الإيراني، وللإجابة عن هذه التساؤلات، نقول إن الرد الإسرائيلي الصاعق والرادع قد جاء بقصف رادار واحد في قاعدة جوية بمدينة أصفهان الإيرانية!، وهنا ترى الفرق الكبير بين الضربتَين!، سيل من الصواريخ والطائرات الإيرانية أمام تدمير رادار واحد في قاعدة جوية في أصفهان!

وهنا نقول إن منظومة الردع الإسرائيلية التي أخفقت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تجدّد فشلها مرة أخرى أمام الضربات الإيرانية التي كانت تحمل رسائل سياسية وعسكرية واضحة لقادة الكيان، مفادها أن تغيير قواعد الاشتباك سيضر بإسرائيل بشكل كبير، لا سيما أن منظومة الردع لم تستطع الدفاع عن مصالح الأمن القومي الإسرائيلي.

اشترك في
النشرة البريدية الأسبوعية: سياسة
حصاد سياسي من الجزيرة نت لأهم ملفات المنطقة والعالم.
البريد الالكتروني
اشترك الآن
عند قيامكم بالتسجيل، فهذا يعني موافقتكم على سياسة الخصوصية للشبكة
محمي بخدمة reCAPTCHA
إن حدّة المواجهات بين حزب الله والجيش الإسرائيلي على الجبهة الشمالية التي تتصاعد تشكل تهديدًا خطيرًا للأمن القومي الإسرائيلي، علمًا بأن الجيش يقول إنه قد أنهى مناورات عسكرية برية تحاكي تطورات الوضع الحالي الذي ينذر بمواجهة شاملة قد تصل إلى عملية توغّل بري لدفع حزب الله إلى خلف نهر الليطاني، بعد أن فشلت منظومة الردع الإسرائيلية في التصدي لهذه الهجمات، وخاصة القبة الحديدية.

إن هذا يعني أن منظومة الردع الإسرائيلية تضررت بعد الهجوم الذي شنّته حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي على الجيش الإسرائيلي في المنطقة الجنوبية، مع الأخذ في الحسبان أن الجيش الإسرائيلي فتح مقرات للدعم اللوجيستي ومستشفيات عسكرية في المنطقة الشمالية لمواجهة موجة التصعيد، خاصة بعد أن بدأت هذه الجبهة تضغط بشكل غير مسبوق على حكومة “نتنياهو”، إذ تم تهجير ما يقارب (100) ألف نازح من المستوطنات الشمالية من (28) بلدة حدودية مع لبنان، وهذا أمر مرفوض لدى قادة الاحتلال؛ لأنه يحمل الكيان تبعات اقتصادية كبيرة، إذ إن نصف سكان الشمال يعانون من اضطرابات نفسية لما بعد الصدمة، ولا يريدون العودة إلى مناطقهم؛ بسبب عدم قدرة الجيش الإسرائيلي على توفير الحماية لهم.

حقائق مهمة

الحقيقة الأولى: هي أن الخيارات الإسرائيلية صعبة ومؤلمة ومحدودة؛ بسبب قلة القدرات العسكرية، وتعدد جبهات المواجهة والتصعيد، حيث تتصاعد العمليات العسكرية في الضفة الغربية بشكل غير مسبوق، ويمكن أن تتحول هذه المواجهات إلى انتفاضة عارمة في الفترة القادمة، خصوصًا إذا ما استمرّ التضييق والمداهمات والاعتقالات الأمنية والإدارية.

كما أن تصاعد الهجمات بالطائرات المسيّرة والقوة الصاروخية على الجبهة الشمالية مع لبنان في اللحظة الراهنة ينذر بالذهاب إلى مواجهة شاملة، ولكي نقف أمام الكثير من الحقائق للمناقشة والتحليل قبل أن نضع الخيارات لهذا التصعيد، نقول إن نظرية الجيش الذي لا يقهر أصبحت من الماضي، وكذلك سقطت نظرية التفوق العسكري الحاسم بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول، هذا بالإضافة إلى وجود متغيرات دولية وإقليمية ومحلية يجب أن تؤخذ بالاعتبار؛ لأنها ستؤثر بشكل كبير على صانع القرار السياسي الإسرائيلي، والتي تقف كتحديات أمام اتخاذ أي قرار مهم ومصيري بمواجهة شاملة مع حزب الله، ومنها الانقسام الداخلي على قضية تجنيد الحريديم.

وكذلك على مستوى وزراء الحرب في الكابينت الإسرائيلي، وانسحاب البعض من حكومة الحرب، وكذلك الانتقادات اللاذعة التي وجهها “آيزنكوت” لحكومة “نتنياهو”، بالوقت الذي لا يزال فيه الجيش الإسرائيلي ينزف وبقوة على رمال مدينة غزة، حيث عاد إلى القتال في جميع المناطق التي توغل فيها سابقًا، والتي أنهى عملياته العسكرية الكبرى فيها، وخاصةً الشمالية في جباليا وبيت حانون والمنطقة الوسطى وخان يونس والتي أجبر جيش الاحتلال على الانسحاب منها؛ بسبب قلة القوات ونتيجة الخسائر الكبيرة.

لذا فالجيش متعب ومستنزف، والمجتمع الصهيوني منهك بسبب الحرب التي تدور رحاها في مدينة رفح التي وصف “نتنياهو” الدخول إليها بالنصر المطلق، والسؤال ماذا بعد رفح؟، خصوصًا إذا لم يتم التوصل إلى الأسرى أو القيادات العسكرية والسياسية لحماس!، وهذا يبين بشكل قاطع أنه لا توجد رؤية سياسية أو عسكرية لليوم التالي، مما يعكس حالة التخبط العملياتي والإستراتيجي التي يعيشها قادة الاحتلال على جميع المستويات.

الحقيقة الثانية: في كل حرب يجب أن تتوفر فيها شرعية قانونية لبدء هذه الحرب على جميع المستويات، وخاصةً الداخلية والإقليمية والدولية، كما يجب أن تتوفر للدولة قدرات عسكرية واقتصادية كافية لدعم هذه الحرب لحين تحقيق أهدافها، فعندما نتكلم عن حرب غزة نقول إنه كان هناك هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأوّل الماضي، وما يجري هو جزء من ردّة الفعل على هذا الهجوم.

ولكن عندما نتكلّم عن لبنان نقول؛ إنّ قوات الاحتلال فاقدة لأي شرعية قانونية لبدء أي حرب مع لبنان، علمًا بأننا إذا سلمنا بالواقع الموجود في غزة، نقول إن الاحتلال فقد شرعية هذه الحرب؛ بسبب المجازر التي ارتكبها قادة الاحتلال في قطاع غزة من تطهير عرقي وسياسة التجويع والإبادة الجماعية، وتدمير البنى التحتية والمدارس والمستشفيات والممتلكات العامة والخاصة، وجميع هذه الجرائم كانت سببًا رئيسيًا في تغيّر المزاج الغربي من مؤيد لإسرائيل إلى رافض لهذه السياسات السادية في قتل الأطفال والمدنيين.

وما أصدرته محكمة العدل الدولية ضد قادة الاحتلال هو جزء من تغير هذه المواقف، كما أن جيش الاحتلال وُضع على قائمة العار “القائمة السوداء” في قتل الأطفال، وما رأيناه من عملية قتل جماعي في مخيم النصيرات لتخليص أربعة أسرى، يعطي دليلًا واضحًا على وحشية هذا الجيش الذي ارتكب عمليات تطهير عرقي وإبادة جماعية يندى لها جبين الإنسانية، ويبدو أنّ قرار القائمة السوداء، ستكون له تداعيات على الكيان من خلال حظر تصدير الأسلحة، وكذلك وضع قادة الجيش على قائمة مجرمي الحرب.

إنّ المظاهرات التي عمّت الجامعات الأميركية والغربية، تعكس بوضوح تغير المواقف الشعبية والدولية من هذه الحرب، كما أن اعتراف بعض الدول الأوروبية بدولة فلسطين ومنها إسبانيا، يعد جزءًا من ردود الفعل على ما يقوم به قادة الاحتلال من جرائم لا يرضاها الضمير الإنساني، وهذا يدعونا إلى السّؤال عن الشرعية القانونية لفتح جبهة الشمال مع لبنان؟

إن معظم الدول الأوروبية بما فيها فرنسا التي يتصاعد فيها الحراك الشعبي الرافض لما تقوم به إسرائيل من جرائم في غزة، وكذلك الحراك في بريطانيا، يرفع ذلك الغطاء السياسي عن هذا الكيان العنصري، وهنا نسأل: كيف ستسمح هذه الدول بمثل هذه الجرائم في لبنان بحرب جديدة؟، وقد صارت إسرائيل دولة معزولة، كما أن هناك ضغوطًا تمارس على ألمانيا لوقف تصدير الأسلحة إليها، وهناك شكوى في محكمة العدل الدولية، لذا لا أتوقع أن توسيع جبهة الشمال سيكون بهذه السهولة التي يتكلّم بها قادة الاحتلال.

كما أنّ استدعاء أكثر من (360) ألف جندي من الاحتياط عطل العجلة الاقتصادية للبلاد بما فيها قطاعا الزراعة والصناعة وغيرهما من مجالات الحياة الأخرى، إضافة إلى أن منع ما يقارب (200) ألف عامل فلسطيني من الدخول إلى الأراضي المحتلة للعمل بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول كان له تداعيات كبيرة على عجلة الاقتصاد، ولولا الدعم الأميركي الاقتصادي والعسكري والمالي والسياسي، لما استطاعت إسرائيل المضي بالحرب على غزة إلى يومنا هذا!، خصوصًا أن هناك نقصًا في القوة البشرية القتالية والمعدات والذخائر والأسلحة، لا سيما أن جيش الاحتلال اعتمد إستراتيجية بناء جيش صغير بتقنيات وقدرات عالية منذ عام 1992، ولكن هذه الإستراتيجية ثبت فشلها في هذه الحرب؛ بسبب قلة القوات وتعدد الجبهات والتهديدات.

الحقيقة الثالثة: أن ما ينطبق على حماس في قطاع غزة لا يمكن أن ينطبق على حزب الله في لبنان من نواحٍ كثيرة، ومنها: أن غزة محاصرة جوًا وبرًا وبحرًا، كما أن القدرات العسكرية والتسليحية لحماس قليلة وبسيطة، ويغلب عليها التصنيع المحلي، ومع ذلك فقد كانت مؤثرة وأثبتت أنها قادرة على مواجهة الآلة العسكرية الجبّارة لقوات الاحتلال الإسرائيلي.

أمّا حزب الله فهو يمتلك عمقًا كبيرًا باتجاه سوريا التي يتواجد فيها مقاتلوه بشكل كبير، بالإضافة إلى العراق، وإيران، كما أن الحزب غير محاصر وبإمكانه الحصول على الكثير من الأسلحة عند الحاجة، يضاف إلى ذلك أن هناك قدرات عسكرية وترسانة أسلحة تراكمية من ثمانينيات القرن الماضي، ولديه خبرات وقوات عالية التدريب والمستوى بإمكانها العمل في ظروف قاسية وخارج الحدود اللبنانية، كما يمتلك تجربة قتالية كبيرة في خوض الحروب غير المتناظرة والتي كان آخرها مع الكيان الصهيوني عام 2006، وكذلك مجريات الحرب في سوريا واليمن والعراق.

الحقيقة الرابعة: أن ترسانة الأسلحة التي يمتلكها حزب الله تتكوَّن من ترسانة صاروخية بمديات مختلفة وكبيرة تصل إلى جميع المدن الفلسطينية المحتلة، وكذلك الطائرات المسيرة بأنواع مختلفة، وهي قادرة على تنفيذ مهام تكتيكية قتالية واستطلاعية وانقضاضية، ويمكن استخدامها للرصد والمراقبة والتصوير، بالإضافة إلى وجود أسلحة دفاع جوي استطاعت أن تسقط الطائرة المسيرة (هيرمس900) بصاروخ أرض – جو في بداية شهر يونيو/ حزيران الجاري والتي تعتبر واحدة من أغلى وأكبر الطائرات المسيرة، كما يمتلك صواريخ مضادة للدبابات بما فيها الكورنيت الروسي، وصواريخ بحرية استخدمت في حرب عام 2006 في ضرب الفرقاطة الصهيونية “ساعر” في البحر المتوسط، وقد أثبتت هذه الأسلحة فاعليتها في تعطيل قدرة الردع الإسرائيلي طوال الفترة الماضية.

كما أن تهديد روسيا بدعم الجهات المعادية لأميركا وأوروبا بالسلاح سيشكل تحديًا جديدًا وكبيرًا في إمكانية تطور الصراع في المنطقة، خصوصًا إذا دخل حيز التنفيذ؛ للرد بالمثل على الإجراءات الأميركية التي سمحت لأوكرانيا باستخدام الأسلحة الأميركية والأوروبية؛ لضرب أهداف في العمق الروسي، مما سيؤدي إلى اختلال كبير في موازين القوى، لذا فهناك متغيرات دولية وإقليمية يجب أخذها بنظر الاعتبار في اتخاذ أي قرار يخصّ التوسع في جبهات جديدة مع لبنان التي يمكن أن تفتح جبهة سوريا، رغم التحديات في ذلك.

إن وجود هذه الترسانة العسكرية الضخمة لدى حزب الله، يعني أن المواجهة ستكون دامية ومدمرة لكلا الجانبين وعلى كافة المستويات وخاصة الاقتصادية والعسكرية منها، خصوصًا إذا تم استهداف مناطق وبنى تحتية وأهداف إستراتيجية حيوية ومهمة، مثل: الموانئ، ومحطات الطاقة، وحقول الغاز، ومحطات الكهرباء، والماء، والوزارات، ومواقع الاتصالات، والقواعد الجوية، ومخازن الأسلحة، والمقرات السيادية، ومراكز الثقل السياسي والعسكري، ومفاعل ديمونة، فهل تتحمل إسرائيل تدمير هذه المواقع المهمة؟، مع وجود صواريخ موجهة وطائرات مسيرة قادرة على تنفيذ مهام قتالية وتكتيكية دقيقة، وهذا لا يعني ألا تكون هناك ضربات من الجانب الإسرائيلي على لبنان.

لا شك أنه سيكون هناك تدمير في البنى التحتية والاقتصادية والعسكرية والمدنية، ولكني أقول إن إسرائيل غير قادرة على تحمل هذه التبعات في هذه الفترة الحرجة، خصوصًا مع تزايد الهجرة إلى خارج الأراضي المحتلة، وهذا يعني أن المواجهة ستكون مختلفة عما يجري في قطاع غزة، وستكون المعركة ضارية ومكلفة للكيان الصهيوني الذي يعتمد على الدعم الأميركي في أية مواجهة عسكرية، وهذا قد يجرّ إلى تدخل إيراني أيضًا في الصراع وهذا ما لا تريده واشنطن.

الحقيقة الخامسة: أن الرؤية الإستراتيجية الأميركية للصراع في المنطقة تعتمد على عدم توسعة الصراع ومنع أي أطراف أخرى من التدخل في هذه الحرب التي تجري في قطاع غزة، وقد حركت حاملتي طائرات وقوات من “دلتا فورس” لردع أي تدخل في الحرب، ولمساعدة إسرائيل في مواجهة القسام والفصائل الفلسطينية؛ لأن أي تدخل سيكون على حساب مصالح الإدارة الأميركية الحالية، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات الأميركية.

كما أن تصعيد المواجهة سيكون على حساب مصالح الأمن القومي الأميركي في هذه المنطقة، وعلى حساب مناطق أخرى، وخاصةً فيما يخص الصراع الذي يجري بين روسيا وأوكرانيا، لا سيما أن هناك تقدمًا عسكريًا روسيًا كبيرًا في المعارك على الأرض؛ بسبب تراجع الدعم الأميركي الذي تم تحويله من أوكرانيا إلى دعم إسرائيل في حربها على غزة.

وكذلك ستكون توسعة الصراع على حساب توسع النفوذ الصيني في آسيا الوسطى وبحر الصين الجنوبي، ناهيك عن التطور الكبير في الملف النووي الإيراني بعد أن زادت إيران من تخصيب اليورانيوم من (121) كيلو جرامًا إلى (142،1) كيلو جرامًا بنسبة (60%)، وهذا يعني أن الذهاب إلى نسبة (90%) لا تحتاج إلى جهد ووقت كبير لصناعة قنبلة نووية إيرانية.

وجميع هذه الملفات تضغط وتدفع الإدارة الأميركية العالقة مع إسرائيل في الحرب على غزة إلى إنهاء حرب غزة وليس الذهاب إلى فتح جبهة جديدة مع لبنان!، بما في ذلك احتمالية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار والذي سيقود بدوره وقفًا لإطلاق النار في الشمال مع لبنان، حيث يقول مراسل القناة الإسرائيلية “عميحاي شتاين”: إن مسؤولًا كبيرًا في الإدارة الأميركية أبلغه “إن واشنطن طلبت من إسرائيل عدم تصعيد الوضع مع حزب الله”.

كما أبلغ الرئيس الفرنسي “ماكرون”، في وقت سابق رئيس حكومة الاحتلال “نتنياهو”، “بضرورة عدم تصعيد الوضع مع حزب الله”، لأن حلفاء إسرائيل اكتشفوا محدودية وقدرة الجيش الإسرائيلي على إنجاز وتحقيق أي من أهداف الحرب في غزة، فيكف سيكون ذلك في حرب مع حزب الله!؟، وهذا ما يجعلنا نقول إنه قد لا يتم توسيع هذه الجبهة من قبل الجيش الإسرائيلي بالوقت الحاضر لموازنات دولية وإقليميّة.

إن الخيارات الإسرائيلية صعبة وقليلة في التعامل مع الجبهة الشمالية مع حزب الله؛ لأن المواجهة الشاملة على هذه الجبهة ستكون ضارية وأشد خطرًا على الكيان الصهيوني من غزة، وبنفس الوقت سيكون تأجيلها مع حزب الله أشد خطرًا على الكيان!، وقد يجلب كارثة أكبر من كارثة السابع من أكتوبر/تشرين الأول على إسرائيل!، وسيدفع ثمنًا باهظًا على ذلك التأخير.

كما أن بقاء الأوضاع على ما هي عليه الآن من تصعيد سيتسبب في خسائر كبيرة واستنزاف لجيش الاحتلال، لذا فحكومة نتنياهو أمام أيام صعبة توحي بعدم قدرة الاحتلال على توسيع الحرب في الجبهة الشمالية مع لبنان، علمًا بأن الكيان حاول من قبل أن يرسل الكثير من الوفود الفرنسية والأوروبية والأميركية إلى حزب الله لوقف التصعيد العسكري هناك، ولكنه فشل في ذلك.

ولكن مع كل هذه الحقائق التي سقناها نقول سيبقى خيار استخدام القوة واللجوء إلى الخيار العسكري البري في توسيع المواجهة مع لبنان قائمًا، ويجب أن يؤخذ في الحسابات العسكرية خصوصًا مع استدعاء (50) ألف جندي من الاحتياط!، والذي يمكن أن يكون جزءًا من الاستعداد القتالي لأي تصعيد مع لبنان، خصوصًا أن وزير الأمن القومي الإسرائيلي “بن غفير” يطالب بشن حرب شاملة على حزب الله، بينما طالب وزير الثقافة والرياضة الإسرائيلي “ميكي زوهار” في جلسة مجلس الوزراء بشن هجوم استباقي وقوي ضد إيران وحزب الله”.

مشيرًا إلى أن تأجيل الحملة ضد إيران وتدمير قواتها النووية قد يؤدي إلى تدمير إسرائيل”، في تجاهل واضح للحقائق التي يمر بها الكيان، علمًا بأن إسرائيل غير قادرة على الدفاع عن نفسها، فضلًا على أن تقوم بشنّ حروب على جبهات متعددة، والحقيقة ما قالها “غانتس” عندما زار المناطق الشمالية: “إن عليهم الاستعداد لأيام أكثر صعوبة في الشمال”، كما نقلت القناة الـ12 الإسرائيلية عن “غانتس” قوله: إنّ عليهم ألا يشتكوا بشأن الحاضر، لأن المستقبل قد يكون أكثر إشكالية”.