لم يهنأ حزب الشعب الجمهوري كثيرًا بما حققه في انتخابات البلدية في آذار / مارس عام 2024م، فاجأت الجميع خارجيًا وداخليًا بما فيهم حزب العدالة والتنمية الذي حصل على المركز الثاني وفق نتائج الرسمية لتلك الانتخابات. حتى بدأ – بعد شهور – القضاء التركي بملاحقة أعضاؤه من رؤساء البلديات بتهم تتعلق بالفساد المالي والتلاعب بالعطاءات، وكان أولهم أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية أسطنبول وربما ليس آخرهم محيي الدين بوشتيك رئيس بلدية أنطاليا.
وكان اعتقال أكرم إمام أوغلو، في آذار/ مارس الماضي، قد أثار موجة احتجاجات كانت واسعة منذ احتجاجات ” حدبقة غيزي” عام 2013م، كما أثار ردود فعل أوروبية منددة، رأت في الاعتقال ذات أبعاد سياسية لتفريغ الحياة السياسية في تركيا من أي منافسة حقيقية لمنصب رئيس الجمهورية. وقال رئيس بلدية أنقرة منصور ياواش على منصة إكس “تم اعتقال رؤساء بلدياتنا في أضنة زيدان كرالا وفي أنطاليا محي الدين بوتشيك وفي آديامان عبد الرحمن توتديري”. وقال رئيس بلدية أنقرة في منشوره بأنه “في نظام حيث يرضخ القانون ويتأرجح وفقا للسياسة، وتُطبق العدالة على مجموعة ويتم تجاهلها لمجموعة أخرى، لا ينبغي أن يتوقع أحد منا أن نثق بسيادة القانون أو نؤمن بالعدالة”.وأضاف “لن نرضخ للظلم أو انعدام القانون أو المناورات السياسية”.بينما تنفي الحكومة تلك الادعاءات وتؤكد استقلالية القضاء والمحاكم في تركيا.
وفي هذا السياق تطرح عدة أسئلة هل هذه الاتهامات حقيقية وليس لها أي أبعاد سياسية أو حزبية؟ وهل ساهم الاطاحة بكمال كليجدار أوغلو من رئاسة الحزب الشعب الجمهوري وترأس أوزغور أوزال الحزب، بفتح الباب على مصراعيه لتصفية الحسابات داخل الحزب؟ أم أن حزب العدالة والتنمية كان يعلم مسبقًا بكل قضايا الفساد بأشكاله المختلفة التي ارتكبها حزب الشعب الجمهوري داخل البلديات في تركيا وكان ينتظر التوقيت المناسب لتوظيفها بما يخدم مصالحه ويحرج غريمه السياسي حزب الشعب الجمهوري أمام الشعب التركي الذي منحه الثقة الكبيرة في الانتخابات البلدية الأخيرة؟ قالها ذات يوم المتنبي ” مصائب قوم عند قوم فوائد”.
فإذا صدرت أحكام تدين الحزب فهذا يعني أن الحزب على المستوى الشعبي سيفقد الكثير من أنصاره، الذين كان لهم الدور الكبير في تحقيق انجازهم الكبير في انتخابات بلدية الأخيرة، وربما سيخسرون هذا الوزن التصويتي المهم في الاستحقاقات الانتخابية القادمة سواء كانت رئاسية أو نيابية، أما على المستوى الحزبي الداخلي، ربما سيشهد الحزب المزيد من الصراعات بين أجنحته المختلفة، هذا الأمر إن حدث فإنه من شأنه أن يضعف دور حزب الشعب الجمهوري في الحياو الحزبية والسياسية في تركيا.
أما إذا برأ القضاء التركي حزب الشعب الجمهوري من التهم التي أوكلت إليه، فهذا يعد صفعة وجهت للحكومة التركية وعلى ضوء ذلك ربما يتشكل رأي عام تركي يرى في تلك الاتهامات ما هي الا اتهامات كيدية من قبل الحكومة وحزب العدالة والتنمية لارباك حزب الشعب الجمهوري بعد نتائج انتخابات البلدية، وأن الحكومة والحزب عملا على تلفيق التهم لحزب الشعب الجمهورب بدلا من مواجهته عبر صناديق الاقتراع، وهذا الأمر من شأنه أن يفقد حزب العدالة والتنمية ثقة المواطن التركي. وربما تظهر نتائج انعدام الثقة في الانتخابات القادمة.
يمكن القول أن مستقبل الحياة الحزبية في تركيا بيد القضاء التركي، وأن أحكامه ستنعكس بشكل كبير على المشهد السياسي التركي برمته سواء صدرت الأحكام تجرم حزب الشعب الجمهوري أو تبرئته من المتهم التي أوكلت إليه من قبل الحكومة التركية والتي يمثلها حزب العدالة والتنمية.
وحدة الدراسات التركية
