عقوبات لإيران وعودة امريكية لسياسة الضغط الأقصى

عقوبات لإيران وعودة امريكية لسياسة الضغط الأقصى

اياد العناز 

استمرار الخلافات السياسية في فهم الرؤى الميدانية لكيفية معالجة الصراعات والنزاعات القائمة في منطقة الشرق الأوسط، أدى إلى العديد من الإجراءات والأساليب التي حاولت إيجاد قواسم مشتركة لكيفية مواجهة التحديات القائمة وسبل معالجتها والحد من خطورتها، في وقت تتلاطم فيها أمواج السياسة للوصول لحلول جذرية تبعد شبح الحروب والقتال عن المنطقة وإبعاد ويلاتها ونتائجها وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية عن عموم شعوبها التي تسعى لحياة كريمة ومستقبل زاهر لها ولأجيالها والابتعاد عن أي مؤثرات ومتغيرات قد تعصف بأمالها وطموحاتها.

وتبقى حالة الصراع قائمة بوجود عديد من المشاريع السياسية التي تحاكي مستقبل الإقليم المعبرة عن أهداف سياسية وغايات ومصالح دولية إقليمية، والتي افصحت عنها بشكل فاعل ومؤثر المواجهة الإسرائيلية الإيرانية التي امتدت منذ فجر يوم الثالث عشر من حزيران 2025 واستمرت حتى الخامس والعشرين منه، وشهدت ضربات جوية وصاروخية طالت المنشآت النووية والمواقع العسكرية والأمنية ومنظمومات الدفاع الجوي وقواعد الصواريخ الباليستية واماكن خزنها داخل العمق الإيراني واستهداف القيادات العسكرية والأمنية في تشكيلات وزارة الدفاع والحرس الثوري الإيراني والعلماء العاملين في متظمومة البرنامج النووي، في المقابل كانت هناك ضربات مماثلة من الجانب الإيراني تجاه منشآت عسكرية وقواعد جوية ومراكز علمية داخل العمق الإسرائيلي، وشهدت المواجهة مشاركة فعلية من قبل القوة الجوية الأمريكية باستهدافها لمنشآت ( نطنز وفوردو وأصفهان) النووية، حتى اعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب وقف إطلاق النار في 25 حزيران 2025 والذي التزمت به إسرائيل وإيران.

تلت وقف العمليات العسكرية دعوات ومبادرات امريكية لإعادة المفاوضات مع إيران والتهئ لعقد الجلسة السادسة بحضور الوسيط العربي الخليجي العُماني وبحث مستقبل البرنامج النووي الإيراني والعمل باتجاه تحديد السبل والوسائل الكفيلة لاتفاق نووي دائم، ولكن القيادة الإيرانية رفضت الدعوة الأمريكية بل عمدت إلى تصعيد في خطابها الرسمي عبر الرسالة التي وجهها المرشد الأعلى علي خامنئي للشعوب الإيرانية والتي حرص فيها على إثبات قدرة بلاده على المواجهة وإيقاف أي محاولات أمريكية إسرائيلية تستهدف أمن بلاده رافضًا المبادرة بل اعتبر ما تحقق نصرًا إيرانياً كبيرًا وأن بلاده قادرة على ضرب أميركا وإسرائيل واستهداف القواعد الأميركية واعتبره خيارًا إستراتيجيًا عند الضرورة.

هذه الأجواء السياسية في العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران جعلت من عملية اللقاء حالة تشوبها العديد من العقبات والصعوبات في إعادة الحوار السياسي والاسلوب الدبلوماسي والمضي في منع أي حالة من التصعيد والاستهداف والسعي للتهدئة وإعادة صيغ التعامل بصورة ميدانية تؤدي إلى حالة من الاستقرار والقراءة الدقيقة للاوضاع التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي، وأدت حالة الممانعة الإيرانية في اللقاء مع ستيف ويتكوف المبعوث الأمريكي والمكلف بالحوار والتفاوض بخصوص الملف النووي الإيراني وباقي الملفات السياسية والأمنية التي تتعلق بالمشروع السياسي الإقليمي الإيراني وملف الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة إلى إعادة سياسة الضغط الأقصى التي تابعتها إدارة الرئيس دونالد ترامب بعد عودته للبيت الأبيض لولاية ثانية.

وأمام هذه التطورات والمنعطفات في العلاقة بين الإدارة الأميركية والقيادة الإيرانية، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عن عقوبات جديدة إضافية بتاريخ 29تموز 2025 خصت بها (115) فردًا وكيانًا تمثل (15) شركة شحن و(52) سفينة و(12) فردًا و(53) كيانًا وشبكة شحن يديرها محمد حسين شمخاني نجل المستشار السياسي للمرشد الأعلى علي خامنئي، وهي عبارة عن شبكة واسعة من سفن الحاويات والناقلات لتسهيل عملية بيع النفط الإيراني وسلع تجارية للتغلب على العقوبات الاقتصادية والحصول على عوائد مالية تخدم النظام الإيراني، وهي العقوبات الأكثر شمولية وتأثيرًا على الاقتصاد الإيراني منذ عام 2018 بداية فرض الإدارة الأمريكية العقوبات على إيران.

أشارت وزارة الخزانة الأمريكية إلى أن نجل المستشار شمخاني يسيطر على شبكة واسعة من سفن الحاويات والناقلات الذين يقومون ببيع النفط الإيراني والروسي لجهات ودول عالمية متعددة، وأن هذه العمليات تدر عشرات المليارات من العملة الصعبة والتي يستخدم جزء كبير منها في دعم توجهات وأهداف النظام السياسي الإيراني.

تشكل العقوبات الجديدة تطور ميداني كبير ورسالة واضحة للقيادة الإيرانية عن عودة سياسة الضغط الأقصى الأمريكية وأنها لا زالت متمسكة بمتابعتها الحثيثة واستهدافها لجميع المحاولات والطرق التي تحاول الجهات الإيرانية ومسؤوليها بالتحايل على العقوبات الاقتصادية والابتعاد عن الرقابة الدولية باتباع أساليب التمويه والتضليل للحصول على أرباح وعوائد مالية كبيرة، وتوسع عمليات المراقبة الأمريكية التحقيقات الميدانية التي بينت أن الشبكة التي يديرها محمد حسين شمخاني استخدمت سفن حاويات لإرسال شحنات من البتروكيماويات إلى الصين مع تزوير وثائق الشحن وإيقاف أنظمة تتبع السفن (AIS) أثناء التحميل في الموانئ الإيرانية،اضافة إلى شحن صواريخ ومكونات طائرات مسيرة من إيران إلى روسيا مقابل شحنات من النفط الروسي وبيعها لاحقًا لتجار اجانب.
وأكدت وكيلة وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، أن هذه الإجراءات تأتي ردًا على استمرار الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار في المنطقة، مشددة على التزام واشنطن بمحاسبة كل من يتعاون أو يتعامل مع النظام الإيراني أو شبكاته، وضمان عدم قدرة إيران على الالتفاف على العقوبات العالمية أو تمويل جماعات موالية لها في عدة دول، وأكد المعلومات الميدانية وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت بقوله (إن إمبراطورية الشحن التابعة لعائلة شمخاني تظهر كيف يستغل قادة النظام الإيراني مناصبهم لتحقيق الثروة الشخصية وتمويل سلوك النظام الخطير) .

أن الخطوة الأمريكية بمتابعة مسارات الالتفاف على العقوبات الاقتصادية وطرق وأساليب نهجها وتنفيذها والمسؤولين عنها إنما تشكل جزءًا مهمًا وعمليًا من استراتيجية أمريكية لتكثيف الضغوط على إيران لتحقيق تقدم في أي مفاوضات قادمة تخص برنامجها النووي وردع أنشطتها العسكرية ومحاولتها في إعادة تموضعها في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي والتي تعتبرها الإدارة الأمريكية تهديدًا للاستقرار والأمن في المنطقة، وأمام المتابعة الدقيقة التي ذكرت فيها وزارة الخزانة الأمريكية أن (عائلة شمخاني استخدمت جوازات سفر أجنبية وشركات وهمية لإخفاء نشاطاتها العالمية وتجاوز العقوبات وجني الثروات، وأن بعض سفن الشبكة متورطة في نقل صواريخ وقطع طائرات مسيرة إلى روسيا مقابل النفط الروسي)، فإن القيادة الإيرانية تكون أمام مسؤولية كبيرة واخطار جسيمة تزيد فيها الولايات المتحدة الأمريكية من متابعتها لفرض أقصى درجات الضغط عليها وتنفيذ ما جاء في المذكرة الرئاسية الثانية للأمن القومي الأمريكي وتنفيذ الأمر المرقم 13846 الذي يستهدف قطاعي النفط والبتروكيماويات الإيرانيين والذين يقدمون دعمًا ماليًا للكيانات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني وهو المعنى بالجولة الحادية عشرة من العقوبات التي تستهدف مبيعات النفط الإيرانية منذ أن أصدر الرئيس دونالد ترامب مذكرة الأمن القومي الرئاسية رقم 2 في 4 شباط 2025 والتي وجه فيها بإجراء حملة ضغط قصوى على إيران.
تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة دائمية لمنع إيران من أي عمليات تصدير للطاقة ( النفط والغاز) خلافًا للعقوبات المفروضة عليها وهي التي تحظى بمتابعة تنفيذية عليا من قبل المسؤولين في الخزانة الأمريكية والتي أشار إليها مساعد وزارة الخزانة مايكل فولكندر بقوله ( إن إيران كانت تصدر نحو 1،8 مليون برميل من النفط الخام يوميًا في بداية عام 2025، لكن الكمية تراجعت إلى 1،2 مليون برميل يوميًا)، وأنهم ما زالوا منخرطين في مزيد من الإجراءات لخفض هذا الرقم على نحو أكبر.

تبقى عملية المتابعة الميدانية لكل ما يتعلق بالمحاولات الإيرانية وطرق وأساليب بحثها عن وسائل لتلافي العقوبات ومحاولة إيجاد أبواب مشرعة لتلافي حجم التأثيرات الداخلية التي احدثتها الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها نتيجة استمرار العقوبات الأميركية من الأمور التي تحظى باهتمام ومتابعة جادة من قبل الإدارة الأمريكية لتضيق الطرق ومنع أي إجراء أو اسلوب إيراني للتحايل على العقوبات وتنفيذها، وهي أمام اختيار سياسي يمكن لها أن تعيد قراءتها لواقع الحال وفهم التوازنات السياسية القائمة في المنطقة والتطلع لمناورة سياسية وقبول لأي مبادرة امريكية أوربيةللبحث عن رفع العقوبات وإزالة العقبات أمام اتفاق نووي جديد يرضى جميع الأطراف.

وحدة الدراسات الإيرانية

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجة