عادت محافظة ديالى المنكوبة، إلى واجهة الأحداث في العراق هذه الأيام، لتعيد تذكير العراقيين بالمشروع الطائفي البغيض الذي التزمت به قوى سياسية ودينية وميليشيات طائفية تنفذ مشروعا إقليميا في العراق.
وعودة الأعمال الطائفية في المحافظة من حرق الجوامع وقتل الأبرياء وحملات التهجير الطائفي، لم تكن ردود أفعال طارئة نتيجة عملية تفجير إرهابي استهدف مقهى يضم شبابا من كل الطوائف وراح ضحيته عشرات من الشهداء والمصابين، بل هو صفحة ضمن سيناريو طويل بدأ بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003 الذي فتح العراق على مصراعيه لكل الميليشيات الطائفية لتعبث في أمنه ووحدته ونسيجه الاجتماعي.
ولمن يعرف التركيبة السكانية في ديالى، يدرك أن التعايش هو السمة التي كانت سائدة في هذه المحافظة بين سكانها الذين يغلب عليهم الانتماء إلى أهل السنة والجماعة إضافة إلى الشيعة، والكرد، ولكن مجاورة المحافظة لإيران قد جلب عليها النقمة وجعلها ساحة صراع استثمرته الأحزاب والقوى الشيعية المتنفذة بعد 2003 في الاستحواذ على مقاليد السلطة الإدارية والأمنية فيها من خلال الاستقواء بالميليشيات التابعة لتلك الأحزاب. ولم يخفِ المسؤولون الإيرانيون نواياهم بجعل المحافظة خالية من أي نشاط معاد لإيران وخاصة خلال فترة نشاط المقاومة والقاعدة ضد الاحتلال الأمريكي وبعد ظهور تنظيم الدولة وسيطرته على أغلب مناطق ديالى بعد 2014. حيث أعلن الايرانيون انهم لن يسمحوا بتواجد التنظيم على حدودهم وأنهم يتصدون لهذا التواجد، لذا استثمرت إيران فتوى الجهاد الكفائي التي أعلنها المرجع الشيعي علي السيستاني وزجت الحرس الثوري الإيراني في المحافظة تحت ستار دعم الميليشيات والحشد الشعبي والقوات الحكومية بمواجهة تنظيم الدولة.
والمتابع لمراحل المشروع الطائفي يستطيع أن يؤشر على أحد أساليب تنفيذ المشروع، وهو استغلال هذه الميليشيات لأي خرق أمني من تفجيرات بالسيارات المفخخة أو قصف بالهاونات على التجمعات السكنية والقرى من قبل جهات غير معروفة، لكي تقوم بشن حملة قتل واختطاف وتهجير على الهوية إضافة إلى استهداف الجوامع بالحرق والتفجير. بل ان هذا التزامن في التحرك دفع النائب أحمد المساري رئيس كتلة نيابية سنية، إلى الإعلان مؤخرا بأن هناك تنسيقا بين الميليشيات وتنظيم الدولة لتنفيذ تطهير طائفي في ديالى، حيث يقوم التنظيم بعمليات إرهابية لترد عليها الميليشيات بعمليات انتقامية تهدف لتهجير أبناء المكون الآخر.
ورغم نفي الأحزاب والميليشيات الشيعية وجود مشروع طائفي في ديالى، فإن الكثير من المؤشرات أكدت عدم تطابق هذا الإدعاء مع الممارسة، ومنها عدم سماح الميليشيات بعودة النازحين من المحافظة، المقيمين في مخيمات في كركوك وأربيل والسليمانية، رغم مرور أكثر من عام على تحرير مناطقهم من تنظيم «الدولة».
وإزاء ثبوت عجز الأجهزة الأمنية الحكومية عن ردع تجاوزات الميليشيات واعتداءاتها على المساجد والمواطنين، رغم وجودها في أماكن الحوادث، فقد هددت القوى السنية في المحافظة بتدويل مأساة أهالي ديالى وعرض قضيتهم في المحافل الدولية والعربية والإسلامية لحماية أهاليها.
وفعلا أخذت المشكلة الطائفية في ديالى المنكوبة مؤخرا أبعادا دولية من خلال إدانة الأزهر الشريف وبعثة الأمم المتحدة في العراق (يونامي) لاستهداف أهل السنة ومهاجمة مساجدهم من قبل الميليشيات الطائفية، داعين الحكومة إلى حماية المواطنين من الجماعات المسلحة.
ويؤكد أبناء المحافظة ونوابها ورموزها، على أن مشكلة الانهيار الأمني، واستفحال نفوذ الميليشيات فيها دون تمكن الشرطة والجيش من ردعهم، سببه الأساسي هو ان الميليشيات تحضى بدعم وإسناد من الأحزاب الشيعية التي تدير السلطة في بغداد وديالى، كما أن الأجهزة الأمنية مخترقة من قبل الميليشيات بل وتنسق معها في نشاطاتها، حسبما أكد الكثير من النواب وشيوخ العشائر ورجال الدين من السنة.
ويعتبر المتابعون للشأن العراقي، أن محافظة ديالى، تعد النموذج الأوضح للمشروع الطائفي في العراق الذي بدأ تنفيذه في البلد لإضعافه عقب الاحتلال الأمريكي للبلد عام 2003 الذي كان له إضافة إلى دول مجاورة أخرى، الدور الأساسي في زرع الفتنة الطائفية وتوفير مستلزمات نموها.
مصطفى العبيدي
صحيفة القدس العربي