هناك بضع نقاط باتت في منتهى الوضوح في نهاية الأسبوع الذي هيمنت عليه أنباء «الاتفاق التاريخي» بشأن البرنامج النووي الإيراني.
النقطة الأولى هي أن الرأي العام العالمي كان حريصًا على تجاوز هذه المشكلة بأي صورة من الصور. وكان المزاج العام يميل نحو أن العالم يعاني ما يكفي من الصراعات والأزمات، ولم يعد في حاجة إلى أزمة جديدة تنطوي على تفجير نووي في مكان ما.
والنقطة الثانية هي أن الفصيل الموالي لأوباما في واشنطن، ورفيقه، الفصيل الموالي لرفسنجاني في طهران، كانا حريصين أشد الحرص على الخروج بشيء، أي شيء، وقد تمكنا من ذلك فعلا.
إن أوباما يعد تركته الآن في كتابه الجديد المثير للاهتمام حول تاريخه الرئاسي للبلاد. ويأمل فصيل رفسنجاني أن يعزز «الاتفاق» المبرم من مكانته في انتخابات الشهر المقبل.
والنقطة الثالثة هي أن «الاتفاق» لا يحتوي على ما يدعي المروجون له.
جرى التفاوض على الأمر برمته من قبل إيران ووحش دولي معروف باسم مجموعة دول «5+1+ الاتحاد الأوروبي»، والتي لا تتمتع بأي وجود قانوني ولا تملك سلطة التفاوض بالأساس. وذلك هو السبب في أنه بعد ما يقرب من عامين من المفاوضات لم يوقع أي طرف على أي شيء. وخطة العمل المشتركة الشاملة ذات الـ179 صفحة ليست ملزمة لأحد من الناحية القانونية، ولقد وصفها نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأنها ليست إلا «قائمة من التدابير الطوعية».
يزعم الرئيس الإيراني حسن روحاني أن «الاتفاق»، والمعروف في اللغة الفارسية باسم «بارجام»، قد أدى إلى رفع كل العقوبات الدولية المفروضة على الجمهورية الإسلامية. لكن ذلك غير صحيح بالمرة.
إليكم قول السيد عراقجي عن تلك المسألة: «علينا قبول حقيقة أنه لن يتم رفع كل العقوبات عن إيران. بل سوف تُعلق فقط العقوبات ذات الصلة بالقضية النووية».
عبر السنوات الـ36 الماضية كانت إيران خاضعة لست مجموعات من العقوبات ذات الصلة بمجموعة من القضايا، من احتجاز الرهائن والإرهاب، إلى انتهاكات حقوق الإنسان، حتى الغش في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية بطبيعة الحال. تستهدف هذه العقوبات، بطرق مختلفة، الحكومة الإيرانية، والشركات والبنوك الإيرانية الخاصة، وحتى مستوى المواطن الإيراني البسيط.
هناك نسبة خمسة في المائة فقط من مجموع العقوبات موجهة مباشرة للقضية النووية، وبالتالي فهي مغطاة من قبل «الاتفاق». وما لا يقل عن 45 في المائة من مجموع العقوبات لا علاقة له بالقضية النووية، ولن يتأثر بأي طريقة من الطرق بالاتفاق المبرم. وهناك نسبة 35 في المائة أخرى مصنفة تحت بند العقوبات «المختلطة»، وهي تتعلق بالقضايا ثنائية الجانب والتي يمكن للزاوية النووية العسكرية أن تكون أحد أضلاعها. وأخيرا، هناك نسبة 15 في المائة المتبقية من العقوبات الخاضعة للمنازعات القانونية حول تعريفاتها. وتقول إيران إن تلك النسبة الأخيرة يجب أن تكون متضمنة في «الاتفاق»، بينما مجموعة دول «5+1+ الاتحاد الأوروبي» تزعم أن هناك قضايا أخرى ذات صلة بتلك العقوبات.
حتى مع إضافة العقوبات المختلطة، فربما نتصور اتخاذ الإجراءات حيال نسبة 40 في المائة فقط من العقوبات. ولكن حتى ذلك الحين، ليس هناك تصور «لإلغاء» أو رفع العقوبات كما يزعم روحاني و«فتيان نيويورك».
وفرارًا من الكذب الصريح المباشر، تجنب روحاني وحاشيته استخدام الكلمات الفارسية الست التي يمكن أن تصف «إلغاء»، أو «إبطال»، أو «رفع» العقوبات. بدلاً من ذلك، عمدوا إلى استخدام كلمات غامضة مبهمة تعطي الانطباع بأن العقوبات، على الرغم من كل شيء، قد رُفعت من دون التصريح بذلك على نحو مباشر. وإليكم بعض تلك الكلمات: «بارشيده» وتعني «طويت»، و«فورورخته» وتعني «انهارت»، وأيضًا «باسا – تحريم» وتعني «ما بعد العقوبات».
تبلغ مدة «الاتفاق» عشر سنوات يمكن تخفيضها إلى ثمان فقط، إذا ما سارت الأمور على ما يرام. ومع ذلك، فهناك جوانب من الاتفاق تمتد حتى 15 إلى 25 عامًا، في بعض الحالات، وقد تُركت غامضة وهو ما قد يعني «للأبد»!
يمكن تعليق العقوبات، خلال ثماني إلى عشر سنوات، ذات الصلة بالقضية النووية، لا إلغاؤها. وبعبارة أخرى، فإن سيف العقوبات المسلط سوف يظل معلقًا فوق رأس إيران.
وبمجرد انقضاء السنوات الثماني أو العشر، يمكن لمجموعة دول «5+1+ الاتحاد الأوروبي» الإعلان عن أن طهران قد نفذت كل «التزاماتها الطوعية». عندئذ فقط، يمكن لعملية رفع العقوبات أن تبدأ من خلال إحالة حزمة العقوبات إلى الأجهزة التشريعية للدول المعنية.
وكمادة للسخرية، وبموجب المادة 23 من خطة العمل المشتركة الشاملة والمادة 21 من الملحق، تعهد الرئيس أوباما بـ«العمل الوثيق» مع الكونغرس الأميركي لرفع العقوبات عن إيران بالكلية. وحيث إن أوباما لن يستمر في رئاسة البلاد لأكثر من عام قادم، فذلك التعهد يمكن اعتباره من قبيل «ذهب الحمقى» الأميركي لإيران.
في غضون ذلك، يمكن للشركاء الأميركيين والأوروبيين تعليق العقوبات. ويمكن لأوباما ذلك من خلال الأوامر التنفيذية للفترات المتعاقبة لـ90، و120، و180 يوما، وقد قام بذلك فعليا في عدد من المجالات. وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، فإن مدى «تعليق العقوبات» تُقرره بروكسل بناء على اقتراح من الدول الأعضاء.
إن كل ما حصلت عليه إيران هو تخفيف محدود للعقوبات الدولية. وذلك موضع ترحيب لأنه يسمح لإيران بالبدء في استخدام بعض من أموالها لتلبية الاحتياجات الضرورية الداخلية، مثل سداد الرواتب المتأخرة للمدرسين، وعمال النفط، وفي بعض الحالات الجيش أيضًا. كما سوف تتمكن إيران أيضًا من البدء في مفاوضات مع بعض الدول، مثل الصين والهند واليابان والبرازيل، وهي الدول المدينة لإيران بأموال النفط الذي ابتاعته منها لكنها ترفض حتى الآن سداد قيمته تحت ذريعة تطبيق قرارات الأمم المتحدة بشأن العقوبات الدولية. ومع تعليق العقوبات يمكن لإيران أيضًا محاولة استعادة جزء على الأقل من السوق النفطية التي فقدتها عبر سنوات من العقوبات.
يمثل «الاتفاق» ميزة أخرى جيدة بالنسبة لإيران؛ فهو يخفف من صورتها كدولة مارقة، ويفتح إمكانية رفع اسمها نهائيا من على قائمة الدول الراعية للإرهاب.
ومع ذلك، وحتى تتمكن إيران من إنفاق أموالها، عليها قبول ترتيبات مهينة، تلك التي تضع جزءًا كبيرًا من اقتصاد البلاد تحت إشراف دولي فعال (أو ما يُطلق عليه بالفرنسية: حق المتابعة والاطلاع) من قبل مجموعة دول «5+1+ الاتحاد الأوروبي».
يجري الإفراج عن الأصول المجمدة خلال شرائح محددة من قبل ما يُعرف بـ«لجنة تنفيذ». وهي تتألف من الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، والاتحاد الأوروبي (ورجل إيران في هذه اللجنة هو عباس عراقجي). ولاتخاذ القرار، بما في ذلك إعادة تطبيق العقوبات أو إلغاء تجميد شريحة من شرائح الأموال الإيرانية، تحتاج اللجنة المذكورة إلى خمسة أصوات على الأقل.
كما يتعين على اللجنة أيضًا التأكد من أن إيران لن تنفق الأموال المفرج عنها في تمويل الجماعات الإرهابية أو تمويل المغامرات الإيرانية الخارجية.
واستخدام الخدعة المعروفة باسم «مخاوف الاستخدام المزدوج» يمنح اللجنة حق النقض (فيتو) على جزء من التجارة والتنمية الصناعية الإيرانية. وأي خطة يشتبه في انطوائها على استخدامات مدنية وعسكرية مزدوجة، أو ذات صلة بالبرنامج النووي، يمكن نقضها فورًا. حتى إذا تمكنت روسيا والصين، اللتان تعتبران متعاطفتين مع طهران، من الانشقاق عن الولايات المتحدة وحلفائها، فلن تكون لهما الأصوات الكافية لتخفيف حدة الوصاية المفروضة على إيران.
لم تكن إيران بمفردها من حيث الحصول على أقل القليل وبذل الكثير، كما يزعم الرئيس روحاني و«فتيان نيويورك».
كان أوباما هو الآخر مقتصدًا مع الحقيقة بعض الشيء. فالاتفاق النووي لم يُغلق كل المسارات في وجه حصول إيران على السلاح النووي، كما يزعم أوباما ويتفاخر. فهناك مساران رئيسيان، من خلال تخصيب اليورانيوم ومعالجة البلوتونيوم، لا يزالان مفتوحين بالنسبة لإيران. والشيء الوحيد الذي تحقق هو تجميد المشروع الإيراني لعشر سنوات أو نحوها عند مستواه الحالي، وهو يعني ابتعاد إيران مسافة عام واحد عن مقدرة بناء القنبلة النووية. وحيث إنني على يقين من أن الملالي لا يرغبون في بناء القنبلة في الوقت الراهن، عن أي وقت مضى، فإن تأخير السنوات العشر هو «ذهب الحمقى» الإيراني للولايات المتحدة الذي يسددون به «ذهب الحمقى» الأميركي لإيران.
أمير طاهري
صحيفة الشرق الأوسط