تمكنت دائرة المخابرات العامة يوم الثلاثاء الماضي بعد عمليات متابعة استخبارية حثيثة ودقيقة ومنذ وقت مبكر من إحباط مخطط إجرامي وتخريبي مرتبط بعصابة داعش الارهابية كان يهدف للاعتداء على أهداف مدنية وعسكرية داخل المملكة وزعزعة الأمن الوطني. وقد قامت القوات الأمنية المختصة بتتبع المجموعة الإرهابية وتحديد مكانها، حيث اختبأت وتحصنت في إحدى العمارات السكنية في مدينة إربد، وبعد أن رفض الارهابيون تسليم أنفسهم وأبدوا مقاومة شديدة لرجال الأمن بالأسلحة الاوتوماتيكية، قامت القوات المختصة بالتعامل مع الموقف بالقوة المناسبة، وقد نجم عن الاشتباك استشهاد النقيب البطل ‘راشد حسين الزيود’ وإصابة (5) من نشامى قوات الأمن الأردني واثنين من المارة.
وما إن تأكد خبر استشهاد النقيب بعث جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين ملك المملكة الأردنية الهاشمية والقائد الأعلى للقوات المسلحة في منشور نشرته صفحة الديوان على ‘فيسبوك’ رسالة تعزية لشهيد الواجب قال فيها : “إبني راشد الزيود، يشيعك الأردن شهيداً في قوافل المجد من رفاق السلاح، ممن صدقوا عهدهم مع الله والوطن. إن تضحيتك ليست غريبة على الأردنيين، ولا على أبناء جيشنا العربي وأجهزتنا الأمنية. رحم الله الشهيد وحفظ الوطن”.
ولم يكتف جلالته بهذه الرسالة، وإنما قام بتواضعه الإنساني الذي عرف عنه عصر يوم الأربعاء الماضي، بمشاركة جموع المواطنين في تشييع جثمان الشهيد الرائد راشد حسين الزيود، حيث جرت للشهيد البطل مراسم عسكرية حُمل خلالها على أكتاف رفاقه في السلاح من القوات المسلحة الأردنية الجيش العربي، ملفوفاً بالعلم الأردني.
وحول حادثة استشهاد البطل قال جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، خلال لقائه أمس رؤساء تحرير صحف الأردنية “الرأي، والدستور، والغد، والجوردن تايمز”، :«تضحيات الشهيد الجليلة والبطولة التي أبداها في التصدي لعصابات الإجرام ستبقى على الدوام ماثلة في الذاكرة الأردنية»، واصفا جلالته الشهيد بأنه «من خيرة شباب الوطن».
وعن هذا التواضع كتبت صحيفه الاندبندت البريطانيه تقول . “كلنا بحاجه لدرس في الاخلاق والتواضع يعطينا اياه العاهل الاردني ” وجاء في هذه الصحيفة أيضًا “وأكثر الناس حاجه لهذا الدرس هم الرؤساء..ان رجلا كهذا يذر التراب على قبر احد ابناء شعبه ويخبىء دمعه الحزن في عينيه حفاظا على بأس شعبه الذين يخاطبهم دائما يا ابنائي رجل لايتكرر …اتمنى ان اكون واحده من شعبه”.
ومن جانبه قدم صاحب السمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني تعازيه في شهيد الواجب الرائد راشد حسين الزيود، ونشر سمو ولي العهد صورة للشهيد على صفحته على “انستغرام”، معلقاً عليها: “رحم الله أخي الشهيد البطل راشد الزيود. ستظل في قلوب الأردنيين والأردنيات رمزاً للتضحية والفداء”.
المشهد الذي سيدخل سفر التاريخ هو أنه في الأردن لا فرق بين الخطابة والواقع. فالحديث عن الأسرة الواحدة ليس مجرد كلام يستميل من خلاله القادة رعاياهم. الحضور الملكي لمراسم دفن الشهيد راشد الزيود، وارتداء القائد الأعلى للباس الميدان، وحرصه على مواراة رفيق السلاح التراب بيديه الكريمتين، صورة لن تتوارى من ذاكرة الأردنيين ما عاشوا.
الثاني من آذار /مارس -والذي يتزامن مع مناسبة وطنية تاريخية في الأول من ذلك الشهر، هو قيام الملك الحسين بن طلال “رحمه الله” بتعريب قيادة الجيش العربي-، يوم وحّد مشاعر الأردنيين، وأكد لهم مجددا أن في بلادهم حماة لديارهم يستحقون التحية؛ فهم لن يسمحوا بأن تهدر كرامة أبناء وطنهم، أو أن يذلهم كائن من كان… فتحية لقواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية وقيادتنا الفذة، وسلام على روح راشد ومعاذ، وكل الذين رحلوا في سبيل أمننا وعزتنا وكرامتنا. محنة ذلك اليوم أظهر الأردنيون بروح وطنية جامعة يتقدمها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين وولي عهده الأمير حسين في التنديد بالمجموعة والاعتزاز بالشهيد النقيب راشد الزيود، ما يذكّرنا بالحالة نفسها غداة استشهاد الطيار معاذ الكساسبة.
عبر التاريخ، أثبت الأردنيون في ظل القيادة الهاشمية بدءا من الملك مؤسس إمارة شرق الأردن عبدالله بن الحسين “رحمه الله- مرورًا بالباني الملك الحسين بن طلال”رحمة الله” وصولا بالمعزز الملك عبدالله الثاني”حفظه الله ورعاه” أنهم مخلصون لبلدهم وحريصون على أمنه وسلمه الاجتماعي. وفي الوقت الذي تسود فيه الاضطرابات والكوارث في دول الجوار، فإن المملكة الأردنية الهاشمية تمكنت بحكمة قائدها الملك عبدالله الثاني من المحافظة على أمنها وسلامة مجتمعها بفضل العلاقة المميزة التي تشكلت عبر التاريخ الحديث والمعاصر بين مؤسسة العرش الهاشمي والشعب الأردني ومؤسسات الدولة الحكومية وغير الحكومية من جهة، وبين مكونات الشعب بعضها ببعض من جهة أخرى. ولذلك، لا بد في ظل القيادة الهاشمية ممثلة بالملك عبدالله الثاني وولي عهده صاحب السمو الأمير الحسين بن عبدالله أن نحمي ما نملك، وأن نحرص على عدم إعطاء الفرصة لمن يبحث عن ثغرة يمكنه من خلالها أن يعيث في مجتمعنا فسادا لا سمح الله؛ وذلك من خلال تعظيم قيم الحرية والديمقراطية، والتكاتف أكثر وأكثر بين الناس ومؤسسات الدولة.
فعملية إربد مناسبة جديدة للتأكيد على أمران أولهما أن الشعب الأردني مع قيادته الهاشمية يجسدان مفهوم العائلة وثانيهما تعزيز الثقة الراسخة بقدرات الأجهزة الأمنية وسلطة الدولة. ولهذا علّق أحدهم بفخر على “تويتر”: “تذكروا أيها الإخوة أن قوات الأمن هي من هاجمت الإرهابيين في جحورهم، وليس العكس”. وردد كثيرون: “ساعات قليلة وستسمعون الأنباء السارة”. وما هي إلا ساعات بالفعل حتى أعلنت قوات الأمن انتهاء العملية وسحق سبعة من أعضاء الخلية الإرهابية؛ المزنرين بالأحزمة الناسفة، ومن تحتهم وفوقهم أكوام من الرشاشات والمتفجرات كانوا يعدونها لسلسلة من العمليات الإرهابية الخطيرة. وقبل هؤلاء كانت الجهات المعنية ألقت القبض على نحو عشرين عنصرا من المرتبطين بالمجموعة الإرهابية.
عملية إربد قد لا تكون الأخيرة؛ نحن وسط بحر يعج بالإرهابيين. وليس هذا فحسب؛ بيننا أيضا من هم في خندق “الدواعش” القتلة؛ فالمتورطون في خلية إربد كلهم أردنيون، عاشوا معنا، ووسط مدننا.
المهم أن يظل الأردنيون في ظل قيادتهم الهاشمية على بأسهم ووحدتهم في الحرب مع الإرهابيين والتكفيريين. قوة الأمن في اصطفاف الشعب من حولها. عندما تقدم الشهيد البطل راشد الزيود الصفوف، كان مدفوعا بخزان لا ينضب من الثقة على أكتافه. بوحدة الأردنيين وتماسكهم واجه القتلة، ومن أجلهم ارتقى شهيدا.
وحدة الدراسات العربية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية