تجددت اشتباكات عنيفة في طوزخورماتو” في محافظة صلاح الدين بين قوات البيشمركة (الكردية) وقوات الحشد الشعبي التركماني (تركمان شيعة)، في وقت متأخر من مساء السبت 23نيسان/إبريل في شمالي العراق، لتسفر هذه المواجهات عن عن سقوط قتلى بين الجانبين،فعلى الجانب الكردي قتل عشرة من البيشمركة بينهم ضباط كما قتل عدد من المواطنيين الاكراد وتم حرق تسعة عشر منزل للمواطنين اكراد اما فيما يتعلق بالحشد الشعبي التركماني فقد سقط خمسة وعشرون قتيلا وجرح اربعون منهم .
وعن سبب تجدد الاشتباكات قال قائمقام طوزخورماتو شلال عبدل كردي أن «الاشتباكات اندلعت بعد انفجار قنبلة يدوية قرب منزل عضو حزب الاتحاد الوطني الكردستاني كوران جوهر ليل السبت (أول من أمس) يعتقد ان عناصر في الحشد الشعبي (تركماني) يقفون وراء الحادثة». واضاف ان «قوات كردية مجهزة بدبابات وأسلحة وصلت إلى طوزخورماتو صباحاً لتبدأ سلسلة معاركة قبل ان تجري دعوات للتهدئة خففت الاحتقان في المدينة بعض الشيء». وتسببت المعارك في حالة من التوتر في القضاء الذي يقطنه خليط من الأكراد والعرب والتركمان والشيعة والسنة. .وتسببت أيضاً في قطع الطريق الاستراتيجي الذي يربط بين العاصمة بغداد ومدينة كركوك.
وإزاء هذه الأحداث، أصدر رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، الأحد 24 نيسان/إبريل ، أمرا إلى قيادة العمليات المشتركة باتخاذ الإجراءات العسكرية اللازمة للسيطرة على الوضع في طوزخورماتو بمحافظة كركوك.وأفاد المكتب الإعلامي للعبادي في بيان، بأن “القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء حيدر العبادي وجه قيادة العمليات المشتركة باتخاذ جميع الاجراءات العسكرية اللازمة للسيطرة على الموقف في طوز خورماتو وايقاف تداعيات الاحداث المؤسفة التي أدت إلى وقوع عدد من الضحايا”.وأضاف المكتب، أنه “تم الاتصال بجميع القيادات لنزع فتيل الأزمة وتركيز الجهود ضد العدو المشترك للعراقيين وهو تنظيم “داعش”. وتمثل طوزخورماتو إحدى المناطق المتنازع عليها بين حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية في بغداد.
ويدور الصراع الرئيس الان في طوزخورماتو المعروفة بـ” كركوك المصغر” بين الأكراد والتركمان الشيعة الواقعة،الواقعة على بعد نحو 175 كيلومترا شمالي بغداد، فالاكراد يديرون منذ عام 2003 المفاصل الادارية والامنية الحساسة للمدينة فيما شكل التركمان الشيعة بعد ظهور تنظيم الدولة في العراق والشام (داعش) قوات الحشد الشعبي كمناورة لدعم قوميتهم ومذهبهم الشيعي. ومع ان قوات البيشمركة قد تعاونت مع الحشد الشعبي في اعادة السيطرة على ناحية آمرلي التابعة لطوزخورماتو في شهر اغسطس/آب من العام الماضي واسترجاعها من مسلحي داعش، الا ان معادلة التحالف ضد التنظيم المتشدد هذه قد تحولت مؤخرا الى صراع داخلي بين الجانبين على بسط النفوذ على المدينة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن العنف،أصبح يتكرر بصورة شبه شهرية بين جماعات مسلحة متحالفة على مضض في مواجهة تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام “داعش”، وذلك منذ طرد المتشددين من بلدات وقرى في المنطقة عام 2014. وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي،وقع شجار في نقطة تفتيش امتد إلى داخل مدينة طوزخورماتو بين المقاتلين التركمان وعناصر قوات البيشمركة الكردية، نجم عنه حرق العديد من المنازل وانقسام المدينة عرقيا إلى مناطق تركمانية وأخرى كردية، ونزوح السكان منها، بحسب هذا التقسيم الإثني الطائفي.
واعتبر المهتمون للشأن العراقي أنّ المواجهات كانت نتيجة متوقّعة لتوتر دائم في طوزخورماتو مرتبط بمشكلة أعمق تتعلّق بالصراع العرقي والمذهبي المتفاقم في العراق، والمرشّح للتحوّل إلى نزاع مسلّح أوسع نطاقا بهدف الاستيلاء على المناطق والسيطرة عليها بقوة السلاح الذي بلغ انتشاره درجة غير مسبوقة من الفوضى وصلت حدّ ظهور جيوش موازية يخشى أن تكون وقود حرب أهلية ضارية تنتظر البلد في مرحلة ما بعد تنظيم داعش.
وكما يطمح أكراد العراق الذين يستندون إلى قوة جيدة التنظيم والتسليح تتوزع بين شرطة تطلق عليها تسمية الأسايش، وجيش يعرف بالبيشمركة، إلى توسيع حدود إقليمهم الذي لم تتوان قياداتهم في التعبير عن سعيها لفصله بشكل كامل عن العراق، فإنه سيكون من الصعب انتزاع أراض من أيدي ميليشيات شيعية مسلّحة سيطرت عليها بعد استعادتها من داعش وشرعت في العمل على تغيير تركيبتها السكانية بتقليل أعداد أبناء الطائفة السنية عبر التضييق على من بقي منهم في تلك المناطق، ومنع عوة من نزح فرارا من الحرب.
ويحذّر مراقبون من أن يكون وقود الحرب الأهلية القادمة في العراق السلاح الكثير والمتنوع الذي أصبح بين أيدي الميليشيات الشيعية، من جهة، وتزايد قوّة البيشمركة الكردية قياسا بالجيش العراقي الذي واجه مع هجوم داعش على المناطق العراقية صيف العام قبل الماضي حالة أشبه بالانهيار. وتزداد طموحات أكراد العراق إلى إنشاء دولتهم المستقلة وتوسيع حدود إقليمهم إلى المناطق المتنازع عليها مثل محافظة كركوك الغنية بالنفط.
المواجهات العسكرية المتجدّدة في طوزخورماتو ليست سوى نموذج عما أصاب العراق الدولة والمجتمع من بعد التاسع من نسيان/إبريل عام 2003م، والذي ساعد على ذلك الوهن الذي قد يؤدي إلى تمزيق العراق العملية السياسية القائمة على المحاصصة الحزبية والعرقية والطائفية. فما هذا المستوى العالي من الصراع بين المتقاتلون في طوزخورماتو إلا مؤشر على أنّ الحرب على تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام د”اعش” قد لن تكون المرحلة النهائية في الصراعات المسلّحة بالعراق، بل ربما تكون مقدمة لحروب أهلية مركبة ذات طابع قومي وطائفي.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية