لدى علم الاقتصاد أداة فعالة لتحديد الأسعار ولتفسير أسباب هبوطها وصعودها، تدعى نظرية “العرض والطلب”، فإذا حدث انخفاض في سعر النفط، فالسبب يكون إما انخفاضا في الكمية المطلوبة من النفط، أو ارتفاعا في الكمية المعروضة منه، أو كليهما، أي انخفاض المطلوب وارتفاع المعروض.
وهكذا، فالتغيرات في العرض والطلب تؤدي إلى تغيرات في الإنتاج وإلى تغيرات في الأسعار، وإذا فهمنا طريقة عمل العرض والطلب، نكون قد فهمنا كيف يتحدد سعر سلعة معنية. فماذا حدث لكل من العرض من النفط والطلب عليه، وأدى إلى هذا الهبوط السريع للأسعار؟ وأين هو القاع الذي سيقف عنده هذا الهبوط؟ أو ما هو أقل هبوط يمكن أن يصل إليه سعر برميل النفط؟ ما يجيب على هذه الأسئلة، كما قلنا، هو مقدار الكميات المعروضة والمطلوبة من النفط.
لنأخذ الشق الأول، المتعلق بالكميات المعروضة من النفط ، حيث تقول وكالة الطاقة الدولية، إن انتاج النفط من الدول غير الأعضاء في منظمة ” أوبك” وحدها ارتفع بنحو 1.7 مليون برميل يوميا عام 2014، مما دعا الوكالة إلى تعديل توقعاتها للإنتاج من خارج منظمة “أوبك” لعام 2014، التي كانت 56.1 مليون برميل يوميا إلى 57.8 مليون برميل يوميا، وإن الفائض من الإنتاج سيكون 1.08 مليون برميل يوميا في حال محافظة “أوبك” على سقف إنتاجها المقدر بـ 30 مليون برميل يوميا، وهو ما تم المحافظة عليه بالفعل في اجتماع المنظمة في الشهر قبل الماضي، وإن هذا الفائض من خارج أوبك سيكون عام 2015 نحو 1.36 مليون برميل يوميا.
من أين جاءت هذه الزيادة في الإنتاج؟ أو من أين جاء هذا الفائض؟ بالتأكيد هو لم يأت من العراق أو من ليبيا، بالرغم من أن ليبيا تنتج حاليا 800 ألف برميل يوميا، ولكنه أتى بشكل أساسي من الولايات المتحدة الأميركية، بشكل فاق كل التوقعات، التي لم تدرك حجم وقوة تأثير النفط الصخري، حيث ارتفع إنتاج النفط الأميركي من 5.6 ملايين برميل يوميا عام 2011 إلى 8.5 ملايين برميل يوميا عام 2014. الموضوع لم يتوقف عند هذا الحد، لأن الولايات المتحدة الأميركية نفسها أعلنت يوم 7 ديسمبر/كانون الأول الماضي أنها سترفع إنتاجها النفطي لأعلى مستوياته عام 2015، وأنه سيبلغ أعلى مستوى له منذ 43 عاما، بفضل زيادة إنتاجها من النفط الصخري، وأنه سيكون 9.3 ملايين برميل يوميا، هذا مع العلم بأن إدارة معلومات الطاقة الأميركية كانت قد تنبأت بأن إنتاج الولايات المتحدة الأميركية سيكون عام 2015 نحو 9.4 ملايين برميل، أي أنه من المؤكد سيكون بين 9.3 و9.4 ملايين برميل عام 2015.
كانت وكالة الطاقة الأميركية قد توقعت، في تقريرها الشهري الذي صدر يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن تكون أمريكا هي أكبر منتج للنفط في العالم، متجاوزة روسيا والسعودية، بسبب إمكانيات ارتفاع الإنتاج من النفط الصخري، ومن الموجات التكنولوجية المتتابعة في مجال التعامل مع الصخور الزيتية.
من الجدير بالذكر في هذا المجال أن إنتاج السعودية لم يتبدل عام 2014 ولن يتبدل عام 2015، وقد بلغ في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي 9.61 ملايين برميل يوميا. منذ أيام، قدرت وكالة الطاقة الدولية، في تقريرها الصادر يوم الجمعة 12 ديسمبر/كانون الأول، أن الفائض العالمي من النفط سيصل إلى مليوني برميل يوميا في النصف الأول من عام 2015 إذا بقي إنتاج “أوبك”على ما هو عليه.
هذا الفائض في الكميات المعروضة هو الجانب الأول من المشكلة، فماذا عن الجانب الآخر المتعلق بالكميات المطلوبة من النفط؟ تراجع الطلب على النفط عام 2014، وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن الطلب على النفط سيتراجع عام 2015 بواقع 230 ألف برميل يوميا، أي أن المشكلة ستتفاقم من جانب الطلب. ومنظمة “أوبك” نفسها توقعت يوم الأربعاء 10 ديسمبر/كانون الأول أن الطلب على نفط المنظمة سيكون 28.92 مليون برميل عام 2015، أي أقل من توقعاتها السابقة، ورغم ذلك جاء قرارها بعدم تخفيض الإنتاج كي تترك السوق تحدد السعر، والذي سيكون في هذه الحالة مزيدا من التراجع في الأسعار.
ولكن المنظمة اعتبرت ذلك قرارا استراتيجيا للتصدي لطفرة النفط الصخري الأميركي، الذي بدأ يزاحم جديا “أوبك” في السوق العالمية للنفط. إذاً، ستنخفض الأسعار لا محالة، ولكن إلى أي حد؟
تقول مورغان ستانلي إن متوسط تكلفة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة الأميركية هي 68 دولارا للبرميل، وهي تقصد حتما إجمالي التكاليف الثابتة والمتغيرة، لكن ما يحدد الانتاج من عدمه، كما هو معروف في النظرية الاقتصادية، هو التكاليف المتغيرة فقط، أي تكاليف إنتاج وحدة إضافية، وهي في كل الحالات، بما في ذلك حالة النفط، تختلف من شركة ومن طريقة إنتاج إلى أخرى، كما تختلف في الشركة نفسها وبالطريقة نفسها من موقع لآخر، وهي غير معلنة بدقة في حالة النفط الصخري، ولكن من المتوقع أنها تشكل حوالى ثلثي التكلفة الإجمالية، وبالتالي فإن التكلفة المتغيرة لإنتاج برميل واحد من النفط ستكون حوالى 46 دولاراً، وهذا يعني أن الشركات الأميركية ستستمر بالإنتاج حتى يصبح سعر برميل النفط 46 دولاراً، بعد ذلك تبدأ الخسارة ويتوقف منتجو النفط الصخري عن الإنتاج.
بالطبع، تحتاج السوق لبعض الوقت ليتجاوب العرض والطلب مع هبوط الأسعار، حيث سيرتفع الطلب كلما انخفضت الأسعار وسيكون مناسبا للمشترين والمستخدمين كلما اقترب من سعر التكلفة، بالمقابل سيتقلص العرض كلما انخفضت الأسعار إلى حدود التكاليف الأميركية، وبالتالي قد تصل هذه الأسعار إلى 46 دولاراً للبرميل الواحد.
تيسير الرداوي
العربي الجديد