في الوقت الذي تتصاعد فيه الحرب الدولية ضد تنظيم “داعش”، اتجهت بعض التنظيمات المتطرفة الأخرى، على غرار حركة “بوكو حرام” النيجيرية، إلى تبني آليات شبيهة بتلك التي يستخدمها “داعش” في توسيع نفوذه، إذ لم تكتف بالاستيلاء على ثلاث مدن في شمال شرق نيجيريا، في 14 نوفمبر 2014، لتنضم إلى المناطق التي سيطرت عليها في السابق، بل إنها اتجهت إلى فرض عقوبات على المواطنين، وفقًا لتفسيرها للشريعة، في بعض المدن مثل مدينة موبي التي أطلقت عليها اسم “مدينة الإسلام”.
وفضلا عن أنها أعلنت، على لسان زعيمها أبو بكر شيكاو، دعمها لتنظيمى “داعش” و”القاعدة”، فقد سعت إلى تأسيس ما يسمى بـ”دولة الخلافة” بدءًا من مدينة غوزا بولاية بورنو، شمال شرق نيجيريا، في 24 أغسطس 2014، وهو ما يشير إلى أن الحركة في طريقها إلى تبني أهداف جديدة، ربما تأثرًا بتصاعد نشاط تنظيم “داعش” في العراق وسوريا خلال الفترة الماضية، بشكل يبدو أنه سوف يفرض تهديدات جدية لمنطقة غرب إفريقيا بصفة عامة، خاصة أن العمليات التي قامت الحركة منذ بداية تصاعد نشاطها في عام 2009 أدت، وفقًا لتقديرات عديدة، إلى مقتل 13 ألف شخص ونزوح ما يقرب من مليون نصف المليون من النيجيريين إلى دول الجوار.
آليات متعددة:
تسعى حركة “بوكو حرام” منذ نشأتها إلى توسيع نفوذها بكل الأدوات المتاحة لديها، من خلال السيطرة على أكبر قدر ممكن من القرى والبلدات، وارتكاب أعمال عنف على نطاق واسع. ففضلا عن أنها تتعمد في الآونة الأخيرة تنفيذ عمليات قتل شبيهة بتلك التي تقوم بها عناصر “داعش”، فقد بدأت في استخدام النساء للقيام بعمليات انتحارية ضد قوات الشرطة والجيش، إلى جانب أنها ما زالت تسعى لتوسيع نفوذها خارج حدود نيجيريا، عن طريق ممارسة أنشطة إجرامية عبر الحدود مع دول الجوار، والتواصل والتعاون مع عدد من التنظيمات الجهادية المنتشرة في المنطقة، بشكل حوَّل الحركة في النهاية إلى تنظيم عابر للحدود.
وتعتمد الحركة على مجموعة من الركائز التي تُعتبر مصدر قوتها، من أجل تحقيق أهدافها، تتمثل في:
-أعدادٌ كبيرة من الأتباع: تُعتبر الموارد البشرية من أهم مصادر قوة الجماعة، التي تعتمد بصفة أساسية في عملية التجنيد على أبناء الفقراء من المسلمين، سواء من نيجيريا أو من الدول المجاورة، والذين يعبرون بسهولة إلى الحدود النيجيرية، حيث يرون أن الجماعة “تدافع عن الإسلام”، كما أنها حرصت على تأسيس نظام للتكافل الاجتماعي والاقتصادي لأفرادها، مما يعني أنها تحولت بالنسبة لهم إلى وسيلة هامة لتحسين الظروف الاقتصادية السيئة.
-تمويل متعدد المصادر: يبدو أن الجماعة تمتلك مصادر تمويل متعددة، تعتمد عليها في توسيع نفوذها، وممارسة نشاطها، حيث تحصل على هذا التمويل من الأنشطة الإجرامية التي تقوم بها وعلى رأسها اختطاف الشخصيات العامة، وتشير بعض التقديرات إلى أنها تحصل على مليون دولار كـ”فدية” مقابل إطلاق سراح مختطف واحد، وذلك إلى جانب التبرعات التي يقدمها بعض الأغنياء الذين يؤمنون بأفكارها، إضافة إلى المساهمات المالية لبعض السياسيين الذين يحققون مكاسب، بصورة أو بأخرى، من وراء تصاعد نشاطها.
-علاقات قوية مع تنظيمات متطرفة أخرى: نجحت “بوكو حرام” في تأسيس شبكة علاقات قوية مع بعض التنظيمات الجهادية في المنطقة، مثل حركة “شباب المجاهدين” الصومالية، وتنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، من خلال إرسال عدد من مقاتليها من أجل التدريب وتبادل الخبرات، وكذلك المشاركة في القتال في بعض مناطق الصراع المنتشرة في المنطقة.
خطوات سياسية:
مع مرور الوقت، بدأ يتضح أن أهداف حركة “بوكو حرام” أبعد من الرغبة في توسيع النفوذ، حيث يبدو أن الأهداف الحقيقية تتمثل في تأسيس “دولة إسلامية” خاصة بها في نيجيريا، على أن تتمدد بعد ذلك إلى دول الجوار، وربما يفسر ذلك اتجاه الحركة في فترة سابقة إلى إعلان “الخلافة الإسلامية” في المناطق التي تسيطر عليها، بما يعني أنها تسعى إلى تأسيس دولة على غرار دولة “داعش”، تكون مظلة ومأوى للجهاديين من منطقة غرب ووسط إفريقيا، ولذلك اتخذت الحركة بعض الخطوات من أجل تحقيق هذا الهدف يمكن تناولها في التالي:
-العمل على قطع العلاقات مع مؤسسات الدولة وإداراتها المختلفة، حيث قام مؤسس الحركة محمد يوسف بفك ارتباطه رسميًّا مع ولاية يوبي عام 2006، كما أصدر مجلس شورى الجماعة بيانًا يُحرّم فيه على الأعضاء دعم وتأييد الحكومة، نظرًا لأن هياكلها ومؤسساتها تتناقض ومبادئ الشريعة الإسلامية وفقًا لرؤيته.
-تأسيس مجموعة من الإدارات المستقلة الخاصة بالحركة، مثل مجلس الشورى، وهيئة الحسبة، ومجالس النقابات والألوية العسكرية، إلى جانب تشكيل هيكل تنظيمي للقيادة والإدارة، يكون بديلا عن الإدارات الحكومية في المناطق التي تُسيطر عليها الحركة.
-إنشاء منظومة إعلامية تستخدم في الدعوة والترويج لأفكار الحركة، فضلا عن توضيح ومواقفها وآرائها تجاه القضايا المختلفة، من خلال الوسائل الدعوية المعتادة، مثل الخطب والمواعظ في المساجد والتسجيلات الصوتية والمرئية، التي توزع على الأتباع، من أجل توسيع قاعدة التأييد للحركة.
وفي النهاية، يمكن القول إن هذه الخطوات السابقة تُمثل في مجملها بداية الطريق نحو تأسيس “دولة مستقلة” لحركة “بوكو حرام”، وهو ما سوف يفرض تداعيات سلبية في تلك المنطقة، خاصةً أن الحركة تتبنى فهمًا ضيقًا للإسلام، وترفض الاعتراف أصلا بمفهوم الدولة المدنية القائمة في البلاد، وتسعى إلى تأسيس “دولة إسلامية” حسب رؤيتها وأفكارها، وتكمن خطورة ذلك في تزايد احتمالات تجاوزه للحدود النيجيرية، ليمتد إلى النطاق الإقليمي لمنطقة غرب إفريقيا التي تعاني من ضعف استراتيجي وأمني لا يمكن تجاهله.
المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية