إنّ الذي يراقب المشهد في سوريا والعراق ولبنان واليمن، تفجؤه ثلاث وقائع: الاستنزاف الذي يفرضه المتطرفون على الناس والسلطات. والاستهداف الذي يقوم به الإيرانيون للعرب والمسلمين، ثم التدبير العجيب الذي يرتفع أحياناً لدرجة التآمر من جانب القوى الدولية، وبخاصة روسيا والولايات المتحدة.
أما المتطرفون فيفرضون حالة من النزيف الديني والسياسي منذ أكثر من عقد. فقد أحدثوا انشقاقات في الدين، بالتكفير والقتل والاضطهاد، كما أحدثوا انشقاقات وفوضى في الدول بالميليشيات المسلحة القاتلة. وهم لهم اختراقات وعلاقات بالعاملين على استهدافنا من الإيرانيين والمتأيرنين. فعندما هاجم الأميركيون أفغانستان لطرد «القاعدة» وإسقاط «طالبان»، هربت نصف قيادات «القاعدة» إلى إيران، وما تزال هناك. ولديهم وصية من بن لادن بعدم التعرض لإيران. ولا يختلف الأمر لدى «داعش» وإن يكن شأنه أكثر غموضاً، وذلك بين النظام السوري وإيران وتركيا. والذي يراقب مجريات الأسابيع الأخيرة فقط في شمال سوريا يشهد العجب العجاب، بين انسحاب أمام النظام والأكراد، وشراسة في مواجهة المتمردين الآخرين!
بيد أن الحديث عن الاختراقات ووجوه التبعية، لا ينبغي لكل ذلك أن يُلهينا عن الداء الأصلي، وهو أنّ هؤلاء «الجهاديين» إنما يقتلون الإنسان ويدمّرون العمران، ولا يمكن الوصول معهم إلى أي تنازل، لأن في ذلك إخلالاً بالدين واستغناءً عن الدولة ووظائفها. ويتبين ذلك في العراق وسوريا وليبيا، إذ ماذا يفعل هؤلاء في سِرتَ وغيرها؟! ولماذا أعمال التخريب على المواطنين والتسبُّب في طردهم من ديارهم؟
ويأتي الاستهداف الإيراني واضحاً وضوح الشمس، للعرب السنة بالتحديد. وهؤلاء لا يخفون ذلك، بل ويقولون إنهم جندوا مائتي ألف من أهالي البلدان الأصليين الأبرياء، ليشتغلوا على تدمير الدول والمجتمعات. أما الحكمة من وراء ذلك فلا شيء غير الكراهية للعرب، وإشاعة الخراب داخل المجتمعات عن طريق وعي التفرقة بين الشيعي والسني. وما يحصل الآن في سوريا والعراق لا يُدحَضُ على ذلك. فالميليشيات الإيرانية والمتأيرنة تقتل وتُهجّر في سوريا والعراق واليمن ولبنان. وقد قالوا عندما تدخلوا في سوريا إنهم ذاهبون لحماية قبور آل البيت من التكفيريين، وها هم يقولون الآن إنهم يحمون بشار الأسد بسبب انتمائه لمحور المقاومة الذي ترعاه إيران. أما في العراق فهم يُشيدون بالحشد الشعبي ويقودونه في عمليات القتل والتهجير. والعجيب الغريب أيضاً أنّ هذا هو كل تدبيرهم لحماية مصالحهم بالعراق، وقد كان بوسعهم المساعدة في إقامة دولة قوية وعادلة وإنسانية، فيكون ذلك شهادةً لهم أمام العالم، بدلاً من نهب ثروات العراق، وتكريه الناس بهم جميعاً.
والعجيب الغريب أنّ الدول الكبرى، مثل روسيا والولايات المتحدة، تستخدم إيران مخلب قط في الأماكن التي لا تريد تكثيف وجودها على الأرض فيها، وهذا ظاهر في سوريا، وإلى حد ما في العراق. وإلى جانب التنسيق مع إيران، فإن الطرفين الأميركي والروسي يتوددان للأكراد بحجة استخدامهم ضد «داعش»، وبذلك ينقسم كل بلد إلى ثلاثة أو أربعة كيانات. أما لبنان فينوء تحت عبء ووطأة الآلة العسكرية لـ«حزب الله»، وما فُرض على نظامه من فساد واستئثار.
وإلى جانب إيران (وإلى حد ما تركيا)، يقف الأميركيون والروس يتأملون وقائع هذا المشهد المُخزي، ويضيفون لمسة «فنية» هنا أو مشهداً مؤثراً هناك! فلا أحد يدري لماذا هذه المذابح في سوريا حتى ولو كان يراد معاقبة المتطرفين أو إبقاء الأسد(؟)، وأين يذهب هؤلاء الذين ما تزال القوات السورية والكردية والإيرانية تطاردهم من مكانٍ إلى آخر، تلفظهم المخيمات ثم تلفظهم البحار. ولا يفعل الدوليون شيئاً لنجدتهم.
لقد اجتمعت على العرب ثلاث قوى، الأولى ناجمة عن صعود التيار الأصولي في عصر الضعف والاستضعاف العربي، ثم جاءت إيران لتستفيد من الضعف والشرذمة، وجاء الدوليون ليتشاركوا مع الإيرانيين والإسرائيليين والأتراك في محاصرة واستنزاف العرب.
والذي يحاوله الخليجيون لصَون ما يمكن صَونه من تغول هذه القوى الثلاث هو الأمل الباقي، بعد نفاد الثورة والثوار.
رضوان السيد
صحيفة الاتحاد