توقّع مدير المخابرات المركزية الأميركية جون برينان أن يقوم تنظيم الدولة الإسلامية بتغيير أساليبه لتعويض الخسائر التي مني بها مؤخّرا في العراق وسوريا وأيضا ليبيا. وقال برينان، خلال شهادة أمام لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ، “لتعويض خسائر الأرض سيعتمد تنظيم الدولة الإسلامية أكثر على الأرجح على أساليب حرب العصابات بما في ذلك الهجمات الكبيرة خارج الأراضي التي يسيطر عليها”.
وفي الوقت الذي كان يقدّم فيه برينان شهادته، كانت المعركة على أشدّها في مدينة الفلوجة العراقية التي سيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية منذ أكثر من سنتين ونصف السنة، وتمكن من إنشاء الكثير من التحصينات الدفاعية إضافة إلى حفر الكثير من الأنفاق. وقد تمكنت القوات العراقية من تحقيق المزيد من التقدم في مواجهة مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية. بعد ذلك، سوف يكون الهجوم من أجل استعادة الموصل بمثابة المعركة الكبرى الوحيدة المتبقية قبل أن يتم إعلان “القضاء” على إرهاب داعش في العراق.
تعاون روسي أميركي
يأتي التقدم صوب الفلوجة، بالتزامن مع حملات كبيرة أخرى ضد التنظيم المتشدّد على جبهات أخرى بما في ذلك تقدم قوات مدعومة من الولايات المتحدة صوب مدينة منبج، في شمال سوريا. وتتقدم قوات “صقور الصحراء” الموالية للأسد، لقطع طريق الرقة -حلب، في حين تقدمت قوات “سوريا الديمقراطية” بالقرب من منطقة عين عيسى نحو مدينة الرقة.
وتشير مجموعة الشرق الاستشارية (ميدل ايست بريفنع) إلى أن الأمر لا يحتاج إلى تحاليل كثيرة ليتم إثبات أن الولايات المتحدة، التي تدعم قوات “سوريا الديمقراطية”، وروسيا، التي توفر غطاء جويا لوحدات “صقور الصحراء”، تنسقان جهودهما في المرحلة الحالية، تحت عنوان “تنظيم الدولة الإسلامية أولا”.
لكن، ورغم أنه لا شكّ في أن تنظيم الدولة الإسلامية سيهزم في النهاية عسكريا، ترى المجموعة البحثية الاستشارية التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، أنه يجب العمل على محاولة اختراق الحالات المعقدة في كل من سوريا والعراق من أجل الكشف عن البعض من ملامح الديناميكية التي سوف تظهر في المستقبل، وما الذي سيفعله تنظيم الدولة الإسلامية بمجرد القضاء على “الخلافة” على أراضيه.
الولايات المتحدة وروسيا تنسقان جهودهما في المرحلة الحالية تحت عنوان تنظيم الدولة الإسلامية أولا
تخبرنا التجربة مع تنظيم القاعدة أنه من الوهم أن نتوقع أن تنظيم الدولة الإسلامية سوف “يختفي” بكل بساطة بعد هزيمته العسكرية والوضع الأكثر احتمالا لبقاء تنظيم الدولة الإسلامية، بعد هزيمته، هو أن تكون مجموعة إرهابية عالمية. وبعبارة أخرى، سوف يتم تحويل الحرب الهجينة التي يشنها التنظيم نتيجة للتغيرات التي سوف تطرأ على شكل وجوده.
وسوف يتطلب ذلك الحفاظ على هيكل القيادة قويا ولو تم ذلك تحت الأرض، إلى جانب طرق التواصل بين الخلايا وعامة الجمهور المتقبل، وبعض القدرات اللازمة لتسيير شبكة إرهابية، ونواة قوية من المخلصين والمثابرين. ومن خلال إجراء دراسة حالة للتطورات التي شهدها تنظيم الدولة الإسلامية خلال السنوات القليلة الماضية، يمكن القول إن جميع هذه العناصر متوافرة بكثرة لدى التنظيم من أجل التكيف مع المستقبل كمنظمة إرهابية.
وتقول مجموعة الشرق الاستشارية إن لبنات بناء المرحلة الجديدة موجودة بالفعل لدى تنظيم الدولة الإسلامية، وقذائف الهاون كذلك، يمكن أن تكون دوافع المشاركة والعمل قد تضاعفت، كما أن علامات دعم المتعاطفين تدل على التضامن والدعوة إلى الاستمرار في “الجهاد المقدس”. وقد قدّرت المخابرات المركزية الأميركية أن هناك عشرات الآلاف من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية ينتشرون في العالم وهو ما يزيد كثيرا عن مقاتلي القاعدة في ذروتها.
ما بعد معركة الموصل
من السابق لأوانه التفكير في الهزيمة العسكرية لتنظيم الدولة الإسلامية، فيما لا يزال الغموض يحيط بمعركة الموصل، المعقل الأهم للتنظيم في الأراضي العراقية. لكن، التقرير الأميركي يؤكّد أنه من الضرورة بمكان الاهتمام بالدراسات التي تركّز على تحديد مدى نجاعة الخطوات التي ينبغي اتخاذها لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية اليوم، وعواقبها في المستقبل.
وهناك عنصران مترابطان يجب الاهتمام بهما الآن؛ الأول هو المشاعر المحتملة حول مناخ استضافة هذا التنظيم المتشدّد بعد طرده من العراق وسوريا. والثاني هو الظروف النفسية لمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية والمتعاطفين معهم في جميع أنحاء العالم، فمن الطبيعي أن يكون تنظيم الدولة الإسلامية راغبا في الانتقام وإفساد الحفل على المنتصرين.
لكن، ستركّز عناصر التنظيم، فور هزيمتها، على ضمان أمنها، وبعد ذلك، ستنتقل إلى مرحلة الانتقام التي ستستمر لفترة طويلة مثلما هو الحال مع تنظيم القاعدة اليوم. ومن المتوقع أن يكون هذا الانتقام عبر سلسلة عنيفة من الهجمات الإرهابية في كل من العراق وسوريا ودول عربية.
وكانت دراسة صدرت عن مركز “الدين والجغرافيا السياسية” البريطاني أكّدت أن تنظيم الدولة الإسلامية يمثل استمرارا لطريقة تفكير بدأت قبل تواجده وستستمر إذا “هُزم”.
وأضافت أن “الغرب يخاطر بالوقوع في خطأ استراتيجي بالتركيز على التنظيم فقط، وأن دحره عسكريا لن ينهي الجهاد العالمي، ولا يمكننا أن نقصف أيديولوجية، لكن حربنا أيديولوجية”.
وتتبنى مجموعة الشرق الاستشارية ذات الفكرة، مشيرة إلى أن زيادة إجراءات الأمن والتعاون الاستخباراتي وحدها لن تمنع الخطر، لكن يمكن البحث عن وسائل أخرى مفيدة على غرار إعطاء مساحة أكبر للعلماء المسلمين المناهضين لتنظيم الدولة الإسلامية؛ ويجب ألا تركّز وسائل الإعلام بخصوص الحملة الدعائية لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية على فكرة “أن غير المؤمنين هزموا الإسلام عندما كسروا شوكة تنظيم الدولة الإسلامية”.
ولا ينبغي أبدا أن تعرض الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية على أنها حرب ضد الإسلام، ولا على أنها حرب ضد السنة على وجه الخصوص، وعلى علماء المسلمين المناهضين لداعش أن يقدموا شرحا متقنا بأن الحرب كانت ضدّ “إسلام الدولة الإسلامية”، وليس إسلام أكثر من مليار مسلم في جميع أنحاء العالم.
ويمكن استكمال هذا عن طريق شهادات المسلمين السنة في المدن التي تمت استعادتها حول فظائع تنظيم الدولة الإسلامية والويلات التي عانوها في ظل سيطرته على مدنهم وقراهم. وهذا كله يجب أن يكون جزءا من حملة مدروسة.
صحيفة العرب اللندنية