يتيح المأزق العراقي الحالي فرصة لتغيير سياسي ينقذه من الانحدار إلى منزلقات قد تكون أخطر من تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) التي أنجبتها طائفية أحزاب الإسلام السياسي.
وعلى القوى المدنية العراقية أن تستثمر وعياً شبابياً متنامياً بضرورة مغادرة منهج المحاصصة العرقية- الطائفية التي بنيت عليها «العملية السياسية»، ومطالب شعبية تزداد إتساعاً بوجوب «إصلاح النظام»، وبروز معارضة نيابية لمنهج المحاصصة متمثلة بـ «جبهة الإصلاح»، بالإضافة إلى خسارة أحزاب الإسلام السياسي مصداقيتها وفقدان جمهورها الذي بنته عبر الخطاب والتحشيد الطائفي ضد الآخر في السنوات السابقة، بخاصة في ظل حماية بعضها لفاسدين كبار تزداد المطالبات الشعبية بضرورة محاسبتهم. فعلى القوى المدنية أن تستثمر كل ذلك لإحداث التغيير الذي نعتقد بأنه ممكن من خلال الدعوة إلى تشكيل حكومة انتقالية (ذات مهمات محددة) برئاسة حيدر العبادي أو غيره، فهذا لا يهم كثيراً عند حصر مهمتها. وإضافة إلى الشأنين الاقتصادي والأمني، عليها العمل على ضمان نزاهة وعدالة وحرية الانتخابات المقبلة عبر سلسلة من الإجراءات منها:
-إعادة تشكيل مفوضية الانتخابات «المستقلة» بما يحقق الهدف أعلاه، والعمل على إشراك القضاء في عملية الإشراف وإجراء الانتخابات.
-إعادة النظر بتشكيل هيئة النزاهة بما يضمن استقلالها ومهنيتها.
-العمل على إنهاء مهمات هيئة المساءلة والعدالة والبدء بإعادة تشكيلها من شخصيات مستقلة ومهنية لضمان حياديتها.
-اتخاذ الإجراءات اللازمة لتأكيد استقلال القضاء ونزاهته.
-رعاية دولية للانتخابات والتحضير لها، بخاصة من قبل الأمم المتحدة التي هُمّشت في السنوات الأخيرة.
ونتوجه إلى أعضاء مجلس النواب لتشكيل أغلبية نيابية لدعم هذه المبادرة، الأمر الذي يعيد للهيئة التشريعية مكانتها الوطنية، بوصف أعضائها ممثلين للشعب وليس لكتلهم أو طوائفهم أو أحزابهم، ولكي لا يفهم من هذه الدعوة تحقيق مكاسب حزبية، تتعهد كتلة الإصلاح النيابية بعدم تقديم مرشح من قبلها لرئاسة أو عضوية الحكومة الانتقالية.
إن العودة إلى الشعب وكسب ثقة الناخب بأن الانتخابات المقبلة ستكون حرة ونزيهة وعادلة هي المفتاح لحل الأزمة الحالية.
-العمل على الصعيد الشعبي على تشكيل جبهة سياسية عريضة تضم الشخصيات والقوى المدنية الراغبة والداعمة للتغيير، لتدخل الانتخابات المقبلة تحت شعار مكافحة الفساد والطائفية، وتشكل “المبادرة الوطنية” التي أعلن عنها في مؤتمرها الأول في بغداد في كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٥، ومؤتمرها الثاني في نيسان (أبريل) ٢٠١٦ في عمان، منطلقاً وإطاراً لتحالف قوى الاعتدال والتغيير المدنية ضمن صيغة شراكة في الرؤية.
إن الفشل في تحقيق مثل هذا المخرج يعني أن تجرى الانتخابات البرلمانية المقبلة في نيسان ٢٠١٨ في ظل انقسام طائفي حاد تتسيد فيه أحزاب «الحشد» الشيعي المسلحة باسم استحقاقها الانتخابي، نتيجة هزيمة «داعش»، لتقفز على الحكم باسم انتخابات برلمانية غير حرة ولا عادلة ولا يشارك فيها الناخب المعتدل لعدم ثقتة بها. وفي حال كهذه سينزلق العراق إلى صراعات دموية أشبه بالحالة السورية، بما يجعل من التقسيم أقل الخيارات ضرراً.
ولا بد لنجاح هكذا مبادرة للتغيير السلمي من بيئة إقليمية داعمة لمثل هذا التوجه، وذلك باقتناع الأطراف الإقليمية المؤثرة والفاعلة على الساحة العراقية بأن مصلحة كل الأطراف تتحقق بتحقيق السلام والوئام بين أبناء الشعب العراقي، وإن الاحتراب الطائفي موضوع خطر عابر للحدود على خلاف «المواطنة العراقية”.
ومن هنا أهمية وقف التصعيد بين دول الخليج العربي وإيران بما يجعل العراق ساحة للتفاهم بتحييده سياسياً على غرار النموذج العماني.
وهناك فرصة لتسوية سياسية في العراق، وأعتقد أن المصلحة المستنيرة لكافة قوى الاعتدال في دول الجوار هي ان تسعى الى حل كهذا قبل ان ينتقل العراق الى الحالة السورية او اليمنية، ثم نطالب بحل سياسي. وفي المقابل فنجاح الحل السياسي في العراق سيفتح الباب لتطبيقه في سورية واليمن.
إن ما يشهده الشرق الأوسط من تحول في سياسة تركيا تجاه المنطقة يعزز إمكانية التحول السياسي لدول المنطقة تجاه بعضها البعض.
وأخيراً وليس آخراً، هناك ضرورة العمل على إقناع الرأي العام العالمي، بخاصة في أوروبا وأميركا وروسيا، بضرورة العمل على تنمية هكذا توجهات عابرة للطائفية في العراق والمنطقة، وخلاف ذلك يعني المزيد من التحشيد الطائفي، وبالتالي المزيد من التطرف، والمزيد من الحروب (بالأمس كانت القاعدة واليوم “تنظيم الدولة” وغداً باسم جديد).
فمن مصلحة العالم أجمع أن يسود السلام في هذه المنطقة وعلى رأسها العراق، وذلك لا يتم، كما برهنت السنوات الماضية، إلا عند مغادرة الخطاب والتوجهات الفكرية الطائفية لأحزاب الإسلام السياسي.
غسان العطية
صحيفة الحياة اللندنية