أثار السيد ياسين مجدداً («الحياة»، 12 حزيران – يونيو الماضي) قضية «صراع الحضارات»، ونقيضها «حوار الحضارات»، وبلورتها إلى «التحالف بين الحضارات». وفي تتبع هذه النظريات الثلاث، سنتذكر أن «صراع الحضارات» أطلقها صمويل هنتنغتون في مقاله الشهير في دورية «فورين أفيرز» (عدد صيف 1993) تم طورها في كتاب عام 1996 بعنوان: «صراع الحضارات وإعادة تشكيل العالم».
في ذاك المقال – الكتاب، خلص هنتنغتون إلى أنه مع نهاية الحرب الباردة سيتشكل العالم بدرجة كبيرة نتيجة للتفاعل بين سبعة أو ثمانية حضارات وبخاصة بين الحضارة الغربية والحضارة الكونفوشية والإسلامية وستحدث أكثر الصراعات أهمية على الخطوط التي تفصل الحضارات عن بعضها البعض. تعرضت نظرية هنتنغتون للنقد والتفنيد داخل الولايات المتحدة حيث اعتبر بعض المؤرخين أنها «دعوة لحرب عالمية ثالثة». ومن الخارج، بخاصة من الشرق الآسيوي، حيث نبَّه الباحث والديبلوماسي السنغافوري كيشور محبوباني إلى تجربة شرق آسيا في التجانس والامتزاج. وولَّدت نظرية «صراع الحضارات» نظرية «حوار الحضارات»، التي أطلقها الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، وتبنتها الأمم المتحدة عام 2001.
غير أن دعوة الحوار بين الحضارات، تقاطع معها حدث جلل وهو الهجمات الإرهابية التي تعرَّض لها الأمن القومي الأميركي، ربما للمرة الأولى في تاريخه، وضاعف من وقعها أن الذين نفذوها جاؤوا من العالم العربي والإسلامي. وعلى رغم أن حكومات العالم الإسلامي ومؤسساته وشخصياته الدينية دانت هذا الحادث وبرَّأت الإسلام منه، إلا أنه خلق غيوماً بين الغرب والعالم الإسلامي حيث بدأت أصوات فيه تشكك في أن الإسلام كعقيدة يحمل بذور دعوة إلى العنف «والجهاد». قدم هذا الحادث غذاء جديداً لنظرية صراع الحضارات واستخدم باعتباره دليلاً على صحه منطلقاتها. وعلى جانب آخر أحيا هذا التطور من جديد الحاجة إلى الحوار والتلاقي بين الحضارات والثقافات والديانات، وهو ما ولَّد الدعوة إلى «تحالف الحضارات» والتي تبناها رئيسا الوزراء في تركيا وأسبانيا.
ومثلما جاءت الهجمات الإرهابية ضد الولايات المتحدة لكي تشوش على الدعوة إلى الحوار بين الحضارات، جاء صعود جماعات إسلامية متطرفة، تمارس أعمالاً وحشية، ويمتد إرهابها إلى مجتمعات أوروبية. جاءت هذه المرة لكي تركز في شكل أشمل على دوافع هذه المنظمات المتطرفة، ولكي تكتشف أن دوافعها لم تكن كما كان يظن اقتصادية واجتماعية، وإنما الأساس هو دافع أيديولوجي وفكري وفهم منحرف للإسلام وتعاليمه. ومن هنا جاءت الدعوة إلى تجديد أو إصلاح الفكر الديني. كان أبرز الأصوات في هذه الدعوة، هو صوت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي دعا في البداية إلى «ثورة دينية»، ثم دعا المؤسسات والشخصيات الدينية إلى تجديد الفكر الديني وتقديم الجوهر السمح والمعتدل للإسلام وتنقية التراث الديني، ما تستخدمه القوى المتطرفة في خطابها وتجنيدها لأتباعها.
وعلى رغم ضرورة وإلحاح هذه الدعوة، وما تقوم به مؤسسات دينية ووثائق صاغها الأزهر وشخصيات فكرية وثقافية تقدم الجوهر النقي للإسلام، فإن الجدل الذي جرى حول مصير الدعوة إلى تجديد الفكر الديني، أظهر، بتعبير السيد ياسين، أن «الأمر ليس بهذه السهولة»، وأن هناك حاجة إلى منهج ثقافي يقوم على تحليل عميق لظواهر التطرف والإرهاب. ومن جانبه ذهب الكاتب المصري نبيل عبد الفتاح إلى أن المطالبة بتجديد الخطاب الديني لكي لا تصبح دعوة روتينية، يجب أن تستوعب تعقيدات الموضوع وإجراء دراسات وبحوث مستفيضة حول لخطابات الدينية على تعددها.
السيد أمين شلبي
صحيفة الحياة اللندنية