ليومها التاسع على التوالي تخوض القوات العراقية معركة الموصل بعد حشد عشرات الألوف من الجنود، مدعومة بقوات التحالف الدولي وبقوات البشمركة وفصائل الحشد الشعبي، بينما يقدر عدد مقاتلي تنظيم داعش في المقابل بما بين 4000 و8000، ويعتقد أنهم قاموا بتلغيم المدينة بالمتفجرات والألغام، كما ملؤوا خنادق بالنفط تمهيدا لإشعال النار فيها، وحفروا العديد من الأنفاق والخنادق لمواجهة الهجوم. وأظهرت الساعات الأولى بداية ناجحة للمعارك مع تحقيق تقدّم سريع للقوات المشاركة في العملية على محاور مختلفة.
وبدأ الهجوم الجوي بأكثر من 80 غارة جوية نفذتها مقاتلات متعددة الجنسيات أميركية وفرنسية وعراقية، تلتها عمليات قصف مدفعي للتحالف الدولي والجيش العراقي وصاروخي للبشمركة استمر ساعة ونصف قبل أن تتقدّم القوات المشتركة من سبعة محاور في وقت واحد، وهي: محور الخازر وجبل زردك شرق الموصل (البشمركة)، محور مخمور جنوب شرق الموصل (البشمركة والجيش العراقي)، محور القيارة جنوب الموصل (الجيش العراقي ومليشيات الحشد والشرطة الاتحادية)، محور تل سقف شمال الموصل (البشمركة ووحدات من المتطوعين المسيحيين)، محور آسكي وانه شمال غرب الموصل (الجيش العراقي والبشمركة)، محور سد الموصل شمال غرب الموصل (الجيش العراقي والبشمركة)، ومحور بعشيقة شمال شرق الموصل (البشمركة والعشائر العربية). وبهذا الهجوم الجوي، فإن القوات البرية لم تواجه صعوبة كبيرة في استعادة السيطرة على عدد كبير من القرى ونحو 40 كيلومتراً من الأراضي الزراعية المحيطة بالموصل (في المحاور السبعة) وهو ما سمح لها بأن تقترب إلى مسافة تُقدّر بنحو تسعة كيلومترات من أسوار المدينة.
وأصبحت خارطة المعارك مع انتهاء اليوم الأول على الشكل التالي: استعادة تسع قرى من سيطرة “داعش” في محور الخازر شرق الموصل. وقدّر قائد وحدات 70 في قوات البشمركة جعفر مصطفى المساحة التي تمت استعادتها في محور الخازر بأربعين كيلومتراً مربعاً، ووصلت القوات إلى قرب منطقة برطلة الواقعة على بُعد 25 كيلومتراً شرق الموصل.
أما في محور مخمور جنوب شرق الموصل، فتمت استعادة ست قرى من سيطرة “داعش”، وهي ابراهيم الخليل، العدلة، كان حرامي، عباس رجب، الجديدة، ووصلت قوات الفرقة التاسعة في الجيش العراقي والبشمركة إلى قرب قرية بلاوات التي تبعد 37 كيلومتراً عن الموصل. أما في محاور شمال وشمال غرب الموصل، فتم قصف مواقع “داعش” جواً بواسطة الطيران وبالمدفعية، لكن لم تكن هناك هجمات برية. وفي المقابل قام مسلحو “داعش” بإشعال النيران في عدد من آبار النفط الموجودة شرق مدينة الموصل، فضلاً عن إشعال أخاديد من النفط الخام قاموا بتحضيرها مسبقاً. كما كثّف التنظيم من العمليات الانتحارية في محاور القتال في ورقة توضح عجزه عن القتال في المناطق المفتوحة ومواجهة القصف الجوي المكثف.
وبعد أيام قليلة من انطلاق المعركة، قال حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي إن العمليات العسكرية ضد داعش تجري بشكل أسرع مما هو متوقع، فيما أعلنت قيادة البيشمركة (قوات الإقليم الكردي المسلحة) شن عملية واسعة النطاق شمال وشمال شرق الموصل؛ وأعلنت عن استعادة 12 قرية في 3 محاور شمالي مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، وأصبحت على مسافة 12 كم شمالي المدينة.
وقالت قيادة عمليات تحرير نينوى إنه تمت استعادة قرية الخالدية وعين مرمية وطوقت قرية الصلاحية في المحور الجنوبي في الجانب الشرقي لنهر دجلة. وتمكنت قوات الرد السريع التابعة للشرطة الاتحادية من الوصول إلى تقاطع ناحية الشورى من القاطع الجنوبي للموصل وفرضت سيطرتها عليه؛ كما أعلن الجيش العراقي، الجمعة، استعادة بلدة برطلة المسيحية شرق الموصل. وقد أعلنت عن تحرير 78 قرية وقتل ما يصل إلى 800 مسلح من تنظيم “داعش” الإرهابي بعد مرور أسبوع على انطلاق العملية. وفي المناطق التي تحررها القوات العراقية من أيدي “داعش”، يتم الكشف عن الدمار الذي تركه الإرهابيون على هذه الأراضي ذات التاريخ العريق. وفي ناحية برطلة شرق الموصل، سجلت الكاميرات دمارا واسع النطاق لحق بكنيسة مارت شموني للسريان الأرثوذكس. ومع اقتراب القوات المتحالفة من الموصل، شن تنظيم داعش هجمات مفاجئة في أجزاء أخرى من البلاد. وكان الهجوم الأعنف قد استهدف منذ يومين، قضاء الرطبة في محافظة الأنبار على بعد مئات الكيلومترات من مدينة الموصل.قبل أن تُعلن القوات العراقية أن قيادة عمليات الأنبار استعادت السيطرة بالكامل على قضاء الرطبة غربي البلاد، ومطاردة ما تبقى من عناصر تنظيم داعش في المنطقة وذلك بعد معارك عنيفة مع مسلحي التنظيم.
وبهذه التقدم العسكري الملحوظ للقوات العراقية بجبهات القتال في معركة الموصل ضد تنظيم داعش وتأكيد البنتاغون بالتزامن مع دخول معركة الموصل يومها التاسع تحرير قرابة 800 كيلومتر مربع من “داعش” في محيط الموصل. فإنه وبحسب المعلومات الخاصة التي حصل عليها مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية والتي تفيد بأنه في غضون عشرة |لى خمسة عشر يوماً سوف تحرر القوات العراقية أجزاء كبيرة من الساحل الأيسر في المدينة الموصل من قبضة تنظيم داعش وسيتم رفع العلم العراق عليها، ومن ثم سينتقل داعش بمعداته العسكرية ومقاتليه إلى الساحل الأيمن بالموصل بعد أن يقوم بتفخيخ الجسور والطرقات الرئيسة في الساحل الأيسر من مدينة الموصل. وهذا يدلل على حالة التقهقر العسكري الذي مُنى بها تنظيم داعش جراء الهجمات المتعددة الأشكال من قبل القوات العراقية والتحالف الدولي. وبذلك قد يشكل الانتقال الى الساحل الأيمن من الموصل ملاذاً مهماً لقيادات تنظيم داعش كون ذلك الساحل يتميز بالأزقة القديمة والممرات الضيقة. فالتنظيم يهدف إلى إطالة أمد المعركة الموصل قدر المستطاع، وإن تحقق ذلك، إلا أنه في حُكم المنتهي باعتبار وجوده “المؤقت” مثّل صفحة قاتمة في تاريخ العراق المعاصر.
وحدة الدراسات العراقية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية