وقاحة السفير الإسرائيلي في مجلس الأمن جعلته يسأل اعضاء المجلس الذين صوتوا على قرار المجلس يإنهاء الاستيطان: «هل يتجرأ مجلس الأمن على منع الفرنسيين ان يبنوا منازل في باريس أو الروس من البناء في موسكو أو الصينيين من البناء في بيجينغ أو الأميركيين من البناء في واشنطن أو البريطانيين من البناء في لندن؟». أقوال تؤكد قصر نظر وسوء تقدير السياسة الإسرائيلية.
أهمية قرار منع الاستيطان وإن لن ينفذ تكمن بامتناع الولايات المتحدة عن استخدام حق الفيتو للمرة الأولى منذ سنوات. وقالت الممثلة الأميركية في الأمم المتحدة سامنتا باور ان امتناع ادارة الرئيس باراك اوباما عن استخدام هذا الفيتو مرتبط بالتزامها امن إسرائيل وحل الدولتين الفلسطينية الى جانب إسرائيل. وشرحت ان عدد المستوطنين في ١٥٠ مستوطنة شرق خط 1967 زاد في شكل كبير، ومنذ اتفاق اوسلو بلغت الزيادة ٣٥٥ ألف مستوطن، وإن عددهم أصبح أكثر من نصف مليون في الضفة وشرق القدس. وقالت باور ان إسرائيل منذ تموز (يوليو) سمحت ببناء أكثر من ٢٥٠٠ وحدة سكنية وإن الولايات المتحدة لن تسمح بالمزيد من ضم اراض من أجل بناء المستوطنات لأن ذلك يعيق بناء الثقة من اجل حل الدولتين.
موقف أوباما الذي جاء متاخراً، لكنه افضل من ان لا يكون سيبقى رمزاً يؤكد للأميركيين وللعالم ان ما تقوم به إسرائيل من استيطان واحتلال وضم أراض غير شرعي، وأيضاً يتنافى مع اي حل لدولتين. وأهمية هذا الموقف الأميركي على رغم تأخره انه يؤكد الإساءة التي طالما وجهها الدعم الأميركي الأعمى لما تقوم به إسرائيل من خرق للشرعية الدولية. وهو موقف أميركي رسمي يسبق تسلم الرئيس دونالد ترامب الذي قال ان كل شيء سيتغير بعد ان يتسلم الرئاسة. وامتناع اوباما هذه المرة يسجل حقيقة، حتى لو تراجع ترامب عنها، فهي مدونة في مجلس الأمن كواقع اعترفت به الولايات المتحدة من ان إسرائيل بنشاطها الاستيطاني تهدد أي حل لدولتين تم القبول به من الولايات المتحدة. وهذا رمز مهم على رغم انه لن يغير الأمور على الأرض. فمن الواضح ان إسرائيل لن تقبل يوماً بدولة فلسطينية على حدودها.
واستمرار سياسة إسرائيل إزاء الفلسطينيين سيعني انها ستبقى دولة واحدة ولكنها لن تستطيع مهما حاصرت وعزلت وضمت وأعاقت وأفقرت الأراضي الفلسطينية ان تعيش في أمن، ولا ان تبقى دولة يهودية ولا دولة ديموقراطية مع القمع المستمر، فالفلسطينيون سيصبحون غالبية في إسرائيل في المدى الطويل وإسرائيل على رغم كل ما تبنيه من مستوطنات لن تعيش في أمن في مثل هذه الظروف المزرية للشعب العربي الفلسطيني الذي تذله وتعامله بالعنصرية.
وإن كان ترامب وغيره في أميركا والعالم يؤيدون ما يقوم به نتانياهو في الأراضي الفلسطينية فلن يغير ذلك من مصير ومستقبل دولة يهودية تهدد نفسها بسياسة عمياء عن مستقبلها، فعاجلاً او آجلاً هي الخاسرة مهما كانت قوتها وضعف الفلسطينيين ومأسوية ظروفهم.
عماء نتانياهو وفريقه سيؤدي الى المزيد من الخطورة على أمن إسرائيل. اما ترامب الذي ضغط على الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لسحب القرار الذي بدأت مصر بطرحه في مجلس الأمن، فسيدرك بسرعة كما أسلافه وبعض حلفائه ان التعامل مع نتانياهو لا يجلب الا المشاكل والتعقيدات للإدارات الغربية.
ولكن، على رغم ذلك، ستبقى الولايات المتحدة الحليفة الأولى لإسرائيل لأن غالبية الكونغرس نواب يحملون الجنسية المزدوجة الأميركية والإسرائيلية. فان لم يعِ هذا الكونغرس يوماً مثل وعي أوباما المفاجئ بالامتناع عن التصويت، سيبقى حل المشكلة الفلسطينية حبراً على ورق حتى تتغير ديموغرافية إسرائيل.
رندة تقي الدين
صحيفة الحياة اللندنية