لفت تقرير دولي النظر مجدّدا إلى الجرائم التي ترتكبها الميليشيات الشيعية في العراق بحق المدنيين، تحت غطاء مشاركتها في الحرب الدائرة بالبلد ضد تنظيم داعش، مستخدمة ما تمتلكه من ترسانة ضخمة من السلاح متعدّد المصادر، ومستفيدة من الغطاء السياسي والقانوني الذي توفّره لها قيادة الدولة ومؤسّساتها الرسمية.
ودعت منظمة العفو الدولية في تقرير نشر، الخميس، الدول التي تزود العراق بالسلاح إلى فرض ضوابط أكثر صرامة على عمليات نقل الأسلحة وتخزينها ونشرها بالبلد، وذلك منعا لوصولها إلى أيدي ميليشيات الحشد الشعبي التي ترتكب بواسطتها جرائم حرب.
وبالقياس إلى الواقع القائم على الأرض تبدو هذه الدعوة نظرية ومتأخرة إلى أبعد حدّ بعد أن بلغت الميليشيات في العراق درجة من التغوّل تسمح بمقارنتها بجيش مواز يستحيل نزع سلاحه وسدّ قنوات تزوده بالمزيد من عدّة طرق بما في ذلك عن طريق الدولة العراقية ذاتها، باعتبار تلك التشكيلات الطائفية المسلّحة منضوية ضمن الحشد الشعبي الذي تم إيجاد تكييف قانوني لجعله مؤسسة رسمية.
وتجلّى، الخميس، الغطاء السياسي للميليشيات في ردّ لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان العراقي على التقرير المذكور، بأنّ ما تضمنه مجرّد تهم أطلقت جزافا، وأنّ “تسليح الحشد هو جزء من صفقات تسليح الأجهزة الأمنية والعسكرية بصفته مؤسسة رسمية ترتبط بالقائد العام للقوات المسلحة”.
وقال عضو اللجنة النائب عباس البياتي في حديث لموقع السومرية الإخباري، إن “التقرير يفتقد إلى الموضوعية والصواب.. ويصب في مصلحة تنظيم داعش وإطالة أمد المعركة ضد الإرهاب ويبرر للإرهابيين جرائمهم”.
وذكّر البياتي أن “الحشد الشعبي مؤسسة رسمية وليست ميليشيا وله قانون صوّت عليه مجلس النواب، ويرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة كجهاز عسكري رسمي”، وأن “تسليحه هو جزء من تسليح المؤسسة العسكرية والأمنية، ضمن صفقات التسليح التي تقوم بها الحكومة مع أغلب دول العالم”.
متاجرة بمأساة النازحين
القيارة (العراق) – كشف نائب بالبرلمان العراقي عن وجود عملية تربّح من الأموال المخصّصة لمساعدة النازحين الفارّين من الحرب على تنظيم داعش في مناطقهم بمحافظة نينوى في شمال العراق، مؤكّدا أنّ جهات تعمل على عرقلة عودة النازحين إلى مناطقهم المستعادة من التنظيم، لإدامة الاستفادة من وجودهم هناك.
وأكّد النائب عن محافظة نينوى أحمد الجبوري، الخميس، وجود فساد مالي في مخيمي الخازر وحسن شاهي بالمحافظة المذكورة، مبيّنا أن وجود النازحين في هذين المخيمين قسري ومفروض من جهات مستفيدة من وجودهم هناك، مطالبا وزارة الهجرة والمهجرين بالتحقيق في هذا الموضوع.
ونقل الجبوري عن أفراد من العوائل المقيمة بالمخيمين قولهم، إنّ المشرفين عليهما “لا يسمحون لنا بالمغادرة والذهاب إلى مناطقنا المحررة”. وشرح ذات النائب أنّ المشرفين على المخيمات يتقاضون من حكومة بغداد 11 دولارا عن كل نازح مقابل توفير وجبات غذائية ومواد تدفئة وأدوية، وهو ما لا يتم توفيره بالفعل.
وقالت المنظمة المذكورة في تقريرها “قامت الميليشيات شبه العسكرية، التي تضم أغلبية شيعية، وتعمل تحت مظلة الحشد الشعبي، بعمليات إعدام خارج نطاق القضاء، وتعذيب واختطاف الآلاف من الرجال والفتيان، وارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان وللقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك جرائم حرب، دونما أدنى خشية من العقاب”.
وأضاف التقرير، الذي حمل عنوان “غض الطرف عن تسليح ميليشيات الحشد الشعبي”، أن هذه الميليشيات لديها أسلحة مصنعة في 16 بلدا على الأقل “بما فيها أسلحة خفيفة وصواريخ وأنظمة مدفعية ومركبات مصفحة صينية وأوروبية وعراقية وإيرانية وروسية وأميركية”.
وشدّد على أن “الدولة المزودة والسلطات العراقية في حاجة ماسة إلى تطبيق ضوابط أكثر صرامة على عمليات نقل الأسلحة وتخزينها ونشرها للحيلولة دون وصولها للجماعات المسلحة، ومنع وقوع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”.
وكمثال على جرائم الحشد أعدمت الميليشيات الناشطة ضمنه منذ يونيو 2014 خارج نطاق القضاء، وعذبت واختطفت الآلاف من الرجال والصبيان الذين تم اعتقالهم من بيوتهم أو أماكن عملهم أو من مخيمات النازحين أو لدى مرورهم بحواجز التفتيش، ولا تزال أعداد منهم في عداد المفقودين.
وباتت الدولة العراقية بحكم المتورّطة مع الميليشيات في جرائمها، حيث زودت مؤسساتها أو مولت عمليات تزويد الحشد الشعبي بالأسلحة.
وقال التقرير إن بعض أعضاء الميليشيات يقومون أيضا بشراء الأسلحة بصورة فردية من الشركات الخاصة، السرية بصورة رئيسية، بما في ذلك عن طريق شبكة الإنترنت. كما أن هذه الميليشيات تحصل على قسط من أسلحتها وذخائرها مباشرة من إيران، إما على شكل هبات وإما في صيغة مشتريات.
وشدّدت المنظمة على ضرورة أن تتخذ السلطات على الفور “تدابير فعالة للقيادة والسيطرة على الميليشيات شبه العسكرية من جانب القوات المسلحة العراقية، وأن تقر آليات للإشراف والمساءلة الفعّالين من قبل هيئات مدنية”.
كما أكدت على ضرورة إجراء تحقيقات وافية وشفافة ومستقلة في جميع حالات الإعدام خارج نطاق القضاء وسواها من أشكال القتل غير المشروع والاختطاف والإخفاء القسري والتعذيب وغيره من ضروب الانتهاكات. ودعا التقرير الدول المزودة للعراق بالأسلحة ودول التحالف الدولي الذي يحارب تنظيم داعش إلى مراقبة تسلم المعدات أو المساعدات لضمان أن تستعمل باتساق تام مع أحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
وأضاف أن على الدول المزودة بالأسلحة التأكد من أن مخزون السلاح يخضع لإدارة جيدة وليس عرضة لخطر أن تحول وجهته أو يسرق، وذلك من خلال تشديد الضوابط على كل مرحلة من مراحل عملية نقل الأسلحة بما فيها آليات النقل والتسليم والتخزين.