يبدو الشرق الأوسط، الذي يعيش مسبقاً حالة من الاضطراب، مهيأ ليشهد المزيد من التحول في العام 20177؛ حيث من المرجح حدوث تغييرات حاسمة في العديد من البلدان في عموم المنطقة.
وحتى مع بلوغ السياسة والصراعات في المنطقة نقاط اشتعال جديدة، فإن وصول الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مرشح لإضافة مكون جديد لخليط قابل للاشتعال أصلاً.
على هذه الخلفية، نعرض فيما يلي دليلاً إرشادياً موجزاً لما حدث في العام 2016، ولما هو متوقع حدوثه في العام 2017، في كل سورية والعراق وإسرائيل وتركيا وإيران.
س: هل تصل الحرب السورية التي مضى عليها ست سنوات أخيراً إلى نهاية؟
على الرغم من إعلان سورية وحليفتها الرئيسية روسيا عن التوصل إلى اتفاقية لوقف إطلاق النار مع المجموعات الثائرة وتركيا في نهاية الأسبوع قبل الماضي، فإن القليلين يريدون التنبؤ بأن الحرب السورية سوف تضع أوزارها في وقت قريب. وعلى الرغم من ذلك، فإن استعادة شرقي حلب الذي كانت تحت سيطرة الثوار، والتي سهلت التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، قد أثبتت أصلاً أنها عامل مغير للعبة. وقد تم في حلب طرد قوات الثوار -بعضها مدعوم من الولايات المتحدة وأخرى مرتبطة بما يدعى “داعش” أو بتنظيم القاعدة- من أكبر معقل حضري لها.
ولم تتضمن اتفاقية وقف إطلاق النار “داعش” ولا مجموعات الثوار المرتبطة بتنظيم القاعدة، كما لم يكن من الواضح ما إذا كانت الاتفاقية ستنفذ، ومدى شمولها وقدرتها على الصمود. لكن الطرف الذي تنسم رائحة الانتصار كان الجيش السوري الموالي للرئيس بشار الأسد -المدعوم منذ أكثر من عام بالضربات الجوية الروسية وبالقوات البرية من إيران وحزب الله والميليشيات الشيعية المساندة له. ويعزز هذا التحالف السيطرة على العمود الفقري الغربي الحساس من سورية، ويقوي في الوقت نفسه النفوذ الروسي في المنطقة، بالإضافة إلى توسيع قوس النفوذ الإيراني.
جاءت هذه تلك المكاسب على حساب الولايات المتحدة التي ما تزال غير قادرة على تحقيق هدفها المتمثل في الإطاحة بالأسد، بعد محاولة فاترة منها -سوية مع حلفائها، تركيا وقطر والسعودية- لدعم الثوار المعادين للنظام، والذين يتعهدون رغم ذلك بالاستمرار في مقاومتهم.
في الأسبوع الماضي، انضمت تركيا إلى المباحثات مع روسيا وإيران، والتي انتهت بالتوصل إلى صفقة وقف إطلاق النار، من دون أن تشارك الولايات المتحدة ولا الأمم المتحدة في الجلوس على طاولة المباحثات. وفي الأسبوع الذي سبقه، كان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قد قال أن العملية السلمية الراكدة التي دعمتها الولايات المتحدة والأمم المتحدة أصبحت “عملية غير مثمرة”.
في العام 2017، يمكن للمرء توقع توقع أن تحافظ هذه الأطراف الثلاثة على وجود يستهدف الحد من نفوذ الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط، بينما يحاولون توسيع نفوذها الخاص.
وقال وزير الدفاع الروسي، سيغي شويغو، بعد مباحثات 20 كانون الأول (ديسمبر): “كل المحاولات السابقة من جهة الولايات المتحدة وشركائها للاتفاق على إجراءات منسقة باءت بالفشل. لا أحد منهم أظهر نفوذاً فعلياً في الوضع على الأرض”.
س: إلى أي مدى أحرز العراق تقدماً في قتاله ضد “داعش”؟
بالنسبة للحكومة في بغداد، من المرجح أن يتحدد العام 2017 بكونه عام إلحاق الهزيمة بتنظيم “داعش” الموصل، وهي آخر معقل حضري للجهاديين السنة في العراق، على أن يتبع ذلك جهد للتغلب على الانقسامات الطائفية بين الشيعة والسنة والأكراد مع ذاهب العدو المشترك.
وكان الجيش العراقي قد شن هجومه المعاكس على الموصل في منتصف تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، مدعوماً بضربات جوية أميركية. وتعاملت القوات البرية الكردية مع القرى المحاصرة، بينما تقدمت المليشيات الشيعية التي كانت قد تلقت تدريباً ودعماً من إيران في الجناح الشرقي، في جهد لقطع الطريق على قوات “داعش” التي تحاول الانسحاب إلى داخل سورية.
وقد رد الجهاديون السنة بشن المئات من الهجمات بالسيارات المفخخة والعمليات الانتحارية وتكتيكات الكمائن المميتة في الشريط الحضري الضيق المتمدد في ثاني كبريات المدن العراقية. لكن القليلين يشكون في أن “داعش” سوف يطرد من المدينة، كما كان حاله في سلسلة من المدن العراقية الأخرى.
على الرغم من المعركة المطولة من أجل استعادة الموصل، فإن عالم ما بعد “داعش” هو الذي قد يعرض معظم التحديات لحكم رئيس الوزراء حيدر العبادي. وكان العبادي قد عنون كل هجوم معاكس ضد “داعش” بعبارات الوحدة الوطنية، ووعد بجلب “مستقبل جديد” لكل العراقيين.
لكن محللين يقولون، مع بداية السنة الجديدة، إن القليل من الدروس قد استقيت من عقود من النزاع الطائفي.
وقال محلل الشؤون الأمنية في بغداد، هشام الهاشمي، لهذه الصحيفة: “إنهم لا يستمعون إلى بعضهم بعضا. سوف ترتفع حدة خيبة الأمل السنية، وسترتفع حدة الشعور الشيعي بدور الضحية. وكلاهما مستعدان للعودة إلى الصراع”.
س: ماذا الذي سيعنيه التغيير في البيت الأبيض بالنسبة لإسرائيل؟
شهد فريق الرئيس باراك أوباما واحدة من أسوأ العلاقات العلنية مع إسرائيل، الحليف الوثيق للولايات المتحدة. ومن المعروف أن الرئيس الأميركي لم يكن على وفاق مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي كان قد أعلن عن تأييده لمنافسه الجمهوري في العام 2012، ثم سعى لاحقاً بكل طريقة ممكنة -حتى من على المنبر في جلسة مشتركة للكونغرس الأميركي- إلى منع إبرام الصفقة النووية مع إيران.
وكان قد تم احترام دعوة أوباما قبل أعوام لوقف بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطنية باعتبارها تشكل عائقاً أمام السلام، لفترة وجيزة من الوقت فقط، كما استسلم وزير الخارجية جون كيري في النهاية وتخلى عن مهمة شخصية هدفت إلى التوصل إلى حل للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، على أساس حل الدولتين.
ووصل التوتر والحنق في العلاقة ذروتهما في تصويت تاريخي لمجلس الأمن الدولي يوم 23 كانون الأول (ديسمبر)، والذي امتنعت خلاله الولايات المتحدة عن التصويت واستخدام حق النقض “الفيتو” ضد قرار يدين المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. واستدعى الإجراء إدانات غاضبة في إسرائيل، والتي ذهبت إلى حد اتهام الولايات المتحدة “بالخيانة”، بالإضافة إلى تعهدات بالاستمرار في مشروعات إنشاء المستوطنات.
كل هذا تم بعد الإقرار على نطاق واسع بأن أوباما كان الرئيس الأكثر وداً تجاههه إسرائيل -فيما يتعلق بصفقات الأسلحة وتقاسم المعلومات الاستخبارية- مقارنة بأي رئيس أميركي سابق.
ومن جهته، يعد ترامب، الذي ضغط من أجل أن تستخدم الولايات المتحدة حق النقض ضد القرار، بعلاقات أكثر دفئاً مع إسرائيل على الأقل. وكان السيد نتنياهو بين أوائل الذين هنأوا الرئيس المنتخب. ويبدوان أن الرجلين يتفقان في الرأي على ضرورة تعديل الصفقة النووية الإيرانية، كما صرح ترامب بأنه سينقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وهو ما رفض الرؤساء الأميركيون المتعاقبون فعله في السابق على مدى عقود.
وكان الجدل قد ثار أصلاً على تسمية ترامب لسفير الولايات المتحدة الجديد لدى إسرائيل، محامي قضايا الإفلاس ديفيد فريدمان، الذي كان قد أعرب عن وجهات نظر تنسجم مع رؤية أقصى اليمين الإسرائيلي. وهو يعلن دعمه لبناء المستوطنات، وكان قد قال إن ضم إسرائيل للضفة الغربية لن يكون غير شرعي، وشبه اليهود الليبراليين في أميركا بالسجناء اليهود الذين ساعدوا في إدارة معسكرات الاعتقال النازية وعملوا ضد أبناء دينهم إبان الهولوكوست.
وفي بيان له، قال فريق ترامب الانتقالي إن تعيين فريدمان من شأنه “أن يزيد من تعزيز العلاقات الأميركية-الإسرائيلية”، وأن يضمن “تعاوناً استراتيجياً وتكنولوجياً وعسكرياً واستخباراتياً استثنائياً” بين البلدين.
س: هل سيتحسن الأمن في تركيا؟
سوف تتذكر تركيا العام 2016 كعام حلقت فيه الهجمات العنيفة ضد المدنيين وقوات الأمن على حد سواء، وشهد في أيامه الأخيرة اغتيال السفير الروسي على يد ضابط شرطة تركي. وقد قاتل المتشددون الأكراد و”داعش” الدولة التركية عبر استهداف كل شيء، بدءاً من مطار أتاتورك في اسطنبول، إلى شرطة مكافحة الشغب التي كانت توفر الحراسة لمباراة كرة قدم.
وسوف يتم تذكر هذا العام أيضاً بمحاولة الانقلاب الفاشلة في منتصف تموز (يوليو) الماضي، والتي استهدفت الإطاحة بالرئيس رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم. وكان رد أردوغان سريعاً، حي شن حملات اعتقال لأكثر من 140.000 ضابط في الجيش والشرطة والمعلمين والموظفين المدنيين، المتهمين بوجود روابط مزعومة لهم مع رجل الدين المعارض، فتح الله غولن، الذي اتهمه أردوغان بالوقوف وراء محاولة الانقلاب.
ساعد منفى السيد غولن في الولايات المتحدة -وفشل واشنطن في الوفاء بمطلب تركيا لتسليمه- في صعود كبير للمشاعر المعادية لأميركا، حتى أن هذا كاتب هذا التقرير اتهم في الصحافة بأنه جزء من فريق للمخابرات المركزية الأميركية التي هندست الانقلاب.
لكن التطور ساعد السيد أردوغان وحزب العدالة والتنمية في تعزيز قوتهما من خلال التلويح براية الوحدة الوطنية، وجلب حزباً رئيسياً معارضاً إلى دعم حلم أردوغان بإقامة رئاسة تنفيذية لا يمكن اغتيالها.
في العام 2017، يمكن توقع أن تستمر الليرة التركية في التراجع، وأن تستمر الهجمات العنيفة في ضرب تركيا، بينما يستمر استعار الحرب السورية -وتواجد متصاعد لمليوني لاجئ سوري على التراب التركي- وبينما يقترب مشروع أردوغان السياسي من الإثمار.
س: أي تغييرات ستشهد إيران، والتي ستؤثر على السياسة والصفقة النووية؟
كان إنجاز السياسة الخارجية المشهود لإدارة أوباما هو الصفقة النووية الإيرانية التي تم الاتفاق عليها في تموز (يوليو) من العام ،2015 والتي تحد من برنامج إيران النووي في مقابل تخفيف العقوبات.
وكان منتقدون من كلا الجانبين قد هاجموا الصفقة، كما وصفها ترامب بأنها “كارثية”، لكن من غير الواضح ما إذا كان سيستطيع، كرئيس في العام 2017، تفكيك الصفقة التي يقر حتى المنتقدون بأنها تؤتي أكلها على نطاق واسع، مع وجود الكثير جداً من البنود العاجلة الأخرى المدرجة على أجندة ترامب.
في داخل إيران في العام 2017، سوف تلعب الصفقة النووية دوراً غير مباشر في السياسة أيضاً؛ حيث سيخوض الرئيس حسن روحاني -المهندس الرئيسي للاتفاقية مع ست قوى عالمية رئيسية- الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقبلة. وسوف يركز المحافظون المتشددون الضوء على النزر اليسير الذي كسبته إيران من الفائدة الاقتصادية، وسوف يشيرون إلى أن الكونغرس الأميركي صوت بالإجماع مؤخراً لصالح تمديد العقوبات غير النووية على إيران لمدة عقد، مما يضيف ذخيرة إلى وجهة نظرهم التي تقول بأنه لا يمكن منح الثقة لـ”الشيطان الأكبر”.
وفي الأثناء، من المرجح أن يستفيد السيد روحاني في صناديق الاقتراع مرة أخرى بفضل أجندته التي تحققت جزئياً فقط، كما يقول مؤيدوه- لتخفيف القيود الاجتماعية والاستمرار في الوصول إلى الغرب. وثمة شيء رئيسي آخر: أن المتشددين لم يقدموا بديلاً قابلاً للحياة حتى الآن.
سكوت بيترسون
صحيفة الغد