قبيل تركه منصبه، شاء الرئيس الأميركي باراك أوباما ألا يغادر البيت الأبيض من دون أن يصفي حساباته مع كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فالأول تحداه حين بدأ ولايته الأولى بمبادرة للتوصل إلى تسوية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي على أساس من حل الدولتين، ووقف بناء المستوطنات الإسرائيلية. ولم يكتفِ برفضه العنيف للمبادرة، بل عبَّأ أيضاً الكونغرس الأميركي ضده وخاطَبه من وراء ظهره. مبادرة أوباما، عمل عليها وزيرا الخارجية في عهده، هيلاري كلينتون وجون كيري، فلم يفلحا في مجرد التوصل إلى إطار تُستأنف على أساسه المفاوضات، بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بسبب استمرار نتانياهو في بناء المستوطنات، ما اعتبره أوباما إهانة طاولته شخصياً.
وجاءت اللحظة لكي يرد أوباما على هذا التحدي، عبر امتناع أميركا عن التصويت في مجلس الأمن يوم 23 كانون الأول (ديسمبر) الماضي على مشروع قرار يطالب إسرائيل بوقف بناء المستوطنات ويعتبر أنه يحبط حل الدولتين. جاء هذا الموقف مغايراً لسجل طويل من تصويت الولايات المتحدة ضد قرارات تدين إسرائيل. لم تكتف واشنطن بالامتناع عن التصويت على القرار الأخير، إذ طلب وزير الخارجية الأميركي جون كيري من مندوبة بلاده في مجلس الأمن الضغط على الدول الأعضاء وغير الدائمين في مجلس الأمن لتبني مشروع القرار الذي سحبته مصر ونجح في إقناع أربع دول لتبني مشروع القرار، وبذلك أتاح الفرصة لصدور القرار بما يشبه الإجماع.
وبعد أيام من صدور القرار خصص جون كيري خطاباً طويلاً حول سياسة واشنطن تجاه عملية السلام، ركز فيه على قضية المستوطنات ووصف فيه حكومة نتانياهو بأنها الأكثر يمينية ودعماً للاستيطان الذي يدمر حل الدولتين، وذكّر نتانياهو بأنه كثيراً ما نصحه بوقف الاستيطان وأن استمراره سيؤدي إلى تحرك في مجلس الأمن، بل وصف نتانياهو بأنه يتصرف على عكس ما يتكلم. وذهب كيري إلى تبني المبادرة العربية وجعلها أحد مبادئ تسوية الصراع. أما فلاديمير بوتين فتذكر أوباما كيف أنه تعاون معه في الأزمة السورية، وابتلع التدخل العسكري الروسي في سورية، ونسق معه على المستويين العسكري والسياسي، وانخرط وزير خارجيته مع وزير الخارجية الروسي في جهود ديبلوماسية طويلة قدم خلالها أوباما تنازلات حين قبل استمرار الرئيس السوري خلال المرحلة الانتقالية، وبعد أن كان يطالب برحيله.
وبسبب هذا التعاون وتصاعد العنف في سورية، تعرض أوباما لانتقادات عنيفة في الداخل الأميركي واتهم بالضعف والتردد وأنه وراء عدم تحقيق المقاومة السورية أهدافها وأنه سلّم سورية لبوتين. بهذه الخلفية اعتبر أوباما أن بوتين يريد فرض تسوية بشروط روسية وبعد أن أوقف المحادثات وكان قراره تزويد المقاومة السورية المعتدلة بالأسلحة المتقدمة، الأمر الذي اعتبرته موسكو «عدائياً» وأنه سيعرض قواتها في سورية للخطر. وقد أكمل أوباما رده على بوتين بقراره طرد 35 ديبلوماسياً روسياً، معتبراً أنهم يعملون ضد الأمن الأميركي، كما فرض عقوبات.
بهذ المستوى الذي أوصل إليه أوباما العلاقات الروسية- الأميركية، والذي قيل أنه قصد به أيضاً تعقيد الوضع أمام ترامب، يصبح السؤال عما إذا كان ترامب، مع انفتاحه على روسيا، سيتمكن من تجاوز هذا المستوى من العلاقات وتصحيحه، أم إن الخلافات الكامنة في علاقات القوتين، فضلاً عن خصوم روسيا التقليديين في واشنطن، ستضع قيوداً على هذا الانفتاح؟
السيد أمين شلبي
صحيفة الحياة اللندنية