بيروت – استقبل مصرف الإسكان الذي يموله المصرف المركزي العام الجديد بقرار خفض الفائدة من 5 إلى 3 بالمئة على كل القروض السكنية الجديدة، اعتبارا مطلع عام عام 2017.
ويعاني سوق الوحدات السكنية في لبنان من ركود كبير منذ عدة سنوات بسبب تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وشروط مصرف الإسكان، التي تفرض تأمين ربع قيمة الوحدة السكنية مباشرة، وهو ما يعجز عنه معظم محدودي الدخل.
ويرى الخبير الاقتصادي كامل وزنة، الأكاديمي في الجامعة الأميركية أن “أي خفض للفائدة يساعد القطاع العقاري، لكن الأزمة لا تقف عند هذه الحدود، لأن النمو الفعلي للقطاع يتطلب ارتفاع مستوى الدخل، ولذلك فإن خفض الفائدة مهما كان كبيرا لن يؤدي بالضرورة إلى ارتفاع المبيعات.
وأضاف لـ“العرب” أن إيجابيات القرار يمكن أن “تصل إلى الطبقة المتوسطة التي يتراوح دخل الفرد فيها بين 3 و7 آلاف دولار، ولكنها لا تصل إلى محدودي الدخل الذين يشكلون نسبة 40 بالمئة من الشعب اللبناني.
وأكد أن صغار موظفي القطاع العام والعمال اليوميين وشريحة كبيرة من موظفي القطاع الخاص، الذين لا يتجاوز دخلهم 1200 دولار كحد أقصى، سيبقون عاجزين عن استيفاء شروط القروض حتى مع خفض الفائدة.
وعبر الخبير الاقتصادي، إيلي يشوعي، عن عدم اقتناعه بسياسة خفض الفائدة لأنها “لا تعالج المشكلة من أساسها، فالقسم الأكبر من الراغبين في شراء مسكن هم من محدودي الدخل.
كامل وزنة: غالبية اللبنانيين عاجزون عن استيفاء شروط القروض حتى مع خفض الفائدة
وقال لـ“العرب” إن “المشكلة تكمن في عدم اهتمام الدولة بنشاط الشركات، التي تعاني من مشكلات كبيرة تتعلق بتوفير الطاقة والاتصالات والمواصلات، إضافة إلى الكلفة العالية للاقتراض وارتفاع تكاليف الإنتاج”.
وأشار وزنة إلى أن “قطاع الشقق الفاخرة التي تتجاوز أسعارها 3 ملايين دولار لا يزال راكدا، ولن يتأثر إطلاقا بهذه الإجراءات، خاصة أن الحد الأقصى لقروض مصرف الإسكان لا يتجاوز 800 مليون ليرة لبنانية (533 ألف دولار).
ويعاني معظم أصحاب الدخل المحدود من صعوبة استيفاء الشروط المطلوبة للحصول على قرض سكني من مصرف الإسكان، وخاصة توفير 25 بالمئة من سعر الوحدة السكنية نقدا.
وأكد وجود مشكلة أخرى تتعلق بحرص الجميع على السكن في المدن، ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار الشقق فيها. وشدد على ضرورة اعتماد سياسة تشجع سكان المدينة على الانتقال إلى الأرياف.
وأوضح أن تلك السياسة تتطلب الشروع في الإنفاق على البنى التحتية من مواصلات وطرق، وتوفير خدمات الطبابة والتعليم وغيرها في تلك المناطق الريفية.
وقال وزنة إن “المصارف اللبنانية لديها فائض سيولة بالليرة اللبنانية، وتستطيع استثماره في تقديم فوائد أقل من المطروحة في السوق حاليا، أو ما يعادل فوائد بنك الإسكان”.
وأضاف أن “سياسة مصرف لبنان تسعى إلى المحافظة على الأسعار ولا تساهم في انخفاضها، وهي في نهاية المطاف تطال فئات محددة، ولا تساهم في حل مشكلة السكن بشكل عام، ولا في دخول الفئات الفقيرة والمهمشة إلى سوق الشقق السكنية في لبنان”.
إيلي يشوعي: سياسة مصرف لبنان المركزي لاتزال تركز على الاستهلاك وتهمل الإنتاج
تضاعفت أسعار الشقق 3 مرات من بداية القرن الحالي في حين تراجعت القدرة الشرائية بنحو 30 بالمئة، وهو ما يتطلب اعتماد الدولة لسياسة إسكان جديدة تتخلى فيها عن التحكم بأسعار السوق، التي تمنع انخفاض الأسعار.
وأكد يشوعي أن السياسة العامة لمصرف لبنان تقوم على محاولة “زيادة الاستهلاك في حين يتم تجاهل الإنتاج وضرورة تحفيزه، وهي تؤدي إلى نتائج عكسية، لأن الإنتاج هو المحفز الأساسي للاستهلاك”.
واستبعد جدوى سياسة خفض الفوائد على القروض السكنية في ظل عدم قدرة اللبنانيين على الحفـاظ على فـرص العمل. وأشار يشوعي إلى أن “العجز التجاري ارتفع من مليار دولار سنويا قبل 10 سنوات ليصل إلى نحو 17 مليار دولار حاليا، وهو ما يؤكد أن سياسة مصرف لبنان لاتزال تركز على الاستهلاك وتهمل الإنتاج، ولن تؤدي إلى حل المشاكل الكبرى المتراكمة ومنها مشكلة السكن”.
وقال إن “القروض التي يقدمها مصرف الإسكان تفترض وجود مستهلك يتمتع بعمل ثابت ومستمر، وهو ما يفتقده قسم كبير من اللبنانيين المعرضين لفقدان عملهم في أي لحظة بسبب تراجع أوضاع الشركات، وميل بعض المؤسسات إلى إقفال فروعها في لبنان ونقلها إلى مكان آخر، بسبب ارتفاع كلفة العمل والإنتاج مقارنة ببلدان أخرى”.
وأشار يشوعي إلى ارتباط سوق الشقق السكنية بالقدرة الشرائية للمواطنين التي ترتبط بدورها بنمو أجور الفئات التي تستهدفها القروض السكنية. وأكد أن “القدرة الشرائية ترتبط بتحسن الأجور، المرتبط بدوره بمدى ربحية الشركات”.
وذكر أن في لبنان أكثر من 700 ألف عامل وأجير يشكلون البنية الأساسية للاقتصاد، ودخل هذه الفئة الواسعة يرتبط بقدرة الشركات على تطوير إنتاجها وزيادة ربحيتها، لكي تنعكس قرارات خفض الفائدة وتتمكن من إيجاد حلول لأزمة السكن.
وقال يشوعي إن القرارات الأخيرة لا تخرج من دائرة تفعيل الاستهلاك، والدليل على ذلك تنامي العجز في الميزان التجاري، والفارق الكبير بين ما يستورده البلد وما يصدره لبنان.
العرب اللندنية