تتجه أنظار السوريين نحو العاصمة الكازاخية أستانة، مترقبين ما سيؤول إليه المؤتمر المقرر أن تستضيفه، يوم 23 يناير، بخصوص الأزمة في بلادهم، لكن رغم أملهم الكبير في أن يشكل المؤتمر خطوة نحو إيجاد حل، فإن تفاؤلهم ضئيل بتحقيق نتائج فعلية في ظل تجارب تفاوضية سابقة بين النظام والمعارضة.
ويرجع السوريون هذه النظرة التشاؤمية إلى عوامل عدة أهمها تمسك النظام السوري بالسلطة، وعدم قبول روسيا وإيران الداعمتين للنظام بأي حل لا يتلاءم مع مصالحهما، فضلا عن غياب التوافق بين فصائل المعارضة، في ظل تلقيها دعما من دول لديها مصالح متضاربة في الملف السوري.
ومؤتمر أستانة يمثل تتويجا لاتفاق وقف إطلاق النار الساري في سوريا، منذ 30 ديسمبر الماضي، بفضل تفاهمات تركية روسية، وبضمان الدولتين.
ويقول الصحافي السوري، محمود الجاموس، في تصريحات إعلامية إن “مفاوضات أستانة تمثل فرصة مهمة في مسار الأزمة السورية، وقد تشكل منعطفا تاريخيا في حال تواجد النوايا لإنهاء الصراع، الذي يوشك على دخول عامه السادس دون أن نرى في النفق السوري أي بارقة أمل حتى الآن لإنهاء معاناة الشعب”.
وإذا كانت الآمال معلقة على أستانة، فإن هناك معطيات تجعل التفاؤل بالحل يبدو ضيقا لأسباب تتعلق بالقوى المتصارعة، فالنظام السوري لا يتخيل نفسه خارج اللعبة السياسية، وقد قال بشار الأسد تعليقا على دعوات لتخليه عن الحكم إنه لو كان ينوي ترك الحكم لما استمر في القتال إلى الآن.
واعتبر فنان الكاريكاتير السوري، موفق فرزات، أن “مفاوضات أستانة تمثل خطوة جيدة”، غير أنه “من الأفضل عدم المبالغة في حجم المتوقع منها، حتى وإن كانت أطراف تلك المفاوضات تبحث عن صيغ مختلفة للحل”.
وبالنسبة لفرزات فإن السؤال الأهم في تلك المفاوضات هو “هل تستطيع المعارضة السورية المكونة من مجموعات متفاوتة في مواقفها أن تجتمع على موقف واحد، خاصة وأن عددا كبيرا من الدول لها مصالح متضاربة في الحرب السورية؟”.
والمعضلة بحسب فرزات تكمن في أن “الفصائل المسلحة متنوعة وغير متفقة مع بعضها البعض، ولا حتى على الفصل بين المجموعات المصنفة إرهابية والمجموعات الأخرى المسلحة، التي ترغب في التسوية السياسية ويجب أولا على أي مجموعة مسلحة توافق على المشاركة في العملية السياسية أن تعلن تخليها عن الاحتكام إلى السلاح”.
ويقول الكاتب والناقد السوري عبدالكريم المقداد “إننا نعيش على أمل وضع حد وبداية لإنهاء هذه الأزمة، التي خلفت الملايين من المهجرين داخل البلد وخارجه، فضلا عن مئات الآلاف من السوريين الذين قضوا نحبهم بلا ذنب”.
ويظيف المقداد أن الأصوات المؤيّدة للمباحثات تعالت، لأنها تمثّل المسار الأوحد لحقن الدماء في سوريا، ومنصّة من شأنها أن تمهّد للتوصّل إلى حلّ سياسي على قاعدة القرارات الدولية المتعلقة بالأزمة.
ورأى المحلّل السياسي المختص في الشأن السوري، عمر الشيخ، أن “المؤتمر يأتي عقب تقارب تركي روسي ظهرت بوادره مباشرة بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا منتصف يوليو الماضي”.
في المقابل لفت الشيخ إلى أن الشعب السوري متطلّع إلى أي فرصة أو حل يحقن الدماء، ما يجعل الآمال المعلّقة على هذا المؤتمر كبيرة، لأن يكون بداية تشكّل حلّ مبدئي للأزمة”.
ومهما كانت أهميتها، تظل هذه المخرجات مرهونة بعوامل داخلية وخارجية، أبرزها موقف الميليشيات الطائفية الإيرانية وأذرعها التي تقاتل على الأرض من هذه النتائج.
كما لا ينبغي إغفال أن قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني والذي كان يشرف مباشرة على المعركة في حلب الشرقية مؤخرا، قام بتعطيل اتفاق الهدنة، ما اضطر الروس إلى التدخل عسكرياً أكثر من مرة لتنفيذ الاتفاق بإخراج المدنيين. لكن سليماني استطاع فرض شروطه ما أثار استياء الروس، وهو ما قد يدفع نحو تصاعد التوتر بين روسيا وإيران مستقبلاً.
وقدّر الشيخ أيضا أن مؤتمر أستانة من شأنه تمهيد الطريق للتوصّل إلى حلّ سياسي على قاعدة القرارات الدولية المتعلقة بسوريا، وصولا إلى مفاوضات جنيف التي قد تشكّل المنصّة الأخيرة للصراع الدامي في سوريا.
وتعقيبا على الجزئية الأخيرة، أشار عمر الشيخ إلى أن التمهيد لحل النزاع يتطلّب المرور بمراحل تبدأ أولاها بوقف إطلاق النار والتهدئة وجلوس الأطراف المتحاربة إلى طاولة المفاوضات لترسيخ الهدنة، ومن ثمة العمل على إزالة أو تحييد جميع عوامل انفجار الوضع من جديد.
خطوة تسبق وضع خطوط عريضة لمبادرة حلّ سياسي، وهذا ما يبدو أن محادثات أستانة ترنو للتوصّل إليه، سيما في ظل عدم فاعلية التدخّل العسكري الروسي المباشر في سوريا منذ أكثر من عام.
ويعتبر المحلل السياسي أن موسكو “تدرك جيدا أن التدخل العسكري لن يحلّ الأزمة، ولن يعيدها إلى الساحة الدولية كقوة عظمى، ولذلك ارتأت أن تبادر -على غير العادة- برعاية طاولة مفاوضات وعملية سياسية مشتركة مع تركيا، لإيجاد حل مؤقت أو دائم لإنهاء القتال في سوريا، وإن كان عبر مراحل”.
ولفت الشيخ الى أن روسيا تطرح نفسها من خلاله، كدولة فاعلة عسكرياً وسياسياً، حيث صرحت أن مؤتمر أستانة مكمل لمؤتمر جنيف أو امتداد له وليس بديلا عنه، وكما صرح بذلك دي ميستورا المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ومع أن عدم دعوة الولايات المتحدة، في البداية، لهذا المؤتمر طرح نقاط استفهام عديدة، إلا أن الخارجية التركية أعلنت في وقت لاحق بأن الدعوة وجهت للولايات المتحدة ما يعد مؤشرا ايجابيا.
صحيفة العرب اللندنية