أصبحت عملة الدولار الأمريكي، أعظم وأقوى من أي وقت مضى. فالعالم يعاني بسببها، والمستثمرون يتدفقون باحثين عنها، ما يعطي لأمريكا الفرصة باقتراض الكثير من المال، بنسبة فائدة ضئيلة للغاية، ما يتغذى عليه المستهلك الأمريكي، فلديهم القدرة على شراء السلع المصدرة بأقل الأسعار. بالتالي، يستغل السياسيون مثل هذه الأمور لإثبات ديناميكية الاقتصاد وقوته الدائمة.
وعلى النقيض، ستجد الدول الأخرى تدفع بقيمة عملتها للأسفل، لتصبح منتجاتهم أكثر تنافسية في السوق الدولية، عكس الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعتبر قوة عملتها هي الأهم على الإطلاق، لتختلف عن العالم كله. من الممكن أن نعتبر ذلك نعمة ونقمة في نفس الوقت.
حيث يتسبب ارتفاع قيمة الدولار، في إيذاء بعض الشركات الأمريكية متعددة الجنسيات، عن طريق انخفاض قيمة مبيعاتها في الخارج. أما فيما يخص بقية العالم، فيكمن خطر ارتفاع قيمة الدولار في الأسواق الناشئة، مثل البرازيل والهند؛ فكلما زادت قيمة الدولار، كلما أصبح سداد السندات أصعب. ومن المحتمل أن يعاد تنسيق هذه السياسات في عهد ترامب.
الموقف
في مقابلة صحفية مع جريدة “وول ستريت جورنال”، عبّر ترامب، قبيل توليه منصب الرئاسة الأمريكية. عن قوة العملة بكونه “دولارًا قويًا”، مُشيرًا الى نيته كسر عقود من الزمان مما يعرف بسياسة الدولار القوي. ارتفع مؤشر الدولار الأمريكي، الذي يقيس قيمة العملة الأمريكية في مقابل ستة عملات مهمة، ليصل إلى 28% مع بداية عام 2014 حتى نهاية عام 2016, بما في ذلك زيادة وصلت إلى 4% بعد فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية، في شهر نوفمبر.
فها قد أصبح الدولار أكثر جاذبية، مع اتجاه أمريكا إلى تطبيق معدلات فوائد أعلى، على الرغم من أنها قد تصل إلى صفر أو بالسلب في بقية العالم، ما زاد من قيمته. فقد ألقت الشركات الأمريكية الكبرى، مثل “أبل” و”جاب”، اللوم على قوة الدولار، بسبب انخفاض أرباحها لعام 2016. ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، إنما تؤثر قوة الدولار على مكانة الين الياباني، فقوة الدولار تعني ضعف قيمة الين، ما يتسبب في إيذاء صناع السيارات الأمريكية، بينما يساعد منافسيها اليابانيين مثل تويوتا، التي تجني الكثير من المال، ببيعها السيارات بعملة الدولار. أما إذا ألقينا نظرة على اليورو، سنجد أن انهيار قيمة العملة يعود على الشركات الأوروبية، التي تعمل في السوق الأمريكية، بنتائج جيدة. بينما تسببت في الإضرار باقتصاد الأسواق الناشئة، بهزيمة عملاتها المحلية، فابتعدت رؤوس أموالها بعيدا عن موطنها، ومن ثم تم تحديد معدلات النمو.
الخلفية
أصبح الاقتصاد الأمريكي، أكبر اقتصاد في العالم في العام 1870، إلا أنه، ومع تصاعد نجمه، ظلت العملة البريطانية، الجنيه الإسترليني، العملة المنتشرة في جميع أنحاء العالم. لكن سرعان ما تغير ذلك تزامنًا مع تأسيس نظام الاحتياطي النقدي في العام 1973، إلى جانب إجبار الحرب العالمية الأولى للشعوب الأخرى على تعليق تحويلاتهم لأموالهم لأصول من الذهب.
بينما ساهمت اتفاقية “بريتون وودز” في تفوق الدولار رسميًا على العالم، في العام 1945، بعدما أصبحت العملة الأمريكية العملة الأساسية المستخدمة في أسعار صرف العملات. انهار هذا النظام في العام 1971، ما لم يمنع صعود قيمة الدولار. وفي العام 1985، انخفضت قيمة الدولار بتوقيع اتفاقية “البلازا” بين أمريكا وأعتى أربع دول اقتصادية في العالم، لفترة قليلة، من أجل التأثير على انتشار السلع اليابانية والحدّ منها. ما لم يدم لفترة طويلة، حيث استمر الدولار بكونه أكثر عملة مستخدمة من قبل الدول، لسداد الديون الدولية. حتى مع ظهور الأزمة المالية لعام 2008، ازدادت شوكة الدولار، بسبب المستثمرين الذين رأو في الدين الأمريكي، ملاذًا آمنًا لهم.
المناقشة
لم يتزعزع ولاء وزارة المالية في عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بقوة الدولار، أما في وقتنا الحالي، تبدو فهذه السياسات كأنها شيء مقدس؛ فقد أصبح من الصعب رفع معدلات الفائدة. فقد أعلن جانيت يللين، في يونيو الماضي، أن ارتفاع قيمة الدولار، تسبب في الإضرار بالصادرات الأمريكية. بينما عبّر ترامب عن رأيه، بخصوص هذا الأمر, فتعد قوة الدولار أفضل من الواقع الحالي؛ هذا وقد عبر وزير المالية، المرشح من قبل ترامب، عن أهمية التركيز على أولوية تعزيز مجال العمل وزيادة معدلات النمو.
لا بد أن يمتنع الشعب الأمريكي عن الاحتفال بقوة عملتهم، وانتظار ما قد تحمله الأيام القادمة من مخاطر، نتيجة عملتهم القوية ظاهريًا.
التقرير