تحديات تواجه استئناف النشاط الاقتصادي الأميركي

تحديات تواجه استئناف النشاط الاقتصادي الأميركي

مع بداية الأسبوع الجاري، وصل عدد الولايات التي يُسمع فيها صوت المقص في صالونات الحلاقة، وتُتابع فيها مباريات كرة القدم الألمانية في البارات، وتُحجز فيها غرف الفنادق، إلى 48 ولاية أميركية، بعد أن بدأت جميعها في الفتح التدريجي للعديد من الأنشطة الاقتصادية، أملاً في استعادة المواطنين مداخيلهم التي توقف أغلبها على إثر “الإغلاق الكبير” اعتباراً من منتصف مارس/آذار الماضي، ليصل عدد المتقدمين للحصول على إعانات البطالة إلى أكثر من 36 مليون مواطن ومقيم.

وحصل ذلك بعد أن ضغط الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الراغب في استعادة الانتعاش الاقتصادي قبل الوصول إلى محطة الانتخابات الرئاسية الحاسمة في نوفمبر/تشرين الثاني، للإسراع بإعادة فتح اقتصاد بلاده، مع تسليمه باحتمال “وقوع ضحايا من جراء الفتح”.
يؤكد العديد من مسؤولي الرعاية الصحية الأميركيين، ومنهم أنتوني فاوتشي، وجود احتمال حدوث موجة أخرى من انتشار كورونا، وهو ما قد يتسبب بإغلاق جديد للاقتصاد، وتأخير أكبر في موعد استعادته حيويته.

وفي نهاية أسبوع شهد صدور العديد من البيانات المحبطة، بدءاً من إضافة ما يقرب من 3 ملايين مواطن جديد لطابور المتعطلين، ثم تراجع مبيعات التجزئة والإنتاج الصناعي والإنفاق الاستهلاكي بأكبر نسبة منذ بداية تسجيلهما، أصدر بنك الاحتياط الفيدرالي تقريره نصف السنوي عن “الاستقرار المالي”، الذي حذر فيه البنوك ومؤسسات الإقراض الأميركية من احتمالات تعرضها لضغوط مالية بسبب ارتفاع المخاطر لديها نتيجة لـ”ارتفاع مديونية الشركات، وتزايد مخاطر عدم السداد، بالإضافة إلى وصول نسب التركز لدى صناديق التحوط إلى مستويات مبالغ فيها”.

ولم يكتف البنك الفيدرالي بتقريره المقلق، حيث أعرب رئيسه جيروم باول في حديث لبرنامج “60 دقيقة” الشهير، تمت إذاعته يوم الأحد، عن توقعه مرور بعض الوقت، ربما يصل إلى 18 شهراً، قبل أن يستعيد الاقتصاد الأميركي قوته من جديد، مؤكداً أن معدل البطالة سيرتفع مرةً أخرى في شهر يونيو/حزيران القادم، قبل أن ينخفض في الشهور التالية.

وأشار باول إلى صعوبة شعور المواطن بـ”الثقة الكاملة” قبل التوصل إلى لقاح لحمايتهم من التعرض للإصابة بالوباء، موضحاً أن “الأنشطة الاقتصادية التي تقوم على التجمعات الكبيرة، مثل السفر والفندقة والترفيه، ستواجه الكثير من التحديات”.

وفي ما بدا أنه إطاحة بآمال ترامب في عودة الانتعاش الاقتصادي قبل الانتخابات، توقع باول ارتفاع نسبة انكماش الاقتصاد الأميركي في الربع الثاني من 2020 إلى معدل سنوي يتجاوز 30%، لكنه استبعد امتداد ذلك ليكون صورة جديدة من الكساد الذي شهدته الولايات المتحدة والعالم في أوائل الثلاثينات من القرن الماضي، مضيفاً أن “هناك فرصة لاستعادة النمو الإيجابي خلال الربع الثالث من العام، لكن العودة إلى مستويات ما قبل الأزمة لن تحدث قبل نهاية العام الحالي”.

ولم يكن البنك الفيدرالي هو صاحب النظرة السلبية الوحيدة للاقتصاد، فقد سبقه الملياردير المعروف وارين بافيت الرئيس التنفيذي لشركة “بيركشاير هاثاواي”، بتأكيده أنه “على الرغم من احتفاظ شركته بسيولة نقدية تتجاوز 137 مليار دولار، إلا أنه لا توجد فرص مشجعة للاستثمار في الشركات الأميركية في الوقت الحالي”، وأنه تخلص من نسب كبيرة من أسهم البنوك الأميركية التي كانت تمتلكها شركته، إضافة إلى تخلصه من كافة ما اشتملت عليه محفظة شركته المالية من أسهم شركات الطيران الأميركية قبل أسابيع قليلة.

وبينما توقع بعض المتفائلين من الاقتصاديين عودة جزء كبير من النشاط الاقتصادي بمجرد فتح الشركات واستعادة جانب الطلب لقوته، أكدت التقديرات الواقعية أن بعض الأنشطة مضى وقتها، ولن يكون ممكناً استعادتها بعد فتح الاقتصاد.

ومن أبرز الأمثلة، حفلات التخرج للآلاف من المدارس والجامعات، كما أن العديد من الأنشطة المرتبطة بها، والتي مثلت تاريخياً نسبة كبيرة من النشاط الاقتصادي في العديد من المدن الصغيرة المعتمد اقتصادها على جامعات كبيرة لديها لا يمكن استرجاعها. وبالتالي فالجائحة قضت عملياً على إيرادات الموسم الحالي، ولا يعلم أحد حتى الآن أية مواسم أخرى ستضيع إيراداتها.

شريف عثمان

العربي الجديد