مع الفوز المفاجئ والملفت للمرشح الجمهوري القادم من قطاع الأعمال والتجارة دونالد ترمب، تدخل الولايات المتحدة الأميركية ومعها العالم مرحلة من التخمينات والتوقعات حول مستقبل السياسة الداخلية للرئيس المنتخب وكذلك السياسة الخارجية.هذه التخمينات تسعى إلى فهم ما إذا كانت الولايات المتحدة ستنقاد في سياساتها إلى مقولات ترمب خلال الحملة الانتخابية أم ستتغلب فيها المؤسسية، بحيث يظهر أن حجم القلق العالمي من ترامب كان مبالغا فيها؟
ففي أثناء فترة الانتخابات، دعا ترامب إلى بناء جدار عازل على حدود الولايات المتحدة مع المكسيك، لمنع وصول أي مهاجر إلى بلاده الولايات المتحدة، ووصف اللاتينيين بأنهم قتلة ومغتصبون.رغم الرفض الشديد لرئيس كوريا الشمالية بالعالم أجمع، إلا أنه نال إعجاب الرئيس الأمريكي الـ45، قائلا: “كم عدد الشباب أمثاله في عمر الخامسة والعشرين أو السادسة والعشرين، الذين تولوا الإشراف على هؤلاء الجنرالات الصارمين، وكل ذلك بشكل مفاجئ.. إن الأمر مدهش عند التفكير فيه”، مبديا رغبته في لقائه والتحدث معه بشأن وقف البرنامج النووى لها. يرى ترامب أن ظاهرة الاحتباس الحرارى ليست أكثر من مجرد “طقس”، ووصف تغير المناخ بأنه خدعة، ويعتقد أن القيود البيئية على الشركات يجعلها أقل قدرة على المنافسة في السوق العالمية.قال إنه في حال فوزه بسباق البيت الأبيض، سيفرض سياسات تتضمن مراقبة المساجد، وتأسيس قاعدة بيانات للمسلمين الذين يعيشون في الولايات المتحدة، وإعادة استخدام أسلوب التعذيب “الإيهام بالغرق” في الحرب الأمريكية مع الإرهاب.كما دعا لفرض برامج مراقبة على دخول اللاجئين السوريين إلى أمريكا وإخضاعهم لبرامج مراقبة، واصفا الرئيس أوباما بأنه “مجنون” للسماح بدخول اللاجئين عامة والسوريين بشكل خاص. قال ترامب في أحد حواراته التليفزيونية: “أعتقد أن الإسلام يكرهنا، وأن هناك كراهية لا تصدق تجاهنا، لذلك علينا أن نكون حذرين ولا نسمح لأشخاص يحملون تلك الكراهية بالدخول إلى بلادنا”، ثم تراجع عن تلك التصريحات بعد الهجوم القوي عليه، قائلا: “أحب المسلمين وأعتقد أنهم رائعون، ولدي الكثير من الأصدقاء المسلمين، ويمكن أن تضم حكومتي مسلمين.قال الفائز بكرسي الحكم في الولايات المتحدة إنه سيجعل دول الخليج العربي تدفع أموالا مقابل تقديم الحماية الأمريكية لها.
وعد بالترحيل الجماعي لنحو 11 مليون مهاجر غير شرعي يعيشون في الولايات المتحدة، في حال فوزه، كما أنها تتسم بالإنسانية في الوقت نفسه، قائلا: إن الإصلاحات في مجال الهجرة سوف تنهي الحصول على المواطنة بحكم المولد.من أجل وضع حد لعمليات القتل الجماعي بالرصاص، قال ترامب إنه ينبغي أن تستثمر الولايات المتحدة في علاج الأمراض النفسية، مضيفا: “ليس من حق الحكومة أن تملي على الناس أنواع الأسلحة النارية الجيدة، ويسمح للشرفاء بامتلاك السلاح”، مبديا نيته أنه سيعارض توسيع التحري عن خلفيات الأشخاص الذين يريدون امتلاك السلاح. كتب تغريدة مثيرة للجدل يقول فيها إن الأمريكيين من أصل إفريقي يقتلون البيض والسود، بمعدلات أعلى بكثير من معدلات قتل البيض أو ضباط الشرطة للسود. في حوراه مع “سي إن إن”، قال ترامب إن العالم سيكون أفضل حالا إذا كان صدام حسين ومعمر القذافي ما زالا في السلطة، إذا يعتقد أن الوضع في كل من ليبيا والعراق أسوأ بكثير، مما كان عليه تحت حكم الحاكمين المستبدين، وأن صدام حسين قام بعمل أفضل لمواجهة الإرهابيين.في كتابه الأخير “أمريكا المريضة”، قال ترامب: “أنا رجل لطيف حقا، صدقوني، وأشعر بالفخر لكوني رجل لطيف، لكني أتوق ومصمم على أن تكون بلدنا دولة عظيمة مرة أخرى”. قدم ترامب اقتراحا هزليا لحل القضية الفلسطينية، حيث دعا الفلسطينيين إلى ترك أرضهم إلى الدولة الإسرائيلية، مقابل أن يمنحهم جزيرة بورتوريكو الأمريكية التي تبلغ مساحتها ألف ميل مربع كتعويض لهم. أعلن أنه سيعمل على إعادة فتح باب التفاوض بخصوص البرنامج النووي الإيراني، وأنه يعتقد أن الاتفاق أعطى لإيران ما لا تستحق وخلال حملته الانتخابية، وصف ترامب الاتفاق النووي بالـ “كارثي” مؤكدا أن إلغاءه سيكون في صدر أولوياته.
وفي سياق هذه التصريحات الصادرة عن ترمب سواء في أثناء فترة الانتخابات الرئاسية أو بعدها نتساءل: هل هذه التصريحات هي بنات أفكاره بمعنى نتاج عقل ترمب أم أن هناك فريق استشاري يساعده في إنضاجها، فإذا كانت هي حقاً بنات أفكاره فسيكون لأول في تاريخ رؤساء تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية رئيساً يشبه إلى حد بعيد رؤساء السلطويين والشموليين في الجماعة الدولية الذيين يتصروفف وفق هواهم وليس وفق خطط مدروسة مسبقاً. والسؤال الذي يطرح في هذا السيق هل حُكم ترمب سيشكل خطراً على استقرار الشرق الأوسط؟
في حفل تنصيب الرئيس الأميركي الخامس والأربعين دونالد ترمب ألقى الأخير خطابه مؤكداً أولاً وقبل كل شيء أن سياساته الداخلية والخارجية ستقوم على مبدأ أساسي هو أن «أميركا فقط أولاً» وهو يعني ذلك على المستويات كافة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وغيرها. هذا أمر بديهي، وكل زعيم قديم أو حديث يقود أمة أو دولة أو شعباً يجب أن يؤكده ويعلنه ويسعى إليه، فأي مصلحة لا يمكن أن تقدم على مصلحة الدولة، وهذا حق مشروع لرئيس الولايات المتحدة الجديد، لا يمكن أن يزايد عليه فيه أحد من خصومه الداخليين أو الخارجيين، وإن لم يخل الأمر من تشغيب إعلامي واسع.بدأ الرئيس ترمب قراراته سريعاً بغاية القضاء على إرث سلفه باراك أوباما، وخصوصاً ما كان يبديه أوباما من انعزالية وانسحابية عرف بها، أدّت إلى إضعاف مكانة أميركا حول العالم إلى حد غير مسبوق.
شهدت فترة رئاسة أوباما انتشار الفوضى في المنطقة، وتضاعف عدد المنظمات الإرهابية ورجالها ونشاطها في العالم. لم يكن أحد يريد منه تدخلا عسكريًا أميركيًا، منذ فشل التدخل العسكري في العراق في عهد جورج بوش، لكن أوباما أخطأ عندما حرّم على حلفائه بيع السلاح للمعارضة السورية حتى لا يُغضب إيران، وأخطأ في الاستهانة بالجماعات الإرهابية حتى ملأت العالم رعبًا. بعد هذه الإخفاقات الرهيبة في ثماني سنوات من رئاسة أوباما هناك من لا يظن أن أحدًا سيقلق من أي سياسة يتبناها الرئيس الأميركي الجديد، حتى لو قرر الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترمب، أن يبني الجدران مع جيرانه، ويطرد عشرة ملايين مقيم غير شرعي في بلاده، ويمتنع عن مدّ حمايته لأوروبا وجنوب شرقي آسيا وحلفائه في منطقة الشرق الأوسط، فإننا لن نقلق كثيرًا لأن سياسة الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما بلغت من السوء، ما يجعل ترمب مقبولا مهما فعل أو لم يفعل في منطقتنا.حتى لو هادن ترمب إيران، وأيّد بقاء نظام الأسد في سوريا، وامتنع عن مدّ يد العون لملايين المشردين واللاجئين، وسكت على التمدد الروسي، فإن هذه كلها حدثت في عهد أوباما. لأنها لا يمكن أن تكون أسوأ مما كانت ووصلت إليه اليوم. لا أحد في هذه المنطقة يتوقع من الرئيس ترمب أن يحقق إنجازات سياسية أو عسكرية، وسيكون إنجازًا مهمًا لو قررت إدارته وقف سياسة أوباما التي شجعت إيران على توسيع دوائر الحروب، التي وصلت إلى مستوى السكوت عن قيام البحرية الايرانية بإلقاء القبض على جنود في البحرية الأمريكية بالخليج العربي ونتساءل إذا تكرر هذا المشهد هل سيتخذ ترمب ذات الموقف الذي اتخذه أوباما؟ الذي ساهمت سياساته بتمدد التنظيمات الإرهابية.
وعلى الرغم ما أحاط بعملية انتخاب ترمب رئيسا من مواقف ساخرة أو جدية، فإن أهمية الحدث (انتخاب رئيس لأعظم دولة في العالم) يقتضي أيضا الذهاب بعيدا في تحليل البنية السياسية التي أنتجت هذا الخيار. تحليل أدى بالبعض على القول إن الحدث يمثل أحد مثالب الديمقراطية بهندستها المعاصرة. المفهوم الأخير يعني، من جملة ما يعنيه، أن الديمقراطية قد تفرز، بعد وقائع سياسية واقتصادية وإعلامية معقدة ومتداخلة، مرشحا لا يتوفر على المؤهلات اللازمة للمنصب، أو ألا تعني بالضرورة أن الفائز هو الأجدر، وفي التاريخ المعاصر أمثلة صارخة تؤكد أن للديمقراطية بما وصلت إليه أثارها السلبية وأعراضها الجانبية مثل بعض الأدوية التي تعالج أمراضا وقد تفرز أخرى.
دونالد ترمب الذي أدى القسم يوم 20 كانون الثاني/ يناير الماضي، وقدم خطابا شعبويا يمينيا عنصريا متصالحا مع وضعه وانتمائه وتكوينه، ما أثار امتعاض العالم في بعض فصوله، لن يتغير ليصبح يساريا أو حقوقيا أو حالما بالعدالة، لكنه أيضا لن يتوصل إلى ترجمة كامل جموحه الخطابي إلى أفعال حقيقية. ولكن ذلك لا ينفي أن مرحلة ترامب ستختلف حتما عن حقبة سلفه باراك أوباما، إن داخليا أو خارجيا، لكن الاختلاف لن يكون منعرجا ولن يمثل قطيعة، وتلك أيضا من “محاسن” الديمقراطية، حيث لا يمكن أن “ينقلب” الخلف على السلف (بالمعنيين) وإن اختلف معه، لأن الدولة تصون قيمها ومبادئها وشعاراتها ودستورها.
خلاصة القول كانت دول العالم وشعوبها وخاصة في الشرق الأوسط متفائلين جدا بعهد الرئيس الديمقراطي باراك أوباما وما أدل على ذلك التفاؤل خطبتيه التي ألقاهما الأولى في الجمعية الوطنية”البرلمان” التركي في نيسان/إبريل عام 2009م، والثانية في جامعة القاهرة في حزيران/ يونيو من ذات العام، اللتين كانتا تزخرا بالقيم الإنسانية والعيش المشترك، ولكن بعد ثمان أعوام من حكمه أحبطت تلك الشعوب نتيجة مواقفه وسياساته المخيبة، وقد يستمر هذا الاحباط مع بيانات ترمب السياسية أو تتلاشى مع عمله السياسي فالأول شيء والثاني شيء آخر تماماً.
وحدة الدراسات الدولية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية