لم تقرر إدارة ترامب بعد بشأن نقل السفارة الأميركية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، وهو وعد الحملة الذي ينطوي على أهمية تاريخية ورمزية للإسرائيليين، والفلسطينيين، والشرق الأوسط الكبير.
يوم الاثنين في الأسبوع الماضي، قال السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، شون سبيسر، أنها “لا توجد قرارات” بشأن نقل السفارة إلى القدس، وهي خطوة كان رؤساء جمهوريون وديمقراطيون سابقون قد وعدوا بتنفيذها أيضا، لكنهم قرروا عكس ذلك لتجنب الانحياز إلى أحد الجوانب حول من الذي يجب أن يسيطر على المدينة القديمة المقدسة.
بينما تقرر إدارة الرئيس دونالد ترامب ما إذا كانت ستكسر هذا التقليد، يقول المراقبون للصراع الإسرائيلي الفلسطيني أن هذا الرئيس يبدو جاداً في مسألة نقل السفارة، على أساس ثبات خطابه حول هذا الموضوع أثناء الحملة الانتخابية، وقراره اختيار ديفيد فريدمان سفيرا إلى إسرائيل.
وفريدمان يعارض حل الدولتين، وقال عند ترشيحه أنه يتطلع إلى العمل “من السفارة الأميركية في العاصمة الأبدية لإسرائيل، القدس،” بدلا من تل أبيب.
يقول جوناثان سكانزير، الباحث في دراسات الشرق الأوسط ونائب رئيس قسم الأبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات: “لعل المثير للاهتمام هو أن العديد من الرؤساء بذلوا هذا الوعد نفسه خلال الحملات وفشلوا في متابعته”. وأضاف سكانزير في مقابلة مع صحيفة صحيفة “ديلي سيغنال”: “هذه المرة، يبدو أن الأمور قد تكون مختلفة، نظرا لاختيار ترامب فريدمان سفيرا، والتصريحات التي أدلى بها كل منهما”.
لأن القدس مدينة متنازع عليها، فإن وضع سفارة الولايات المتحدة في تل أبيب، المركز التجاري والثقافي لإسرائيل منذ فترة طويلة، يشكل تحديا دبلوماسياً للقادة الأميركيين والإسرائيليين على حد سواء.
تقول سياسة الولايات المتحدة رسميا أنه يجب أن يتم نقل السفارة إلى القدس. فهناك قرار أميركي أقرته في العام 1995 هوامش الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ووقعه الرئيس بيل كلينتون، والذي يعلن القدس عاصمة لإسرائيل، ويتطلب انتقال السفارة إلى هناك.
ولكن، منذ صدور ذلك القرار، اختار كلينتون، والرئيس جورج دبليو بوش، وهو جمهوري، وباراك أوباما، الديمقراطي، عدم تنفيذ هذه الخطوة، وذلك باستخدام تجاوز رئاسي يتم تجديده كل ستة أشهر، والذي يسمح به القانون لأسباب تتعلق بالأمن القومي. وينتهي أحدث تجاوز في 1 حزيران (يونيو) المقبل، وما يزال من غير الواضح ما إذا كان الرئيس ترامب سيقوم بنقل السفارة قبل ذلك، كما يقول الخبراء.
توجد مواقع البرلمان الإسرائيلي، والمحكمة العليا، ومقر الحكومة الإسرائيلي مسبقاً في القدس الغربية ذات الأغلبية اليهودية. وفي واقع الأمر، تشكل إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم حيث لا تحتفظ الولايات المتحدة بالسفارة في العاصمة التي تفضلها الحكومة المضيفة. لكن إسرائيل استولت على القدس –العربية في غالبيتها العظمى- في حرب 1967 بينها وبين جيرانها العرب، وقامت بضمها وبتوسيع حدود ما تسميه “عاصمتها الأبدية”. وقد رفضت الولايات المتحدة ومعظم البلدان الأخرى الاعتراف بهذا الضم، وأبقت سفاراتها في تل أبيب أو حولها.
يقول الخبراء أن نقل السفارة إلى القدس يمكن أن يرضي اليهود الإسرائيليين الذين يعتقدون أنه سيكون إشارة إلى اعتراف الولايات المتحدة بمطالبة إسرائيل بكامل المدينة. كما يمكن أن تطمئن هذه الخطوة أيضاً الحكومة اليمينية برئاسة بنيامين نتنياهو، بعد أن سمحت إدارة أوباما باعتماد قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي يدين بناء المستوطنات الإسرائيلية.
ومع ذلك، سيكون من شأن نقل السفارة إلى القدس بالنسبة للفلسطينيين ومؤيديهم في العالم العربي أن يكون بمثابة إصدار حكم مسبق على أحقية المطالبات الفلسطينية بعاصمة لهم في شرق المدينة، وسوف يبطل التوصل إلى حل نهائي للصراع مع إسرائيل. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تزيد هذه الخطوة من خطر تصاعد العنف، عندما ينخرط الفلسطينيون في الدفاع عن القدس.
يقول جيم فيليبس، خبير شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة هيريتيج: “سيكون من شأن ذلك أن يقوي شوكة إسرائيل، أقرب حليف للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ولكنه قد يجعل من الصعب على بعض الحكومات العربية أيضاً أن تتعاون علنا مع الولايات المتحدة حول بعض القضايا الأمنية، لأن من المرجح أن يؤدي ذلك إلى موجة من الاحتجاجات المناهضة للولايات المتحدة وأعمال الشغب”.
من جهته، يخشى يوسف منيِّر، الباحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط، أن يؤدي نقل السفارة إلى إفساد سمعة الولايات المتحدة كوسيط في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ويقول منيِّر في مقابلة مع صحيفة “ديلي سيجنال”: “كان عدم الاعتراف (بشرعية ضم القدس) أحد أعمدة سياسة عملية السلام الأميركية. وإذا ما انهار هذا العمود، فسوف تتصاعد التساؤلات عن قدرة الولايات المتحدة على دعم مصداقيتها في الاحتفاظ بذلك. وإذا جمعتَ ذلك إلى نشاط إسرائيل الاستيطاني الأخير، فسيكون من المستحيل أن نرى كيف تجعل هذه الأشياء آفاق الحل السلمي أكثر احتمالاً.
لكن سكانزير يرد بأن إدارة ترامب إذا نقلت السفارة الأميركية، فمن المرجح أن تنقلها إلى القدس الغربية التي كانت جزءا من إسرائيل منذ نشأتها، وسوف تستمر في أن تكون كذلك تحت أي اتفاق سلام واقعي.
لذلك، يقول سكانزير، يجب أن لا تؤثر مثل هذه الخطوة على المفاوضات للتوصل الى اتفاق سلام، حتى لو تم التنازل عن القدس الشرقية للفلسطينيين في نهاية المطاف لتكون عاصمة لهم.
ويضيف كانزير: “ما مِن سبب يمنعك عن مواصلة التفاوض على خطة سلام. فبعد كل شيء، لا يغير نقل سفارة أياً من القضايا الجوهرية في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. ستظل هناك قضايا ثنائية لا بد من حلها”.
جورج سيغل
صحيفة الغد