الوضع العربي القائم حالياً ليس كما كان عليه الحال قبل 2011 بسبب ما اصطلح على تسميته بـ”الربيع العربي”، والذي جاء بنتائج على عكس ما تمنته الشعوب العربية. فمنذ بدء ذلك الربيع والأزمات تتوالى على العالم العربي، مع زيادة هوة الخلاف بين دوله، حتى غدا أمر “تطبيع العلاقات” بين عدد منها ضرباً من المستحيل.
ولما كان انعقاد القمة العربية في ظروف صعبة وتحديات كبيرة على الصعيدين الإقليمي والدولي، يأتي هنا الدور الذي يمكن أن يلعبه الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ليؤكد أن الأردن، كان وما يزال، قلب المنطقة النابض نظراً لموقعه وقربه من بؤر التوتر الحالية في العراق وسورية.
وعلى الرغم من الخلافات الكبيرة في وجهات النظر العربية حيال القضايا المصيرية، إلا أن هناك توجهاَ لإيجاد حل لمشاكل المنطقة، لأن قمة عمان في أواخر الشهر الحالي، ستعطي أولوية، كما قال جلالة الملك سابقا، لمحاربة الإرهاب والتطرف، ودعم المصالحة الوطنية في العراق، ودعم إيجاد حل سياسي للأزمة السورية وتداعياتها الإنسانية، وعملية السلام والقدس.
من المؤكد أن الأردن سيعمل وينسق من أجل أن تكون القمة بحجم التحديات، وفق ما يراه كثير من المحللين والسياسيين لظروف وتوقيت انعقادها. فهي تعقد في البحر الميت، وفي هذا إشارة إلى إسرائيل بأن لا حل سوى حل الدولتين كما يراه العرب، وما يعني أن أي طرح آخر مرفوض من جانب الدول العربية. كما اعتبر محللون ومراكز دراسات أميركية أن هناك ملفات كثيرة تفرض نفسها على جدول الأعمال، منها الملف الليبي واليمني والعراقي والسوري، إضافة إلى قضية اللاجئين السوريين الذين باتوا يشكلون عبئاً ثقيلاً على اقتصادات الدول المضيفة لهم مثل الأردن ولبنان.
وفي هذا الصدد، تشير بيانات البنك الدولي إلى أن الأردن استقبل حوالي 1.4 مليون لاجئ سوري منذ بدء الأزمة، أي ما يعادل 13 في المائة من إجمالي سكان المملكة، وهذه الأعداد تفرض عبئأً كبيراً على جميع القطاعات، خصوصا القطاع الاقتصادي، إذ تتحمل المملكة 2.5 مليار دولار سنوياً كعبء مالي يفاقم من حدة مديونية الأردن، ناهيك عن الملف الأمني الذي يفرضه اللاجئون الذين باتوا يشكلون قضية ضاغطة على المملكة.
“معهد بروكينجز” الأميركي، يرى أن حضور القادة العرب لقمة عمان يرسل إشارة تضامن مع المملكة الأردنية الهاشمية، ووقوف الدول العربية معها في وجه الكثير من التحديات التي تواجهها، ومنها التحديات الاقتصادية، والأمنية بسبب الإرهاب الذي عاث في سورية والعراق فساداً، والذي استهدف المملكة بعدة عمليات خلال العام 2016.
ويرى ديفيد شينكر، المحلل السياسي والخبير الجيواستراتيجي، ان هناك ضغوطاً كبيرة يتعرض لها الأردن فيما يتعلق بإقامة مناطق آمنة في جنوب سورية، رغم أن الفكرة ما تزال احتمالاً بعيد المنال في الوقت الراهن. بيد أن التوصل إلى اتفاق قد يكون ممكناً نظراً إلى إعطاء إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأولوية، في الآونة الأخيرة، لعملية محاربة تنظيم “داعش” والتعاون مع روسيا بشأن سورية.
ويعتبر مركز “جيوستراتيجيك ميديا” أن انعقاد القمة يأتي متزامناً مع وجود نظام إقليمي يشهد الكثير من الصراعات الداخلية وحروب الإنابة بين الدول، ناهيك عن تدهور أسعار النفط عالمياً، ما يعني احتمالات نشوء حرب إقليمية مثلما شهدنا في ثمانينيات القرن الماضي (العراق وإيران)، والتي ما تزال تداعياتها ماثلة أمامنا اليوم.
ويؤكد المركز في تقريره أن القمة العربية تتطلب قائداً غير تقليدي للخروج بها من النمط التقليدي إلى النمط اللاتقليدي وأن الملك عبدالله الثاني قادر بحنكته أن يعمل على ضمان نتائج عملية تتماهى مع تحديات المرحلة، ولإعطاء الشباب العربي الذي يشكل 70 بالمائة من سكان الوطن العربي، ثقة بأن المستقبل المشرق قادم لا محالة، حتى لا تتجاذبهم تيارات التشدد الديني وتجندهم في معسكراتها.
وأضاف مركز “جيوستراتيجيك ميديا” أن قمة عمان في 1987، والتي عرفت آنذاك بقمة “الوفاق والاتفاق”، هي التي ساهمت في إعادة العلاقات بين سورية والعراق، وأن اليمنيين اليوم يعلقون آمالاً عريضة على قمة عمان 2017 التيتجمع صناع القرار في الوطن العربي، من أجل أن يعود اليمن إلى ما كان عليه قبل بدء الحرب الأهلية في أعقاب “الربيع العربي”.
ويبين المركز أن ما يؤكد بدء “حلحلة” القضيتين؛ السورية والعراقية، هي الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الى بغداد نهاية شباط (فبراير) الماضي، ولقاؤه بكبار المسؤولين العراقيين. وتعد هذه الزيارة هي الأولى لمسؤول سعودي كبير منذ العام 1990.
وأخيراً فإن قمة عمان ستعيد قضية فلسطين إلى الواجهة بعد غياب قسري تسبب به “الربيع العربي” والصراعات المسلحة الداخلية التي اجتاحت عدداً من دول المنطقة. فهل ستنجح عمان، كما عهدناها، في إعادة اللحمة إلى الوطن العربي بإشراك الجميع في تحمل مسؤولياتهم تجاه الأجيال القادمة؟
شهاب المكاحلة
صحيفة الغد