عندما أرسل حزب الله اللبناني مقاتليه إلى سوريا العام 2013، فإنه كان يسعى بشكل أساسي لإنقاذ نفسه. لو انهار نظام الأسد أو هُزم على يد القوى الإقليمية المدعومة من الولايات المتحدة لكان واجه خليفة سنيا للأسد معاديا للحزب في دمشق ولخسر الممر الحيوي لأسلحته من إيران.
اليوم، يمكن القول إن هدفه المحوري المتمثل في المحافظة على النظام قد تحقق، لكن لا تلوح في الأفق بوادر نهاية للحرب. إذا استمرت إيران وحزب الله في تقديم الدعم العسكري غير المشروط للنظام من دون وجود استراتيجية خروج واقعية فإنهما سينزلقان أعمق فأعمق إلى ما يمكن فقط أن يصبح مستنقعا.
وفي الوقت نفسه، سيترتب عليهما مواجهة إدارة أميركية أكثر عدائية نحوهما قالت إنها ستقلص النفوذ الإيراني مع اتباعها مقاربة أكثر عدوانية ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وتجنب الغرق في مستنقع يستلزم التفاوض على تسوية تشارك فيها الدول الرئيسية التي تدعم المعارضة، بالإضافة إلى قيام روسيا بفرض التنازلات المطلوبة على دمشق.
ولا يستطيع حزب الله تغيير مساره في سوريا من غير موافقة إيران وسيبقى يدفع أثمانا مرتفعة ومتزايدة لتدخله. الحزب الذي كان ذات يوم يعتمد على نظام الرئيس حافظ الأسد لحماية مكانته العسكرية في لبنان، أصبح دوره محوريا لبقاء حكم ابنه في سوريا. إلا أن التحالف مع عائلة الأسد بات يشكل عبئا حيث يستنزف موارد الحزب، ويمكّن المجموعات الجهادية التي حاول هزيمتها ويستثير عداوة شرائح واسعة من السوريين واللاعبين الإقليميين مثل قطر وحماس اللتين كانت تربطه بهما علاقات جيدة. بالإضافة إلى التكلفة البشرية، سيترتب على حزب الله أن يحشد بشكل دائم طائفة شيعية قد يكون لصبرها ودعمها حدود وأن يجند في صفوفه شبابا يفتقرون إلى الالتزام والانضباط. ومن المؤكد أن هذا الاحتمال لن يروقه.
أما الثمن الذي يصعب قياسه أكثر فيتمثل في الضرر الذي لحق بصورته وهويته. لقد تحوّل الحزب من “حزب المستضعفين” ومن حركة “مقاومة” لبنانية القاعدة والمركز تواجه إسرائيل إلى قوة إقليمية كبيرة عبرت الحدود لكنها خسرت في نفس الوقت تأييد شرائح عربية واسعة لنضاله ضد عدو مشترك وبات يُنظر إليه أكثر فأكثر على أنه ميليشيا شيعية طائفية، وفي أجزاء من سوريا، بوصفه محتلا عديم الرحمة.
لا شك أن استفادة حزب الله من تدخله تجاوزت المحافظة على بقاء النظام. فبالإضافة إلى ذلك، ساعد دعمه الكامل على ترسيخ موقعه لدى إيران بوصفه الشريك الأكثر فعالية. أظهرت الحرب الاعتماد المتبادل بين الطرفين وعمّقته. لقد وفر حزب الله منذ أمد بعيد عمقا استراتيجيا لإيران حيال إسرائيل.
وقد رفعه انخراطه المتصاعد في سوريا إلى مكانة الشريك الأساسي في مواجهة إقليمية ذات رهانات كبرى وصبغة طائفية. في المقابل، فإن إيران تقدم الأسلحة وجميع أشكال الدعم التي تسمح لحزب الله بتحويل قوته العسكرية إلى هيمنة سياسية.
واستفاد حزب الله من علاقته بروسيا، هذه العلاقة التي نشأت من تدخل الأخيرة في سوريا العام 2015. وتمكن حزب الله من تعزيز خبرته العسكرية والتكتيكية من خلال انخراطه في تحالف قتالي مع قوة عالمية، للمرة الأولى. إلا أن هذه العلاقة محفوفة بالتوتر، إذ أن موسكو، القوة العلمانية الحذرة والقلقة من التطرف الإسلامي والتي تفضل دولة وجيشا سوريين قويين، لها أجندتها الخاصة في سوريا بدأت بالافتراق عن أجندة إيران وحزب الله الآن وبعدما بات البقاء الفوري للنظام مضمونا.
صحيفة العرب اللندنية