أكد مراقبون أن ما كشف خلال استجواب وزيرة الصحة العراقية عديلة حمود أمام البرلمان لا يكشف سوى عن القمة الطافية من جبل الفساد الكبير في قطاع الصحة وتجارة الأدوية بالعراق.
وقال صيادلة وأطباء إن هناك قضايا أخطر تمتد إلى توريد أدوية مزورة ومنتهية الصلاحية، إضافة إلى أن معظم الأدوية تأتي من مناشئ غير موثوق بها وتبيعها على الأرصفة نسوة لا علم لهن بالأدوية وعلوم الصيدلة، ويسمي العراقيون هذه الصيدليات “صيدليات الموت”.
وأوضح مسؤول سابق في وزارة الصحة العراقية، طلب عدم ذكر اسمه، لـ“العرب” أن ما يمر به قطاع الأدوية حاليا كان من نتائج الاحتلال الأميركي للبلاد في عام 2003، مشيرا إلى أن المعايير التي كانت معتمدة في السابق لا يتم تطبيقها حاليا ما أدى إلى فوضى في القطاع.
وكانت وزارة الصحة قبل الاحتلال تفاتح شركات أدوية أوروبية وأميركية ومصرية وأردنية وكذلك شركة أدوية سامراء للحصول على الأدوية بهدف تغطية الطلب المحلي وتشترط أن يكون الدواء والشركة مسجلين في وزارة الصحة ووفق مقاييس التسجيل العالمية.
ويعزو المصدر الصحي سبب فوضى القطاع إلى بيروقراطية قسم تسجيل المستحضرات الطبية في وزارة الصحة وعدم جدية المسؤولين في التعامل مع هذه المسألة الخطيرة، فضلا عن التغيير المستمر في شروط التسجيل مما يدفع الشركات إلى اتباع أساليب غير مشروعة. وأشار إلى أنه تم استحداث مصطلح التسجيل المسائي قبل سنوات للإسراع في عمليات تنفيذ معاملة تسجيل لكل مستحضر مقـابل ألفي دولار، بينما كـانت لا تكلف العملية في السابق سوى 200 دولار.
5 بالمئة، نسبة تغطية مصانع الأدوية العراقية للطلب المحلي، وفق تقديرات رسمية
ويشكل بطء عمليات الفحص المختبري للأدوية التي يتولاها المركز الوطني للرقابة الدوائية وعدم جدية العاملين في المنافذ الحدودية التي تعد صمام الأمان في دخول الأدوية والمبالغ الكبيرة التي يدفعها موردو الأدوية لأغراض التخلص من أهم مشكلات القطاع.
وتصل كلفة حاوية الأدوية إلى قرابة 30 ألف دولار وهو ما يتسبب في زيادة الأعباء على المواطنين، ويلحق بذلك ضعف الرقابة والتفتيش الدوري الذي تمارسه وزارة الصحة وعدم التنسيق بينها وبين نقابة الصيادلة لإنهاء الحالة السيئة في القطاع.
وسلط مثول وزيرة الصحة عديلة حمود أمام البرلمان للمساءلة، الضوء على مدى تغلغل الفساد في مفاصل الدولة وتحوله إلى إرهاب مواز قاتل للناس بشكل مباشر.
ولا يخفي مسؤولون حكوميون وبرلمانيون عراقيون وجود فوضى شديدة في القطاع الدوائي، ففي تصريحات صحافية سابقة، أعلن رئيس لجنة النزاهة النيابية طلال الزوبعي أن لجنته أوقفت شحنة كبيرة من الأدوية الفاسدة تتضمن أدوية أطفال فاسدة ولا تصلح للاستخدام.
وأشار الزوبعي إلى أن وزارة الصحة تتعاقد مع شركات تزودها بأدوية غير مطابقة لشروط جهاز السيطرة النوعية ولم تطابق الحالات العلاجية للمرضى الأطفال.
واعتبر عضو لجنة النزاهة البرلمانية النائب عن جبهة الإصلاح الوطني عادل نوري أن الموانئ العراقية هي منبع للفساد المالي والإداري وإدخال البضائع منتهية الصلاحية.
وقال إنه “لا يمكن استمرار الوضع على ما هو عليه وإدخال البضائع الفاسدة إلى العراق، هذه السياسة تعد موازية لسياسة داعش في إبادة الشعب العراقي”.
عادل نوري: الموانئ منبع للفساد حيث تسمح بإدخال البضائع منتهية الصلاحية إلى العراق
وكشف نوري أن اللجنة بصدد التحقيق في وجود شحنة أدوية فاسدة منتهية الصلاحية، موجودة في ميناء أم قصر جنوب البلاد، لافتا إلى أن اللجنة تتابع عن كثب هذه الشحنة وتجمع الأوراق والأدلة للمباشرة بفتح التحقيق.
ويرى المسؤول الصحي السابق في حديثه لـ“العرب” أن القضاء على فوضى القطاع يتطلب تطوير هيئة انتقاء الأدوية في وزارة الصحة وتسهيل منح التراخيص ووضع أسس عملية لإدارة المخاطر في المركز الوطني للرقابة والبحوث الدوائية.
ويطالب بإنشاء مختبرات لفحص المواد الأولية المستوردة الداخلة في التصنيع، وإعادة تأهيل مصانع الأدوية العراقية وفقا لمتطلبات التصنيع الدوائي الجيد.
ويغطي إنتاج المصانع الدوائية في أحسن الأحوال نحو 5 بالمئة من الاحتياج الكلي للأدوية، بحسب تقديرات رسمية.
وتضم الشركة العامة للصناعات الدوائية 5 مصانع هي أدوية سامراء والمحاليل الوريدية في نينوى والغازات الطبية في بغداد والمحاقن في بابل وأدويـة نينوى، وفـق ما قاله لـ“العرب” رعد التكريتي المدير العـام الأسبق للشركة العامة للصناعات الدوائية في سامراء. وكشف أن هناك مصنعا للأدوية في إقليم كردستان ينتج مختلف المستلزمات الطبية، ولكن يبقى دون الطمـوح لأن المشكلـة الأساسية تتمثل في نوعية الأدوية المنتجة فيه وكفاءتها وقلة الكوادر العراقية الخبيرة بهذه الصناعة.
ويقترح التكريتي، المقيم حاليا في الأردن، إنشاء مصانع دوائية بالشراكة مع شركات عالمية معروفة أو عن طريق الاستثمار بدعوة هذه الشركات إلى إنشاء مصانع دوائية متخصصة في البلاد وتسهيل إجراءات الاستثمار.
وكانت قائمة الأدوية الأساسية التي تعتمدها وزارة الصحة تضم 640 نوعا وشكلا صيدلانيا لتغطية الاحتياجات قبل الاحتلال.
العرب اللندنية