طهران – انتقد الرئيس الإيراني حسن روحاني تدخل الحرس الثوري في الأمور المتعلقة باقتصاد البلاد. وعلل مخاوفه بأن “وساوس القوات المسلحة في موضوع اقتصاد البلاد، من شأنها إبعادها عن مهامها الأصلية”.
ويهيمن الحرس الثوري الإيراني بالفعل على معظم النشاط الاقتصادي، إضافة إلى هيمنته على السياسة الداخلية والخارجية، وهو السبب الرئيسي لإبقاء الكثير من العقوبات الأميركية والأوروبية.
وكان القائد السابق للحرس الثوري محسن رضائي قد بادر بتصعيد الصراع مع الحكومة في الآونة الأخيرة، حين طالب مرارا بتسليم إدارة الاقتصاد للحرس الثوري بدعوى فشل الحكومة في إدارة الملف الاقتصادي.
ويكشف هذا النزاع بين الحكومة والقوى الأكثر تشددا، عن اتساع التصدعات الداخلية في إيران مع تصاعد الضغوط الدولية لقطع أذرع تدخلاتها في الدول المجاورة وخاصة العراق وسوريا واليمن ولبنان منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض الأميركي.
وتعاني إيران من أزمات اقتصادية طاحنة بسبب إبقاء الولايات المتحدة للكثير من العقوبات الاقتصادية، وامتناع الشركات العالمية من التعامل مع طهران خشية الوقوع تحت طائلة تلك العقوبات.
ولم تتمكن إيران من جني أي ثمار تذكر من رفع العقوبات الدولية في يناير 2016 بعد التوصل إلى الاتفاق النووي، بسبب الدور الكبير للشركات المرتبطة بالجهات السياسية مثل الحرس الثوري المدرج على لائحة العقوبات الأميركية.
95 مليار دولار حجم أصول المؤسسات التابعة للمرشد الأعلى رغم خضوعها للعقوبات الأميركية
ويرى مراقبون أن ذلك أدى إلى غليان مكبوت في الشارع الإيراني يمكن أن ينفجر في أي لحظة إذا ما انهار الاتفاق النووي بسبب تصاعد خطاب المتشددين الذي يمنع تخفيف الأزمات الاقتصادية.
وكشفت عبارات روحاني المخففة صعوبة المواجهة بين الحكومة والحرس الثوري. وأكدت استنزاف القدرات الاقتصادية للبلاد في الأغراض العسكرية ودعم الجماعات الموالية لطهران في دول الشرق الأوسط.
وقال روحاني إن الإحصاءات تشير إلى أن حكومته زادت الإنفاق على الأغراض العسكرية في الميزانية بنسبة 145 بالمئة رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي تواجه البلاد.
وأضاف أنها نفذت خطوات على صعيد تعزيز ترسانة القوات المسلحة من المعدات والإمكانيات الاستراتيجية خلال ثلاثة أعوام ونصف من عمرها بما يعادل الإنفاق في 10 أعوام قبلها.
وكان تحقيق أجرته وكالة رويترز قد كشف أن المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي يتحكم في إمبراطورية اقتصادية ضخمة تحت اسم “هيئة تنفيذ أوامر الإمام” تدير أصولا عقارية واستثمارية في معظم قطاعات الاقتصاد الإيراني.
ورغم صعوبة حساب القيمة الإجمالية للأصول، لكن تقديرات التحقيق أشارت إلى أنها لا تقل عن 95 مليار دولار بالاستناد إلى تحليل تصريحات لمسؤولي الهيئة وبيانات من سوق طهران للأوراق المالية ومواقع الشركات على الإنترنت ومعلومات من وزارة الخزانة الأميركية.
وتوصل التحقيق إلى أن الهيئة أقامت إمبراطوريتها من خلال الاستيلاء الممنهج على آلاف العقارات التي تخص مواطنين إيرانيين عاديين من أبناء أقليات دينية وأصحاب أعمال وإيرانيين يعيشون في الخارج ومصادرة أعداد كبيرة من العقارات من خلال الادعاء بأنها مهجورة.
حسن روحاني: الإنفاق العسكري ارتفع بنسبة 145 بالمئة رغم الظروف الاقتصادية الصعبة في إيران
وتفرض الحكومة الأميركية منذ سنوات طويلة عقوبات على الكثير من وحدات الهيئة التي تصفها شبكة هائلة من الشركات التي تخفي أصولا لحساب القيادة الإيرانية. وتؤكد أن شركاتها تحقق إيرادات سنوية بمليارات الدولارات.
ويخوض الإصلاحيون والمتشددون صراعا شرسا منذ رفع العقوبات الدولية عن طهران في بداية العام الماضي، حيث تحاول الحومة تقديم عقود جديدة لطمأنة الشركات الأجنبية وإبعاد شبح وقوعها تحت طائلة العقوبات الأميركية بسبب دور الحرس الثوري والمؤسسات التي تخضع للعقوبات.
ولا تزال الحكومة الإيرانية تعمل لوضع اللمسات النهائية على عقد جديد للمستثمرين الأجانب، في ظل تجاذبات حادة مع المتشددين بشأن الحوافز التي يمكن أن تمنح للشركات الأجنبية.
ووقعت مجموعة توتال النفطية الفرنسية في نوفمبر الماضي اتفاقا مبدئيا بقيمة 4.8 مليار دولار لتطوير المرحلة 11 من مشروع حقل بارس الجنوبي لكنها أوضحت أنها ستنتظر مؤشرات من واشنطن قبل وضع اللمسات النهائية على الاتفاق.
كما وقعت سلسلة من الصفقات مع شركات دولية أخرى بعضها قائم على معاملات دولارية لكن البنوك الكبرى حتى الآن لا تزال محجمة عن التعامل مع طهران خشية أن تنتهك دون قصد قوانين أميركية.
ولا تزال القيود المفروضة بشأن الأسواق التي يمكن أن يباع النفط فيها، تشكل نقطة شائكة حيث تقلص من قدرة الشركات على تعظيم هوامش الأرباح وبصفة خاصة في سوق متخمة بالمعروض.
ويقول محللون إن تزايد الضغوط الدولية وخاصة الأميركية على إيران يمكن أن يربك الأوضاع السياسية المتفجرة ويزيد من حالة الاستقطاب بين المتشددين والإصلاحيين في وقت يتزايد فيه الغضب الشعبي بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية.
ومن المتوقع أن يتزايد التوتر مع اقتراب موعد الانتخابات العامة في 19 مايو المقبل، والتي ينظر إليها على أنها ستكون مفترق طريق ومحطة حاسمة لتحديد مستقبل البلاد.
العرب اللندنية