يبدو واضحا ان الفصل الأخير من مسرحية دويلة «الدولة» في العراق، قد بدأ بانهيار عناصرها في الموصل واقتحام القوات العراقية، قلب المدينة القديمة وجامع النوري برمزيته الحساسة للتنظيم، لتلجأ بقايا عناصر التنظيم إلى التخفي بين خرائب المدينة المدمرة وبين السكان المحاصرين، معلنين قرب انتهاء الظاهرة الشاذة التي تركت بصمة سوداء لن تمحى من تاريخ العراق والمنطقة والعالم.
ومع اعلان الحكومة العراقية عن انتهاء ظاهرة (الخرافة الداعشية) تكون آخر فصول معركة الموصل قد أوشكت على إسدال الستارة على وجود عاصمة التنظيم، حيث لن يبقى له بعدها سوى جيوب متفرقة أو خلايا نائمة أو مجاميع صغيرة تتنقل من هنا إلى هناك في العراق، ولكنها لن تستطيع وقف الانهيار الشامل للتنظيم ونهايته المحتومة.
وإذا كان إعلان هزيمة تنظيم «الدولة» قد أفرح قلوب العراقيين وأنعش آمالا قد يسمح لها ساسة العملية السياسية «العرجاء» والمصالح الدولية، ان ترى النور، فإن القلق ما زالت مساحته واسعة من ان نهاية التنظيم بكل ما شكله من مأساة صادمة وفي منتهى القسوة للشعب العراقي، قد تكون بداية صراعات جديد بين القوى السياسية وتحديات لا يستطيع أحد ان يقدر مداها ونتائجها، لعل أبرزها مساعي قيام الدولة الكردية وضم المناطق المتنازع عليها وإعادة إعمار المدن المدمرة والاقتصاد المنهك وتداعيات حرب الانتخابات المقبلة.
وفي خضم معمعة أحداث الموصل، تصاعدت هذه الأيام دعوات نواب وسياسيين إلى الحكومة للتحرك لتحرير الحويجة غرب كركوك التي أصبحت القاعدة البديلة لتنظيم «داعش» بعد طرده عن الموصل، وغدت منطلقا لمهاجمة المدن القريبة من الحويجة في محافظتي صلاح الدين وكركوك، إضافة إلى سياسة التوحش والإبادة اليومية لسكان المدينة التي يمارسها عناصر التنظيم ضدهم، والتي لا يجوز السكوت عليها.
وفي صورة لغياب التوافق الوطني بين القوى السياسية، برزت خلافات جديدة وحملات انتقادات وتشكيك لمؤتمر القوى السنية المزمع عقده في بغداد خلال شهر تموز/يوليو الحالي. ورغم إعلان منظمي المؤتمر انه ليس مؤتمرا للمعارضة وانه لن يضم «مطلوبين للقضاء» فقد اتفقت مواقف كل القوى الشيعية ومعظم القوى السنية على توجيه الانتقادات للمؤتمر وأهدافه والشخصيات المشاركة والنتائج المتوقعة له، مع إقرار الجميع بأن المؤتمر يهدف لإعادة تنظيم الصفوف والتحالفات السنية قبيل الانتخابات، وان مقرراته لن تشكل نقلة نوعية لا في المشهد السياسي العراقي الثابت منذ 2003 ولا في واقع المكون السني الذي لا يبدو أنه في أحسن حالاته وسط دمار عم أغلب مدنه وتشريد الملايين في مخيمات النازحين، اضافة إلى تشرذم رموزه وقياداته. ولعل أفضل تناول لحال المكون السني في العراق، جاء على لسان النائب عن محافظة نينوى محمد نوري العبد ربه، عندما وصف المكون السني بأنه «مفكك وغير قادر على توحيد صفوفه وأن المؤتمر المزمع عقده في تموز/يوليو عديم الجدوى ولن يخرج بشيء ينفع البلاد في ظل ظروفه الحالية».
وغير بعيد عن الموصل، جدد رئيس الإقليم مسعود البارزاني، دعوته دول العالم للوقوف مع الاقليم في تقرير المصير، مؤكدا في مقال له نشر في صحيفة الـ»واشنطن بوست» الأمريكية، انه «حان الوقت لكي يعلن الكورد عن قرارهم النهائي بشأن إجراء الإستفتاء» داعيا في الوقت نفسه كل من «واشنطن والمجتمع الدولي إلى ان يحترموا قرار الشعب الكوردي» دون أن يشير إلى فتح حوار مع بغداد حول الاستفتاء أو شكل العلاقة المستقبلية بين الإقليم و»العراق» وهو الأمر الذي أكدت دول العالم على اهميته قبل إجراء الاستفتاء على تقرير المصير وقرار الانفصال عن العراق، كما عدت الإدارة الأمريكية الاستفتاء حول الاستقلال المقرر إجراؤه في ايلول/سبتمبر المقبل، بانه «مغامرة بمستقبل أمن العراق».
وفي هذا الإطار شكك العديد من القوى السياسية العراقية، في جدوى إجراء حوار أو مباحثات بين أربيل وبغداد، وسط تمسك الطرفين بمواقفهما وعدم وجود مؤشرات عن الاستعداد لتقديم تنازلات أو حلول وسط.
وفي انعكاس للتوتر والعلاقة المتشنجة بين حكومتي أربيل وبغداد على الشارع العراقي، أعلن نواب كرد عن شكاوى من كرد يقيمون في بغداد وبعض المحافظات خارج الإقليم، ويتعرضون إلى تهديدات واعتداءات وسلب حقوق من قبل سياسيين وجماعات مسلحة. وجاء ذلك عقب مطالبة قياديين في تحالف كتلة القانون بقيادة نوري المالكي، الحكومة العراقية، سحب الجنسية العراقية من الأكراد المقيمين خارج الإقليم في حال الموافقة على انفصال الإقليم عن العراق. كما وجه قياديون في الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه البارزاني اتهامات إلى المالكي بكونه من وضع أسس تقسيم العراق من خلال ترسيخه الطائفية والعنصرية خلال فترة حكمه لمدة ثمان سنوات كرئيس وزراء، واصفين إياه بأنه «يعتاش على إثارة الفتن وأنه خطر على العراق وشعبه».
وهكذا تختلط لدى العراقيين، فرحة القرب من نهاية تنظيم «الدولة» في المشهد العراقي، مع مخاوف وقلق من تحديات وتهديدات تلوح في المستقبل القريب، وسط بصيص أمل في حصول متغيرات في هذا الواقع.
مصطفى العبيدي
صحيفة القدس العربي