أصبح التنافس الدولي لجذب الاستثمارات في الآونة الاخيرة أكثر حدة ، بعد ان ازدادت حاجة دول العالم الى تعظيم معدلات نموها الاقتصادي وسارعت لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومحاولتها السير في ركب الدول المتطورة متبعة في سبيل تحقيق ذات الهدف شتى الوسائل منها منح الاعفاءات الضريبية، وتسهيل حركة انتقال أ رس المال .
والعراق الغني بثرواته وخبراته يحتاج في هذه الوقت الى دعم دولي ، وتعظيم الاستثمارات في القطاعات المختلفة ، مع التركيز على دور القطاع الخاص المهم في هذه المرحلة لتجاوز ظروفه الراهنة التي سببها احتلال داعش وسوء الادارة لبعض مناطقه .
ففي يوم 3-7-2017 عقد مؤتمر للتجارة والاستثمار العراقي في العاصمة البريطانية لندن حيث التقى ممثلو وزارات عراقية وبريطانية ومؤسسات وشركات متعددة من الجانبين، لبحث الفرص الكبيرة المتاحة للاستثمار على الارض العراقية، والتي يمكن ان تنهض بالعراق بعد ما حصل فيه من ارهاب وتدمير للبنى التحتية وهي فرصة للقطاعين الخاص والحكومي العراقي والبريطاني لمناقشة العلاقات التجارية والعمل بالفيزا التجارية.
واشار المؤتمرون الى تفاوض العراق مع بريطانيا في الخمسينيات حول النفط وصادراته، مركزين على خصخصة المشاريع والوصول الى انتاج خمسة ملايين برميل نفط يوميا.
واكد الجانب العراقي ان فلسفة الاستثمار في الشركات المحلية تركز على الخصخصة وتوفير احتياجات الناس، وتحسين الاستيراد ، وتفعيل دور الشركات البريطانية الخاصة ، للاستفادة منها في استثمار الغاز، وتوفير الكهرباء.
وحظيت المناطق التي كان يحتلها داعش برعاية في هذا المؤتمر وامكانية تنفيذ مشاريع مهمة بين العراق وبلدان العالم، والعراق مفتوح على كل مساحته للاستثمار من قبل الشركات القطاع الخاص للبناء والاستثمار والاستقرار.
وكان مجلس الوزراء العراقي اصدر نظام صندوق إعمار المناطق المدمرة والبنى التحتية وتحقيق الأهداف الوطنية والمحافظة على الأموال التي تصل من تبرعات الدول وعدم هدرها؛ لتوفير العيش والاستقرار في تلك المناطق المحررة ،مؤكدا ان العراقيين أنفسهم أجدر من يقوم بإعادة بناء العراق واعماره.
وقد اكد وزير التجارة والاستثمار البريطاني أن العراق يؤدي دورا كبيرا في التجارة بين بريطانيا؛ مبينا ان التاريخ العراقي في المنطقة له دور في التجارة والحضارة، فمنه انتشر الفلك والرياضيات والطب والبحوث في العلوم والفنون، وكان له دور مهم في طريق الحرير والتعاون مع اوروبا .
واشار الى عقد اتفاقات بريطانية ـــ عراقية في عدة موضوعات خصوصا في التجارة والاستثمار، وانتاج النفط و إرساء السلام والاستقرار والاستثمار، وجلب الاستثمارات للعراق من اجل تحقيق النمو .
وقال وزير التجارة والاستثمار البريطاني ان بلاده أصدرت خطة إعماريه لبناء المناطق التي دمرتها الحرب بقيمة مليار دولار وهناك أولويات في الاستثمار مثل النقل والاتصالات والصحة والمساكن الجديدة للمهجرين وقطاعات اخرى، مبينا ان الاقتصاد في العراق ليس في النفط فقط اذ هناك مجالات اخرى ومهمة وعلى الجميع القيام بها.
واكد المشاركون في المؤتمر اهمية الصداقة بين بريطانيا والعراق والتبادل التجاري وان معركة الموصل كانت مهمة في إيقاف الشر الذي نشره الارهابيون ومحاربة الارهاب، الذي دمر كل شيء من الصناعة الى البنى التحتية خلال السنوات الماضية مما ادى الى تقلصت التنمية .
كما اكدوا ان العراق يحتاج الى دعم البلدان الاخرى مثل بريطانيا وخصوصا في مجال النفط وتقوية القطاع الخاص، للمشاركة في اعمار العراق.
وعقدت وزارة النفط على هامش المؤتمر حلقات دراسية للتطوير واستكشاف الغاز وما تواجه من تحديات كبيرة، والتي أعدت الكثير من الهيكلية لتحسين شركة النفط الوطنية وهذه الخطة موجودة لدى البرلمان العراقي تعمل على زيادة القدرة الاستيعابية ، وناقش المشاركون كيفية تحقيق النظام البيئي المتكامل، والاستثمار في تحديث الحقول النفطية
يذكر ان قانون الاستثمار العراقي رقم (13) لسنة 2006؛ شرع بأن توظيف المال في اي نشاط او مشروع اقتصادي يعود بالمنفعة المشروعة على البلد، الا ان هذا القانون لم يتم تطبيقه لحد الان حيث انه يحتاج الى تشريعات اخرى مصاحبة له ويحتاج الى اجراءات و اصلاحات لوجود بعض المعوقات التي تحول دون تطبيقه من اجل دفع عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتطويرها وجلب الخبرات التقنية والعملية وتنمية الموارد البشرية وإيجاد فرص عمل للعراقيين بتشجيع الاستثمارات ودعم عملية تأسيس مشاريع الاستثمار في العراق وتوسيعها وتطويرها على مختلف الأصعدة الاقتصادية ومنح الامتيازات والإعفاءات لهذه المشاريع شرع هذا القانون، وتم تعديل فقرة ، الهيئة الوطنية للاستثمار او هيئة الاقليم او هيئة المحافظة حسب الاحوال بـ موجب قانون التعديل الثاني لقانون الاستثمار رقم 50 لسنة 2015
ويهدف القانون الى تشجيع الاستثمارات ونقل التقنيات الحديثة للإسهام في عملية تنمية العراق وتطويره وتوسيع قاعدته الإنتاجية والخدمية وتنويعها ، وتشجيع القطاع الخاص العراقي والأجنبي والمختلط للاستثمار في العراق من خلال توفير التسهيلات اللازمة لتأسيس المشاريع الاستثمارية وتعزيز القدرة التنافسية للمشاريع المشمولة بأحكام هذا القانون في الأسواق المحلية والأجنبية.
كما يدعو الى تنمية الموارد البشرية حسب متطلبات السوق ، وحماية حقوق وممتلكات المستثمرين ، وتوسيع الصادرات وتعزيز ميزان المدفوعات والميزان التجاري العراقي، وحث الخطى نحو جذب الاستثمارات وتطوير بيئة الاعمال المحلية الجاذبة والتوأمة مع الدول الاوروبية والاسيوية وجذب الاستثمار لبلدانها و تحديث اقتصادياتها ، وبالتالي فان العراق اليوم بحاجة الى توضيح انموذجه الاقتصادي وسبل تنويع دخله الوطني .
وتنفذ الحكومة العراقية سلسلة من الاجراءات والخطوات لحماية وتوفير المناخ الاستثماري والعمل على الحفاظ على الملكية الفكرية، مبينة ان الاقتصاد المحلي ومن خلال الشركات الصغيرة والمتوسطة في تطور لكنها تحتاج الى تشريعات حاضنة وبيئة اعمال منمية لناتجها المحلي كما ان بيئة القطاع المالي وخصوصاً المصارف الخاصة في تطور ايضا وهنالك تحول ملموس في مشاركتها بالتنمية الاقتصادية وهذا شيء جيد ومهم للاقتصاد الوطني العراقي ، الذي عليه تطوير قانون عمل المصارف الخاصة بالعراق والقانون التجاري العراقي لانهما معنيان بالصناعات الصغيرة والمتوسطة ومحركان للاستثمارات الخارجية. .
ويحتل النفط مركز الصدارة بين القطاعات ذات الجاذبية، وقد كان العراق يحتل المرتبة الثالثة عشرة عالمياً على مستوى الدول المنتجة للنفط، بينما يحتل المرتبة الثالثة من حيث الاحتياطي المؤكد. ولكن المحللين يعتقدون أنه لدى العراق إمكانات كبيرة في مجال النفط لأن جزءاً من الحقول المعروفة قيد التطوير ولا يزال معظم البلد غير مستكشف.
وكان العراق قد أقدم في حزيران-على تنظيم أول مزاد عالمي بعد الغزو لعقود النفط المربحة، رغم أن عدم الاستقرار السياسي، وغياب التشريعات الضرورية والمخاوف المتزايدة بشأن العنف دفعت مستثمرين محتملين إلى العزوف عن المشاركة.
ويضيّع العراق فرصة الحصول على المليارات لأنه لا يستطيع جذب الاهتمام الخارجي المطلوب، رغم أن قانون الاستثمار الوطني في العراق يقدم مجموعة من الحوافز، لا تملك سوى شركات قليلة العلاقات الضرورية للنجاح في مناخ العمل الصعب هذا.
فالاقتصاد السياسي- في العراق حسب مراقبين محليين وأجانب يرتكز إلى حد كبير على المحسوبية والفساد، وتستغل الطبقة السياسية والدينية الفراغ السياسي في السنوات الأخيرة لتوسيع إقطاعاتها.
ولابد ان نذكر هنا اهمية القطاع الخاص في الاستثمار والتنمية الاقتصادية:
– رغم مساهمة القطاع العام في عملية التنمية الاقتصادية و في مجالات التنمية الاجتماعية إلا أن هذه المساهمة كانت ليست بالمستوى المطلوب، الأمر الذي دفع العديد من البلدان المتقدمة و النامية إلى إعادة النظر في دوره في الحياة الاقتصادية و خصوصا بعد الازمات الاقتصادية التي اثر على معظم البلدان ، و التي أكدت أيضا أن مساهمة القطاع العام في عملية التنمية في تلك الأقطار كانت أقل بكثير من الأهداف المعلنة في خطط التنمية، و بعد أن بدأت هذه الدول تواجه مأزقا تنمويا حادا، نتيجة للارتفاع الكبير في مستويات المديونية الخارجية، خاصة في الأقطار غير النفطية، وتدهور معدلات التبادل التجاري الدولي مع استمرار تراجع أسعار السلع التصديرية الأولية.
– ان ارتفاع مستويات العجز في موازين المدفوعات، والعجز في الميزانيات العامة، وتدهور مستويات التنمية الاجتماعية نتيجة ارتفاع معدلات الفقر وتدهور مستويات المعيشة المرتبط بالتراجع في معدلات النمو الاقتصادي مقابل الارتفاع المستمر في معدلات نمو السكان، فضلا عن تدهور مستوى الصحة والتعليم وارتفاع مستويات البطالة الصريحة والهيكلية.
– للقطاع الخاص دور فاعل في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في معظم بلدان العالم المتقدم و النامي على حد السواء بسبب الامكانات الكبيرة التي تؤهله ادارة القطاعات المختلفة الاقتصادية والاجتماعية، وهذا ما يشجع المشرعون الاقتصاديين التركيز على القوانين التي من شأنها توفير الارضية المناسبة لإنجاح عملية التنمية .
– تحولت معظم اقتصاديات العالم نحو المزيد من التحرر الاقتصادي والانفتاح في ظل عولمة متزايدة و كيانات اقتصادية شديدة التنافس، من هنا فقد ارتبطت قضايا تسريع وتحفيز التنمية الاقتصادية و الاجتماعية ارتباطا مباشرا ووثيقا بإعادة تقويم دور القطاع العام والخاص في تحقيق التنمية المستدامة، وذلك من تخفيف حدة التدخل الحكومي في توجيه النشاط الاقتصادي و تحفيز دور القطاع الخاص. القطاع الخاص و الحد من البطالة :
– يسهم القطاع الخاص بصفة كبيرة في الحد من البطالة، فبالرغم من أن المشاريع الخاصة في العراق تتميز بصغر حجمها إلا أنها تحتل أهمية كبيرة في تشغيل القوى العاملة على اعتبار كثرة عددها واعتمادها على عنصر العمل في الإنتاج أكثر من رأس المال بسبب انخفاض المستويات التقنية فيها.
ويسعى العراق اليوم بمساعدة القطاع الخاص إلى:
• تقليص العجز المتكرر في ميزانيتها العامة، بسبب الأموال الموجهة للقطاعات الغير الناجحة.
• تحديث الاقتصاد الوطني وفتح المجال أمام القطاع الخاص للنشاطات التي تخلت عنها الدولة.
• مساهمته في إحلال المنتج المحلي محل المنتجات المستوردة، ودعم المنتج الوطني(شعار صنع في العراق).
• تخفيض نسبة البطالة بفضل مشاركة القطاع الخاص في خلق فرص عمل دائمة.
• تحقيق التوازن عن طريق مبادرات القطاع الخاص، وذلك بترغيبه وفق الامتيازات المالية والإعفاءات الضريبية.
• تحقيق التكامل الاقتصادي بين مختلف القطاعات الوطنية عامة أو خاصة.
شذى خليل*
باحثة في الوحدة الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية