شكل استفتاء إقليم كردستان حول تقرير مصير الشعب الكردي العراقي في محافظات الإقليم الثلاث (أربيل والسليمانية ودهوك)، إضافة إلى المناطق المتنازع عليها (كركوك وأجزاء من محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى) خطوة تاريخية نحو الانفصال عن العراق ومحاولة تأسيس دولة كردية، مما زاد المخاوف العراقية من تداعيات ذلك الاستفتاء وبالأخص على القطاعات الاقتصادية وفي مقدمتها ثروات النفط، وكانت وزارة النفط العراقية اصدرت بيانا اكدت فيه ان “الثروة النفطية الوطنية هي ثروة سيادية وملك للشعب العراقي بكل أطيافه ومكوناته على امتداد أراضيه من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، بما فيها إقليم كردستان”، الذي يتميز وضعه الاقتصادي بما يلي:-
• متوسط دخل الفرد السنوي2100 دولار.
• دخله من القطاع السياحي500 مليون سنويا
• احتياطيه النفطي يبلغ 45 مليار برميل .
• يضم 57 حقلا نفطيا.
• تعمل فيه 40 شركة نفطية من 30 دولة.
• ينتج 600 الف برميل نفط يوميا .
• الاستخدام المحلي50 الف برميل يوميا.
• وقع 53 عقدا نفطيا مع شركات عالمية، من بينها ايكسون موبيل وغاز بروم.
• يصدر عن طريق ميناء جيهان التركي550 الف برميل نفط يوميا .
• ينتج 5.7 مليارات متر مكعب غاز طبيعي ، يمثل 3% من الاحتياط العالمي.
وتواجه القوى الكردية تحديات عدة، منها حجم الاحتياط النفطي المكتشف حتى الآن، وملكية حقل كركوك العملاق الذي اكتشف في 1927، الذي يبلغ احتياطيه نحو بليون برميل من النفط الخام. وسجلت معدلات إنتاج الإقليم خلال كانون الأول (ديسمبر) 2016 نحو 500 ألف برميل يومياً، من ضمنها إنتاج كركوك، وبالغت السلطات البترولية الكردية في بادئ الأمر في معدل احتياطاتها، اذ اشارت الى امكان ارتفاع الاحتياط الى نحو 45 بليون برميل، ما يعني ان احتياطات الإقليم أكثر منها في الجزائر. لكن بدأ تدريجاً يظهر انتاج الحقول الفعلي، ما اثار شكوكاً حول الاحتياط وهل هو بالضخامة التي تم ذكرها.
وهناك ثلاثة حقول رئيسة، غير حقل كركوك (الواقع خارج محافظات الإقليم الثلاث)، وأهمها حقل «طق طق» الذي تديره شركة «جينيل» ذات الملكية التركية – البريطانية، وشركة «فالاريس» التي تشاركت مع «جينيل اينرجي» التركية.
وكان من المتوقع ان تبلغ الطاقة الإنتاجية لشركة «جينيل» نحو 200 ألف برميل يومياً ولكن بياناتها على موقعها الإلكتروني تشير إلى أن معدل إنتاجها بلغ 19 ألف برميل يومياً في نهاية آذار (مارس) 2016. وتراوح المعدل ما بين ذروة الإنتاج في نيسان (ابريل) 2015 بنحو 145 ألفاً يومياً و36 ألف برميل يومياً في نهاية 2016. ويرجع سبب الانخفاض وفقاً للشركة، الى زيادة كميات المياه التي صاحبت الإنتاج. وهذا عادة يدل على مؤشرات سلبية.
وأحدثت هذه المعلومات مخاوف لدى الشركات النفطية العاملة في الإقليم، حيث انخفضت فمعدلات انتاج واحد من أهم الحقول في الإقليم بشكل كبير، وبالذات الحقل المنتج للنفط الخفيف مقارنة بالنفط الثقيل المنتج من باقي الحقول، وانخفاض ارقام احتياط الحقل.
وشكّل حقل كركوك منذ اكتشافه، عصب الصناعة النفطية في وسط العراق وشماله. وكان واضحاً للمسؤولين الأكراد أهمية وضع اليد على الحقل من أجل دعم كمية الإنتاج البترولي لدى الإقليم، اذ استطاعت قوات «البشمركة» تحرير الحقل من احتلال تنظيم داعش الارهابي ، في صيف 2014.
واستغل الإقليم الاستفتاء في كركوك لوضع بغداد امام «الأمر الواقع « وقد صرح رئيس اقليم كردستان عند طرد «الارهاب» من كركوك ان الأراضي التي تحررها «البشمركة» لن ترجع إلى الحكومة الفيديرالية وستبقى مع الأكراد.، وبهذا جرى الاستفتاء في كركوك، على رغم انه كان هناك اتفاق منذ اوائل 2003 ، كون كركوك منطقة «متنازع عليها» ولها وضع خاص يختلف عن سلطة الإقليم في المحافظات الثلاث، وتدير الحقل منذ عقود «شركة نفط الشمال» المتفرعة عن «شركة النفط الوطنية العراقية».
وهنا يجب التركيز على ان “الدولة الكردية “المنوي اعلانها لا تملك منفذاً بحرياً لتامين تجارتها الدولية، مما يعني برأي خبراء ومحللين اقتصاديين، ان “الدولة الكردية “المنوي اعلانها مهدد ة بالاختناق التام إذا ما أغلقت بغداد منافذها وأجواءها معها، وهو إجراء من المرجح أن تقوم به تركيا التي تهدد بإغلاق أنبوب النفط الذي تصدر أربيل من خلاله جميع نفطها، وهو ما أكده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي لوح بفرض عقوبات، اذ يشكل اغلاق خط انابيب النفط احد أهم الخيارات المتاحة، لمنع تدفق صادرات النفط الخام مما يوجه ضربة قاضية للاقتصاد الكردي.
وهذا الأمر يرتب خطوات سلبية، ليس من السهل على المسؤولين الأتراك غض النظر عنها، فمن جهة قد يؤدي اغلاق المصدر الأساس لاقتصاد “الدولة الفتية” الى انتشار الجوع والحرمان والفقر والهجرة بين سكانها، التي ستقابل بردود فعل دولية، ومن جهة اخرى لدى تركيا استثمارات ضخمة في اقليم كردستان، منها نفطية وأخرى إنشائية، تقدر بعشرات بلايين الدولارات، اضافة الى الصادرات التركية إلى الأسواق الكردية، التي تقدرها المصادر التركية بنحو ثمانية بلايين دولار سنوياً.
ومع تهديد تركيا بالعقوبات على “الدولة الكردية “المنوي اعلانها اسرعت إيران بتصريحاتها عن اغلاق حدودها وأجوائها مع أربيل بطلب من الحكومة العراقية، وتعني تلك الإجراءات أن “الدولة الكردية ” ستنقطع بشكل تام عن العالم، ويشمل ذلك حركة الأشخاص وجميع السلع.
ويثير استقلال اقليم كردستان عن العراق مخاوف الدول المحيطة به، مثل تركيا وإيران، من امكان تقسيم بلادها، كما العراق، نظراً لوجود عدد من كبير الاكراد في كلا البلدين، بالإضافة لأحزاب مسلحة تناهض الأنظمة الحاكمة، ففي تركيا، مثلاً، يشن» حزب العمال الكردستاني» منذ عام 1984 حرب عصابات ضد النظام في أنقرة مع فترات هدنة بين الحين والآخر.
والأمر ذاته ينطبق على ايران، التي يسيل لعابها للسيطرة على نفط كركوك، والتي من المتوقع حدوث مواجهة عسكرية بين “الدولة الكردية” وايران بحجة انها تحمي حدودها من توسع الدولة الكردية، ومنع وجود قوة عسكرية اسرائيلية بالتعاون مع الاقليم على حدودها الشمالية الغربية، بحسب مسؤولين ايرانيين.
وهنا نتساءل عن مصير40 شركة نفطية عالمية تعمل في الاقليم، ومن سيعوض خسائرها، ويدفع الغرامات عن توقف تصدير النفط وشل القطاع ؟ وما مستقبل 53 عقدا نفطيا مبرما مع شركات عملاقة .
وهناك غموض في المفاوضات الجارية لإنتاج النفط وتسويقه بين سلطة الإقليم وشركة «روزنفت» النفطية الروسية الحكومية ، اذ تقدر الصفقة ببلايين الدولارات وطبعاً، على ان يتم تصدير النفط عبر تركيا، وعرقلة هذا المشروع ستؤثر في العلاقات التركية – الروسية.
إن إغلاق خط أنابيب النفط عبر تركيا يشكل قوة ضاغطة على “الدولة الكردية” الفتية في حالة انفصالها واعلانها دول كردستان، لكن ستأخذ الشركات النفطية الدولية هذا السيف المسلط على الصادرات النفطية الكردية للحصول على امتيازات اضافية في عقودها، او التردد في العمل في المناطق الكردية نظراً للمخاوف على الصادرات، وإمكان توقفها في حال تأزم العلاقات بين الطرفين.
ونستنتج بما يراه الخبراء الاقتصاديون ان مصير صادرات النفط ومستقبل الاستفتاء يكمنان في يد أنقرة، التي يمكنها إغلاق الأنبوب وخنق اقتصاد الإقليم بشكل نهائي، وهو ما يمكن أن يدفعها للتفاهم مع بغداد.
ان الواقع يشير الى ان الأزمة المالية والاقتصادية في إقليم كردستان تزداد سوءا ، بحيث اصبح الوضع الاقتصادي كارثيا، وبخاصة ان الاقليم غارق بالديون وخزائنه فارغة ، ومع كل هذا هل يصمد ويستمر في انفصاله لتحقيق دولة كردية في شمال العراق ولو كانت كسيحة، ام يعود الى الاصل ليقوي اقتصاده وينعم سكانه بالرفاه وينجو ممن يتربصون به وبالعراق شرا لإضعافه ونهب خيراته.
شذى خليل
باحثة في الوحدة الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية