قال وزير المالية السوداني، محمد عثمان الركابي، خلال مشاركته في منتدى أمس الأول ان اقتصاد السودان يتجه صوب الانتعاش التدريجي، بعد رفع الولايات المتحدة للعقوبات الاقتصادية التي تفرضها على البلاد منذ 20 عاما، مما يفتح الطريق أمام إصلاحات اقتصادية حاسمة.
ومن شأن رفع العقوبات تعليق حظر تجاري وفك تجميد أصول وإزالة قيود مالية كانت تعرقل الاقتصاد السوداني.
وتوقع الركابي أن «يكون لرفع العقوبات آثار إيجابية على الاقتصاد السوداني ولكن بصورة متدرجة»، وقال «على السودان خفض التضخم وتقليل الإنفاق الحكومي ورفع الدعم على السلع الرئيسية وجذب الاستثمار الأجنبي».
ويكافح الاقتصاد السوداني منذ انفصال الجنوب في 2011، آخذا معه ثلاثة أرباع الإنتاج النفطي، الذي كان المصدر الرئيسي للعملة الأجنبية والدخل الحكومي.
وزاد ارتفاع الأسعار بعد قرار الحكومة في أواخر العام الماضي، خفض دعم الوقود والكهرباء في محاولة لخفض الإنفاق. وارتفعت أسعار البنزين 30 في المئة مما أدى إلى زيادة التضخم.
وقال بكري يوسف الأمين العام لاتحاد أصحاب العمل السوداني «حديث وزير المالية عن خفض التضخم والإنفاق الحكومي وزيادة الصادرات كان ليس من الممكن تحقيقه قبل رفع العقوبات الاقتصادية ولكن الآن هناك أمل… السودان أصبح يعمل في أوضاع طبيعية».
ورفعت الولايات المتحدة يوم الجمعة الماضي العقوبات، قائلة ان حكومة الخرطوم أحرزت تقدما في محاربة الإرهاب وتخفيف المعاناة الإنسانية، كما حصلت على تعهد من الحكومة السودانية بعدم السعي لإبرام صفقات أسلحة مع كوريا الشمالية.
القرار الأمريكي المتوقع قوبل بتفاؤل وترحيب سوداني رسمي وشعبي واسعين، رغم أنه لم يتضمن رفع الخرطوم من قائمة الخارجية الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، المدرجة عليها منذ 1993، ما يعني استمرار بعض القيود التي تشمل حظر تلقي المساعدات الأجنبية، أو شراء السلاح، إلى جانب قيود على بنود أخرى.
ورحبت وزارة الخارجية السودانية بالقرار، وقالت في بيان مقتضب بثه التلفزيون الرسمي، إن السودان ملتزم بالتعاون مع الولايات المتحدة في القضايا المتعلقة بحفظ السلام، ومكافحة الإرهاب، والهجرة غير الشرعية.
فيما توقع وزير الدولة بوزارة الاستثمار السودانية، أسامة فيصل، ولوج عدد كبير من الشركات الأمريكية للاستثمار في السودان بعد قرار رفع العقوبات الأمريكية.
وقال ان شركات أمريكية (لم يسمها) راغبة في فتح أعمال لها في السودان، مارست ضغوطا على الإدارة الأمريكية من أجل رفع العقوبات الاقتصادية عن بلادنا.
وأشار إلى أهمية حدوث شراكات استراتيجية بين الاستثمارات الأجنبية والقطاع الخاص السوداني في الفترة المقبلة. بدوره، قال محافظ بنك السودان المركزي، حازم عبدالقادر، في بيان، ان رفع الحظر الاقتصادي سيسهل المعاملات المصرفية مع العالم الخارجي.
وأضاف أن تسهيل المعاملات سيؤمّنه تيسير انسياب وزيادة موارد النقد الأجنبي والاستثمارات الأجنبية، وتخفيض كلفة التمويل والمعاملات الخارجية، بما ينعكس ايجابا على الاقتصاد السوداني. أمّا وزارة الصناعة السودانية، فأعلنت من جهتها أن عددا كبيرامن المصانع المتوقفة ستعود إلى دائرة الإنتاج، عقب قرار رفع العقوبات الاقتصادية عن البلاد.
وقال وزير الدولة في الوزارة، عبدو داؤود، انّ قرار الإدارة الأمريكية سيسمح بإعادة تشغيل عدد كبير من المصانع المتوقفة، والتي كانت تستخدم التقانة (التقنية) الأمريكية قبل فرض العقوبات على الخرطوم قبل 20 عاما.
ولم يقتصر الترحيب بالقرار على الدوائر الرسمية، حيث رحبت جماعة الإخوان المسلمين في السودان هي الأخرى برفع العقوبات الاقتصادية عن بلادها.
وقالت الجماعة في بيان «نتمنى أن يضع القرار العلاقات السودانية الأمريكية في مسارها الصحيح من الاحترام المتبادل، ومراعاة المصالح المشتركة للبلدين». واعتبرت أن تلك الخطوة تساهم نحو بناء مستقبل من العلاقات المشتركة بين البلدين لرعاية مصالح الشعوب.
يشار إلى أن قرار رفع العقوبات يشمل في جانب منه إنهاء تجميد أصول حكومية سودانية تحتاج إليها الخرطوم بشدة.
رفع العقوبات لم يتم بسلاسة. ففي يناير/كانون ثاني الماضي أمر الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، برفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان منذ 1997، لكنه أرجأ دخول القرار حيز التنفيذ حتى يوليو/تموز من العام الحالي، كمهلة تهدف لـتشجيع الحكومة السودانية على المحافظة على جهودها المبذولة بشأن حقوق الإنسان، ومكافحة الإرهاب. وعاد الرئيس الحالي، دونالد ترامب، عندما تولى الحكم، وأرجا رفع تلك العقوبات حتى 12 أكتوبر/تشرين أول الجاري، قبل الإعلان عن رفعها مساء يوم الجمعة الماضي.
يذكر أنه قبل انفصال الجنوب كان السودان يجذب استثمارات أجنبية تحاذي 5 مليارات دولارات سنويا، وهو رقم هبط إلى أقل من مليارين العام الماضي، الذي سجل نمواً بنسبة 3,5% فقط». ويرى الكثير من الخبراء ان رفع العقوبات سيسهم في إنعاش الاقتصاد المحلي ولو أنه ليس كافيا وحده. وأوضح محمد الناير، استاذ الاقتصاد في جامعة المغتربين في الخرطوم، ان «رفع هذه العقوبات سيساعد السودان على حيازة تكنولوجيات حديثة والوصول إلى السوق المالية الدولية، ما يتيح له تحسين إدارة صادراته ووارداته».
كما اعتبر ان تأثير هذه الخطوة يفترض ان يكون معمما ولو اقتصر بروزه في البداية على قطاعات كالنقل والتعليم والصحة.
ويتوقع ان يستفيد قطاع النقل الجوي مباشرة من هذا التطور، ذلك لأن مجموعتي «إيرباص» الأوروبية و»بوينغ» الأمريكية على سبيل المثال رفضتا على الدوام بيع الخطوط الجوية السودانية طائرات جديدة او تزويدها بقطع غيار لطائراتها.
غير ان رفع العقوبات وحده لن يكفي لانهاض اقتصاد البلاد، حسب الناير، الذي يقول انه سيترتب على الخرطوم اتخاذ إجراءات وسيتحتم على الحكومة «تقليص النفقات ومكافحة الفساد وتحسين البيئة العامة للأعمال في البلاد»، وهو مطلب سبق ان قدمه صندوق النقد الدولي، الذي دعا في وقت سابق الحكومة إلى القيام بـ»اصلاحات اقتصادية جريئة وواسعة النطاق» لتحفيز النمو. وقال الصندوق في تقرير مؤخرا «يجب فعل المزيد لعكس مسار التوجه الحالي، وتسييره نحو استقرار اقتصادي كلي ونمو أكبر».
في جميع الأحوال يأمل تجار الخرطوم انتعاش أعمالهم. وقال طارق دياب الذي يدير معملا لتصنيع اللحوم في العاصمة «تدهور حجم أعمالنا بعد رفع أسعار اللحوم بنسبة 45% عن العام الفائت».
فحتى قطاعات مثل انتاج اللحوم ستستفيد من رفع العقوبات، حسب ما يؤكد دياب، بسبب الحاجة إلى تكنولوجيا جديدة وأنواع ماشية محسنة. وقال «في قطاع اللحوم ستعود الفائدة على الزراعة وتربية المواشي».
أما أحمد عبد الله فاعتبر رفع العقوبات بابا لفتح وظائف لعشرات آلاف العاطلين عن العمل مؤكدا ان «شركات جديدة من فرنسا أو أمركا ستأتي إلى السودان، ما يعني وظائف واستثمارات جديدة». وتابع «كما ان مرتبي سيرتفع، وهذا يسعدني».
الخرطوم – وكالات: