من عادة تنظيم «الدولة الإسلامية» أن يعلن مسؤوليته عن أي عمليّة انتحارية أو هجوم على المدنيين ينفّذه مسلم في بلدان العالم (وأحيانا غير مسلم، كما حصل في عملية لاس فيغاس!).
يلتزم التنظيم عادة إعلان مسؤوليته 24 ساعة بعد العملية، وفي بعض المرات القليلة تم الإعلان بعد شهر. ولا يهتمّ التنظيم عادة بقضية أن يكون الشخص مرتبطاً بالتنظيم حقّاً وتم ابتعاثه لتنفيذ هجوم أو أنه شخص تبنّى أفكار التنظيم وأساليبه.
هناك استثناءات لم يتم فك أسرارها بعد، بينها الهجوم على المتحف اليهودي في بروكسل عام 2014، والذي أدّى لمقتل 4 أشخاص، وهجوم داخل قطار متوجه من أمستردام إلى باريس عام 2015.
التنظيم لم يتبنّ عملية الأوزبكي سيف الله صايبوف حتى الآن رغم أن الأخير أعلن انتماءه للتنظيم صراحة وردّد شعار «الدولة الإسلامية باقية» على الملأ، وهو ما دفع كثيرين للتساؤل عن أسباب امتناع التنظيم عن تبنّي صايبوف، وما المنطق الذي يقف وراءه.
بالعودة إلى سوابق مشابهة نجد أن التنظيم قام بأمر مشابه مع صلاح عبدالسلام الذي كان واحداً من عشرة عناصر قاموا بهجمات دامية روّعت باريس قبل سنتين، وكان الهجوم «الإرهابي» الأكبر في تاريخ فرنسا وقتلوا جميعاً باستثناء عبد السلام الذي قبض عليه في بلجيكا بعد مطاردته لشهر.
ضمن الحالات الأخرى المشابهة كانت بعد محاولة لشاب يدعى أحمد رحيمي، الذي زرع قنابل في ضاحيتي نيوجيرزي وتشلسي في نيويورك، واكتشفت الشرطة بعد القبض عليه وثائق للناطق باسم التنظيم، المدعو أبو محمد العدناني، غير أن «الدولة» لم يتبنّ المحاولة أيضا.
التنظيم لم ينبس بحرف أيضاً حول عملية هجوم بشاحنة في ستوكهولم في نيسان / أبريل الفائت رغم أن المنفذ كان منتمياً للتنظيم، كما امتنع عن التعليق حول هجوم بشاحنة في كندا قبل قرابة شهر، وكان المنفذ قد رفع علم التنظيم على سيارته قبل أن يهاجم بها المارّة.
ورغم أن التنظيم قد يعلن لاحقاً مسؤوليته عن عملية صايبوف، لكن السياق النظري لحالته يظهر تشابها مع حالة عبد السلام وكل المنفذين الآخرين الذين لم يُقتلوا وتمّ القبض عليهم، وهو ما يرجّح أن منطق التنظيم هو الامتناع عن تبني عمليات الأشخاص الذين لم يقتلوا وتم اعتقالهم، حتى لو كانوا فعلاً منتمين للتنظيم.
بعض المتخصصين في سلوكيات التنظيم المذكور اقترحوا عدة تفسيرات لهذا التصرّف. أحد هذه التفسيرات أن تبنّي التنظيم للشخص المعتقل هو بمثابة تسليمه باليد للسلطات، وهذا قد يحد من عمليات تجنيد العناصر في المستقبل، وبالتالي فإن السكوت عنه هو شكل من أشكال حمايته.
غير أن التفسير الأكثر إقناعاً هو ذاك الذي يربط هذا المنطق بتقديس فكرة الموت أثناء قتال الأعداء، وهذا ما يفسّره هبوط صايبوف من شاحنته بمسدس يطلق كرات من الدهان في دعوة واضحة للسلطات الأمنية لقتله.
التنظيم، بهذا المعنى، لا يريد أن يقتل أكبر عدد ممكن من الأعداء المفترضين فحسب، بل يريد أن يقضي أفراده أيضاً في المجزرة التي قاموا بها، وهو ما يسقط، في النهاية، أي معنى لما يفعله، غير فتح باب الموت على مصراعيه.
أما ما دفع كل هؤلاء لدخول هذه الحلقة الدموية المغلقة فأمر آخر.