قام جنرالات زيمبابوي، الأربعاء الماضي، بانقلاب عسكري على رئيس بلادهم لمدة 37 سنة (أي منذ استقلال البلاد عن بريطانيا) روبرت موغابي (93 عاماً). الدافع لتحرّك الجيش كان، حسب الأنباء، إقالة نائب الرئيس، تمهيداً لتسليم السلطة لزوجته غريس موغابي (52 عاما).
الدكتاتور العجوز، المستند إلى تراثه الكبير كـ»مناضل ضد الاستعمار»، ولتحكمه الطويل الأمد بالجيش والقوّات الأمنية لنظامه، فشل في تلمّس الغضب المتصاعد، ليس ضمن فئات شعبه فحسب، بل ضمن دوائر النخبة المقرّبة منه، نتيجة تسلّط زوجته وأسرته على الشأن العام.
إحدى الفضائح التي تناقلتها وكالات الأنباء في آب/أغسطس الماضي جرت خلال زيارة السيدة الأولى إلى جوهانسبرغ المجاورة حين عبّرت عن تضايقها من مصادقة فتاة جنوب أفريقية لأحد أبنائها فضربتها بكبل كهرباء وأصابتها إصابة خطيرة. شرطة جنوب أفريقيا لم تتمكن من القبض على زوجة الرئيس، التي تمتلك حصانة دبلوماسية، فعادت إلى بلادها سالمة.
غريس موغابي كانت واضحة في إعلان رغبتها بخلافة زوجها، وقد خاطبته خلال اجتماع حاشد أمام الجمهور قائلة: «إذا أردت أن تعطيني المنصب فأعطني إياه بحرية»، كما أن أولادها، ساهموا في استعارّ غضب مواطني زيمبابوي، وهي بلد شديد الفقر، بصور حياتهم الباذخة على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد قام ابنه الأصغر، قبل أسبوع ببث شريط فيديو وهو يصب الشامبانيا على ساعة ثمينة يلبسها معلّقا: «60 ألف دولار في معصمك حين يكون أبوك هو من يدير كل البلد!».
سيضع الانقلاب العسكري، من دون شك، نهاية لطاغية أفسد سياسة واجتماع واقتصاد بلاده وحوّله إلى مزرعة بائسة لعائلته والمقربين إليه، وجعل التغيير السلميّ غير ممكن، كما هو حال الكثير من البلدان العربية.
وضع موغابي في الإقامة الجبرية وإجباره على الاستقالة وتسليم السلطات، لن يعني بالضرورة اتجاه البلاد بطريقة أوتوماتيكية إلى حال ديمقراطية أفضل، فالقائمون على الانقلاب هم من أفراد الفئة الحاكمة في البلاد، واحتجاجهم على فساد عائلة موغابي لا يعني أنهم ضد كل أشكال الفساد أو ضد الحكم الدكتاتوري.
تجارب الشعوب مع الانقلابات العسكرية لم تؤد إلى النتائج الشعبية المأمولة في أغلب الأحيان، غير أن هذا ليس السبب الأساسي لاحتجاج الاتحاد الأفريقي على إزاحة موغابي. دفاع دول الاتحاد، في عمقه، هو دفاع عن قادتها، والكثيرون منهم هم طبعات منقّحة ومزيدة على موغابي، وهو ما يعكس في الحقيقة الإشكالات السياسية العميقة للدول الوطنية المستقلّة عن الاستعمار، ولا يخلو بعضها، بما فيها جنوب أفريقيا، العملاق الاقتصادي ذو النظام «الديمقراطي»، من تبعات هذه الإشكالات وآثارها الفظيعة على تطور شعوبها ونخبها.
يثير حدث سقوط موغابي وانقلاب زيمبابوي العسكري شجون العرب بالتأكيد الذين كانت بعض بلدانهم رائدة في موضوع الانقلابات العسكرية التي آلت، من دون استثناء يذكر، إلى دكتاتوريات عائلية فاسدة تحرق الزرع والضرع وتلوّث البيئة وتجذّر أسباب الاستبداد، حتى ضمن معارضاتها، وتحيل كل ما حولها خرابا عميما.
صحيفة القدس العربي