القطاع النفطي يحقق إيرادات لا تنعكس على الاقتصاد ومستوى معيشة المواطن العراقي

القطاع النفطي يحقق إيرادات لا تنعكس على الاقتصاد ومستوى معيشة المواطن العراقي

الباحثة شذى خليل*

الهشاشة السياسية والاقتصادية في العراق تفرض الحاجة في تسريع وتيرة الإصلاحات الهيكلية والمالية الكلية المطلوبة بشدة للتخلص من العوائق التي تعترض طريق تنمية القطاع الخاص، وزيادة الاستثمارات في كفاءة المياه وأنظمة الأغذية الزراعية، والتحول نحو مصادر أكثر استدامة للطاقة.
حيث أصدر البنك الدولي في تقريره الخاص بالعراق مؤشرات إيجابية، حول تسخير عائدات النفط المفاجئة لتحقيق النمو المستدام، بعد الانكماش الذي حدث في عام 2020، والذي وصل إلى نسبة تزيد على 11%، لكن بدأ التحسن في عام 2021 حيث حقق الاقتصاد العراقي نمواً بنسبة 2.8% ، مع تخفيف القيود التي فرضتها جائحة كورونا على التنقل، وجاء هذا النمو مدعوماً بتوسع قوي في الإنتاج غير النفطي، لا سيما في قطاع الخدمات.
ومع الإلغاء التدريجي في تخفيضات إنتاج “أوبك+”، فقد بدأ إجمالي الناتج المحلي النفطي أيضًا في النمو في النصف الثاني من عام 2021، كما دفع ارتفاع عائدات النفط إلى تحقيق فائض في الأرصدة المالية العامة والأرصدة الخارجية الكلية في العراق في عام 2021.
ولكن يبقى الارتباك في المالية العامة، والمتأخرات غير المحصلة كبيرة، وتوقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد العراقي بنسبة 9.5% خلال العام الجاري ليكون الأعلى عربيا.
قال ساروج كومار جاه، المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي: “يتمتع العراق بفرصة فريدة لإجراء إصلاحات هيكلية عاجلة وواسعة النطاق من خلال الاستفادة من الحيز المالي الناتج عن عائداته النفطية المفاجئة الأخيرة. وتُعد إعادة توجيه الإنفاق الحكومي نحو البرامج التي تعمل على تحسين النمو أمراً بالغ الأهمية للتنويع الاقتصادي وخلق فرص العمل، وأيضاً لمعالجة أزمة رأس المال البشري في البلاد”.
ومن المعروف أن سياسة الدولة العراقية المالية، تعتمد على النفط في تسديد النفقات الداخلية بعد استبدالها بالعملة العراقية المحلية تبعا لسعر صرف الدينار الصادر عن البنك المركزي والذي يعادل 1460 دينارا لكل دولار.
وبما أن التدفقات المالية الخارجية أكبر من حجم الإنفاق الداخلي الذي يعتمد نسبة 1 إلى 12 حسب قرار الإدارة المالية بسبب عدم إقرار الموازنة الاتحادية للبلاد، فإن ذلك أدى لتراكم النقد الأجنبي لدى البنك المركزي وزيادة حجم الاحتياطات، وأوضح أن حجم النقد الأجنبي يقارب تغطية قيمة العملة العراقية وحجم العملة المتداول محليا، وهو ما يشكل عامل استقرار للدينار بما يساعد على مواجهة التضخم داخل البلاد بسبب تداعيات استمرار الحرب الروسية الأوكرانية.
من جانبه أكد مظهر محمد صالح، المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي، أن ارتفاع حجم الاحتياط النقدي في البلاد يعزى لارتفاع أسعار النفط عالميا بزيادة تقدر في المتوسط بين 40% و45% عن العام الماضي.
“وتثير بيانات صندوق النقد الدولي العديد من التساؤلات عما إذا كان نمو الاقتصاد العراقي حقيقيا، لا سيما ما يتعلق باستقرار العملة الوطنية”.
نمو الأسعار في القطاع النفطي:
النمو الاقتصادي الذي أعلن عنه صندوق النقد الدولي يعد نموا للقطاع النفطي وليس للاقتصاد العراقي الحقيقي، وبغير القطاع النفطي لن يسجل العراق أي نمو حقيقي بمثل هذه النسبة التي أعلن عنها الصندوق. ويقول الخبير المالي محمود داغر إن معدل النمو المرتفع في العراق حاليا يعزى لبروز القطاع النفطي بوصفه مصدرا وحيدا للقيمة المضافة اقتصاديا، في حين تتراجع القطاعات الاقتصادية غير النفطية. وقال إن ارتفاع احتياطات البنك المركزي العراقي لا يعد مؤشرا كاملا للوضع الاقتصادي، معللا ذلك بأن حجم الاحتياطات لا يغطي حجم السيولة النقدية العراقية التي بلغت 80 تريليون دينار، وبالتالي تعد نسبة حجم الاحتياطات أقل مما كانت عليه قبل عامين عندما كان حجم الكتلة النقدية العراقية قرابة 60 تريليون دينار، موضحا أن الاحتياطات الحالية توفر حجم سيولة كافيا للاستيراد من الخارج دون توفيره الاستقرار المالي للعملة المحلية.
ويضيف الخبير المالي محمود داغر أسبابا أخرى تتمثل في أن العراق يشهد مشاكل سياسية تعيق تشكيل الحكومة وإقرار الموازنة العامة للبلاد، وهو ما يعني أزمة في معالجة الاقتصاد العراقي بما يمنع من استفادة العراقيين من العائدات المالية الكبيرة.
وفي نفس السياق، أكد بعض المحللين أن السبب الرئيس لعدم استفادة العراقيين من الوفرة المالية يعزى لعدم نمو الاقتصاد الإنتاجي داخل البلاد، وهو ما يعد المحرك الرئيس للنمو الداخلي بسبب توفيره فرص العمل، ومن المعروف أن بنية النشاط الإنتاجي ترتبط ارتباطا وثيقا بسببية متبادلة مع مرحلة التطور التي يعبر عنها متوسط إنتاجية العمل او الناتج المحلي للفرد.
في المراحل الأولى، وحيث تكون مجموع الإمكانية الاقتصادية محدودة لا تكاد تفيض إلاّ قليلا عن ضروريات العيش، يتطلب الأمر وجود قاعدة عريضة من الإنتاج السلعي الزراعي والصناعي تستحوذ على أغلب القوى العاملة.
موارد الريع النفطي تسمح أو تؤدي إلى انحراف الاقتصاد عن ذلك النمط العام للتغير البنيوي في سياق التطور. ولتحليل حركة الاقتصاد تصنف السلع والخدمات إلى متاجر بها، وغير متاجر بها، دوليا، والمقصود قابليتها للتصدير أو التعويض عنها بالمستورد، وتعني السلع ضمن هذا السياق كافة المنتجات، سلعية وخدمية، وسيطة ونهائية. النفط سلعة متاجر بها دوليا، لكن المقصود هو الاقتصاد دون النفط في دراسة بنية الإنتاج وتصنيف الانشطة حسب القابلية للتجارة الخارجية والذي يتساوق مع انحسار الزراعة والتعدين غير النفطي والصناعة التحويلية، في مقابل الحجم الكبير للخدمات بالتعريف الواسع. أي ان الاقتصاد يفتقر إلى إمكانية الوجود على هذا النحو دون النفط.
قال مظهر محمد صالح المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي إنه لا توجد أي انعكاسات إيجابية في الشارع العراقي ما لم تقر الموازنة العامة للبلاد التي تضم نفقات اجتماعية واستثمارية، ولا ننسى التحديات الاقتصادية الأخطر وهي الأمن الغذائي في العراق حيث زادت حدتها في خضم الارتفاع الحالي في أسعار السلع الأساسية عالمياً، في حين يقل مستوى إنتاج الغذاء المحلي عن مستوى الطلب الناجم عن النمو السكاني السريع، وقد أدت موجات الجفاف الشديد وعوامل تغير المناخ الأخرى إلى تفاقم هذا الوضع، في حين أن الإعانات والتحويلات المباشرة يمكن أن تساعد في التخفيف من هذه التأثيرات السلبية على المدى القصير، فإن تحقيق الأمن الغذائي يتطلب تنسيق الجهود لتحسين الإنتاج المحلي من الغذاء والمزيد من الكفاءة في إدارة موارد المياه، لا سيما وأنه من المؤمل أن تصل قيمة الموازنة العامة للبلاد في حال إقرارها إلى 200 تريليون دينار بما يعادل 136 مليار دولار ارتفاعا من مستوى 90 مليار دولار عن ميزانية 2021.
والأهم هنا أن الإصلاحات التي يفرضها صندوق النقد الدولي على البلدان النامية لا تتلاءَم مع بيئتها الاقتصادية وهي في الغالب غير قابلة للتطبيق، مثل العراق.
يستلزم الإصلاح الجذري إدارةً وطنيةً مخلصة الولاء متمكنةً من ناحية، فضلاً عن جهاز إداري في الوزارات يتسم بالطابع الوطني بعيد عن شبهات الفساد والمحاصصة من ناحية ثانية، وكذا يستند العقد الاجتماعي إلى دستور معدَّلٍ أو جديد من ناحية ثالثة.
وتتطلب الاصلاحات الاقتصادية توسيع القاعدة الإنتاجية، وتأمين توزيع أكثر عدالة للدخل، والثروة، وتنمية الموارد البشرية، والعناية بالفئات الاجتماعية الأكثر تضرراً.
ما زال تحكُّم الأجندات الحزبية بالواقع الاقتصادي، ومحاولات تطويعه لخدمة المصالح الفئوية على حساب المصلحة العامة يُشكِّل عقبة في مسيرة الإصلاح الاقتصادي المنشود في العراق، ويبقى الوضع الاقتصادي والمستولى الاقتصادي للشعب العراقي رهينة المواقف السياسية التي تبعدهم عن الاستفادة من الإيرادات المالية الكبيرة التي بات يحظى بها العراق خاصة مع ارتفاع أسعار النفط وزيادة حجم الصادرات النفطية.

وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية