قُتل الرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح (أول من أمس على يد الحوثيين)، لأنّه – بالرغم من دهائه الشديد- أخطأ في حساباته، ولم يدرك بأنّ حلفاءه الذين “فض الشراكة” معهم، بعد أن ظن أنّه استخدمهم، هم من استخدموه، وهم من لعبوا به – وليس العكس-، ولمّا انتهت صلاحية اللعبة بين الطرفين، تخلّصوا منه قبل أن يتخلص منهم!
صالح ارتكب الخطأ، الذي كلّفه حياته، في أنّه ظنّ بأنّ قواعد اللعبة القديمة ما تزال قوية وفاعلة، وبأنّ النظام الإقليمي الذي أتقن اللعب فيه، ما يزال قائماً، وبأنّ العمّ سام يملك خيوط اللعبة. لكن ما حدث معه يؤكّد للمرّة الألف بأنّ من يرسم رؤيته على ما قبل “لحظة البوعزيزي”، كمن يلعب في الوقت الضائع من المباراة، لأنّ المنطقة عبرت إلى مرحلة جديدة، وأوزان القوى الدولية تغيرت، والقوى الإقليمية تبدّلت، والشعوب والمجتمعات العربية انفجرت وأصبحت فاعلاً آخر مختلفاً تماماً، عمّا عرفناه خلال ستين عاماً (النصف الثاني من القرن العشرين+ العشرية الأولى من القرن الحالي)!
عندما غمزته الدول العربية والولايات المتحدة الأميركية اعتقد أنّ الآوان قد حان للقفز من اللعبة الإيرانية- الحوثية إلى الطرف الآخر، فلم يكد يرفع قدمه من الحافّة الأولى إلاّ وسقط قبل أن يصل إلى الجهة الأخرى!
دعونا نقفز نحن، أيضاً، من الجنوب إلى الشمال، نحو اعتراف مهم لمدير وكالة المخابرات الأميركية، مايك بومبيو (خلال ندوة لمؤتمر ريغان للدفاع الوطني، قبل أيام في كاليفورنيا)، بأنّه أرسل رسالة إلى زعيم فيلق القدس قاسم سليماني، تتضمن تحذيراً من الاقتراب من المصالح الأميركية في العراق، بعد صدور تهديدات باستهداف القوات الأميركية في حال دخل الطرفان في مواجهة أو صدام.
حبكة القصة ليست هنا، بل في أنّ سليماني – الذي كان يتواجد في مدينة البوكمال الحدودية حينها، في الشهر الماضي- رفض فتح الرسالة أصلاً، وقال إنّه لن يفتح الرسالة، ولن يقرأها، وغير معني بالحديث مع الأميركيين، وهو موقف يعكس (بالإضافة إلى الجانب الأيديولوجي المعروف في شخصيته) حجم الشعور بالقوة والنفوذ لدى إيران، بعد أن وضعت أقدامها جيداً في العراق وسورية ولبنان، على الأرض، وخلقت القوى والديناميكيات المحلية التي تدافع عن مصالحها وأمنها هناك.
ما لم يدركه صالح بأنّ إيران أصبحت قوة إقليمية نافذة ومؤثّرة، وأنّها تخلق أدوات جديدة للعبة الإقليمية والسياسية، وأنّ النظام العربي الرسمي ما يزال يقرأ من الكتالوج القديم! عندما يظهر قاسم سليماني في الصور متنقلاً من الموصل إلى شمال العراق، نحو البوكمال، والميادين، ويكون هو صاحب الكلمة العليا في العراق وسورية ولبنان، وينهي حلم الأكراد بدولة، عبر اتفاق عقده مع أسرة جلال طالباني، ويعقد تحالفات مع الروس في المنطقة، بينما الأميركيون يكتفون بإرسال رسالة له، ويرفض أن يفتحها أصلاً، فمعنى ذلك أنّنا أمام واقع إقليمي جديد تماماً، وهو واقع محلّي أيضاً في العديد من الدول العربية.
ما حدث مع صالح يؤكّد بأنّ الحوثيين في طريقهم إلى بناء صيغة سياسية جديدة في اليمن، على غرار تجربة حزب الله في لبنان، التي تحاول إيران استنساخها في المنطقة، أي ميليشيات عسكرية قوية مع نفوذ سياسي كبير.
العرب ليسوا غافلين عن هذا، لذلك نجد أجندة “الخطر الفارسي” تتصدّر اهتماماتهم. لكن ما حدث مع صالح وما يحدث في العراق وسورية، يؤكّد بأنّهم – أي العرب- ما يزالون يفكّرون بالطريقة القديمة، وبالمعادلات التقليدية، ويعتقدون بأنّ ترامب هو “المهدي المنتظر”، في مواجهة “الوليّ الفقيه”!
محمد أبو رمان
صحيفة الغد