هل تنسحب أميركا من الأمم المتحدة؟

هل تنسحب أميركا من الأمم المتحدة؟

يمثّل تصويت 128 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ضدّ قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، مقابل 9 دول فقط مؤيدة، إدانة فاضحة لواشنطن، وعزلة متزايدة لها.

والعدد الحقيقي للدول الرافضة للقرار الأميركي في الواقع أكبر من ذلك، فالذين امتنعوا عن التصويت 35 دولة، مع الذين تغيّبوا (21 دولة)، هم في الحقيقة مع الإدانة.

خطابات مندوبيهم، وتسويغات مواقفهم، تشير بوضوح إلى أنّ غيابهم أو تغيّبهم، حصل إما من باب المجاملة، أو من زاوية مراعاة لمصالحهم القريبة (كندا والمكسيك)، أو من موقع التجاوب الاضطراري مع ضغوط واشنطن.

لكن مع ذلك بقيت تهويلات وتهديدات السفيرة الأميركية نيكي هيلي، بالانتقام من الدول التي تصوّت ضد القرار الأميركي، بلا مفعول، مما اضطرها بالنهاية إلى التراجع عن إنزال القصاص الفوري بـ”المتمردين”، وقطع المساعدات عنهم، واستبدلته بالوعيد.

الأخطر من ذلك، أنّ الإدراة الأميركية أفصحت على لسان هيلي، بأنّها لا تبالي بالأغلبية الدولية، فهذه بالنسبة إليها لا تساوي شيئاً. قالت إنّ “التصويت بـ(لا) في الجمعية العامة، لن يغيّر في الأمر شيئاً بالنسبة لنقل سفارتنا إلى القدس”.

مكابرة فجّة، إلا إذا كانت الإدارة الأميركية تنوي التخلّص من الأمم المتحدة، على غرار انسحابها من اتفاقيات دولية؛ مثل اتفاقية باريس للمناخ، واتفاقية الشراكة الآسيوية للتجارة.

ومثل هذا الاحتمال لا يبدو غريباً على نظرة الإدارة الأميركية، فالسفيرة هيلي ألمحت، في خطابها، أمس الخميس، إلى حصة الولايات المتحدة من تمويل موازنة الأمم المتحدة، وبما يضمر بأن تحمّل هذه الكلفة (25% من الموازنة)، لا بد وأن توازيه مراعاة ومسايرة لمواقفها وأولوياتها على هذه الساحة، وإلا فلا لزوم للمنظمة الدولية على أرضها.

ومثل هذا التصوّر ليس بجديد، فواشنطن ترى من الأساس في المنظمة الدولية، “أداة لتعزيز وخدمة دبلوماسيتها”. في زمن الرئيس رونالد ريغان، طفح، ذات مرة، كيل الاستياء من الهيمنة الأميركية على المنظمة الدولية، وبما حمل بعض الأصوات على المطالبة بنقل مقرّ الأمم المتحدة إلى جنيف.

كان ردّ السفير الأميركي آنذاك بما يفيد أنّه إذا كان هناك تذمّر ورغبة في النقل “فإننا لن نأسف وسنودعكم في لحظة المغادرة” ونتمنى لكم التوفيق. خلاصة كلامه أنّه إذا كان المجتمع الدولي يتذمّر من الامتيازات التي تحصل عليها واشنطن في الأمم المتحدة بنيويورك، فإنّ المنظمة الدولية غير مرحّب بها على الأراضي الأميركية.

وفي ضوء طروحاتها ومقارباتها للشؤون الدولية، ليس من المستبعد أن تعتمد إدارة ترامب مثل هذا الخط. طبعاً ليست هذه هي المقاربة الطاغية لدى الجهات والدوائر المعنية بالسياسية الخارجية في واشنطن، لكن مثل هذا التوجه ليس غريباً.

فقد هدّد الكونغرس الأميركي، أكثر من مرة، بقطع التمويل عن الأمم المتحدة، إذا بقيت “متنكّرة” للامتيازات الأميركية.

وتطلّ ملامح هذا الخطاب، بين الفينة والأخرى، في زمن الإدارات المتشددة، وخاصة المغالية منها في ممارسة الاستئثار، والمتوجسة دائماً من الاعتراضات على خطّها ومواقفها غير القابلة للتسويق في الهيئة الدولية، لا سيما تلك المتعلّقة بإسرائيل، والتي كانت ولا تزال تمثّل الشذوذ الفاقع في تعامل واشنطن مع المنظمة الدولية.

تعمل الديمقراطية بقاعدة الأكثرية، وأميركا تمارسها على أفضل ما يكون. أمس الخميس، أقرّ الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ، قانون الضرائب فائق الأهمية بأكثرية صوت واحد، لكن ديمقراطية الأمم المتحدة وأكثريتها الساحقة 128 مقابل 9، أمر آخر وتخضع لقاعدة أخرى، عندما تكون إسرائيل موضوع التصويت. صيف وشتاء تحت سقف واحد.

فكتور شلهوب

صحيفة العربي الجديد