في غضون شهرين، تخطط الولايات المتحدة لفتح سفارة جديدة للوفاء باعتراف الرئيس ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل. لكن هناك مشكلة واحدة فقط: ربما تكون السفارة موجودة في القدس، لكنها ربما لا تكون تماماً في إسرائيل.
فالمجمع الدبلوماسي الذي سيعمل كسفارة أميركية حتى يتم العثور على موقع دائم، يقع جزئياً في منطقة متنازع عليها معروفة باسم “الأرض الحرام”.
وتضم هذه “الأرض الحرام” المنطقة الواقعة بين خطوط الهدنة التي رُسمت عند نهاية حرب العامين 1948-1949، والتي كانت محل نزاع بين الأردن وإسرائيل. وقد حازت إسرائيل السيطرة الكاملة عليها في حرب العام 1967، وهكذا، تعتبرها الأمم المتحدة والكثير من دول العالم أرضاً محتلة.
وقد تجنبت وزارة الخارجية الأميركية اتخاذ موقف واضح من هذه المسألة، لكنها تعتمد على حقيقة أن إسرائيل والأردن كانتا قد تقاسمتا الجيب المتنازع عليه بشكل غير رسمي.
وقالت وزارة الخارجية، في بيان لها مؤخراً، إن الموقع المؤقت للسفارة في حي أرنونا “كان قيد الاستخدام الإسرائيلي المتواصل منذ العام 1949. وهو اليوم حي تجاري وسكني مختلط”.
لكن موقف الفلسطينيين أقل التباساً. ويقول أشرف الخطيب، من دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية: “الأرض الحرام هي أراضٍ محتلة. ويجب أن يكون أي وضع دائم لهذه المنطقة جزءاً من مفاوضات الوضع النهائي”.
يمكن لهذا النزاع أن يحول السفير الأميركي، ديفيد م. فريدمان، وهو من أشد المناصرين للاستيطان اليهودي في الضفة الغربية، إلى نوع جديد من مستوطن دبلوماسي هو نفسه. وتقضي الخطة الأميركية بوضع السفارة فيما هو الآن قسم الخدمات القنصلية التابع للقنصلية العامة للولايات المتحدة في القدس، بينما يتم البحث عن موقع دائم للسفارة. ويقع جزء من المجمع الشبيه بالقلعة في القدس الغربية ذات الأغلبية اليهودية، بينما يقع الجزء الآخر منه في “الأرض الحرام” بين القدس الغربية والقدس الشرقية ذات الأغلبية العربية.
تفترق خطوة نقل السفارة الأميركية إلى القدس عن ما يقارب سبعة عقود من السياسة الأميركية، وعن سياسة الكثير من بقية العالم الذي يعتبر وضع القدس خاضعاً للتفاوض بين الإسرائيليين والفلسطينيين الذين يقول كل منهم أنها عاصمته. ويقول المنتقدون إن خطوة السفارة تحكُم مسبقاً على نتيجة أي مفاوضات مستقبلية حول المدينة.
ولكن، إذا كان الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل غامضاً مسبقاً؛ حيث يترك أمر تحديد الحدود اللاحقة للسيادة في المدينة للإسرائيليين والفلسطينيين، فإن هذا الوضع المربك والغريب للجغرافيا السياسية يثير أسئلة أكثر حدة حول أي جزء من المدينة هو الذي تعتبره الولايات المتحدة عاصمة إسرائيل.
وتطلب ذلك بعض البحث التاريخي. فبعد حرب العام 1948 حول وقت خلق إسرائيل، وقعت إسرائيل اتفاق هدنة مع الأردن الذي كان يسيطر على الضفة الغربية والقدس الشرقية. ورسم الطرفان خط الهدنة على خريطة بقلم رصاص. وفي الأماكن التي لم يتفقا عليها رسما خطوطهما الخاصة لمواقعهما الطرفية -الإسرائيليون باللون الأخضر، إلى أقصى حد ممكن إلى الشرق، والأردنيون باللون الأحمر، إلى الغرب.
ويقول رافائيل إسرائيلي، الأستاذ الفخري في الجامعة العبرية ومندوب إسرائيل السابق في لجنة الهدنة الإسرائيلية-الأردنية المشتركة، إنها لم تكن لإسرائيل ولا للأردن صلاحيات رسمية في المنطقة. “لقد غزوها ببساطة”، كما يقول.
واليوم، كما يقول، بعد 50 سنة من الحيازة الإسرائيلية للمنطقة التي لم تكن لأي بلد سيادة عليها قبل ذلك، فإن التساؤلات حول وضعها هي موضع نقاش.
ويضيف: “يمكنك أن تشرع في نقاش حول التفصيلات والتمييزات الدقيقة، لكن ذلك يبدو شيئاً عفا عليه الزمن الآن. لقد اختلطت الأمور معاً، ولم أعد أعرف ما هو أو ماذا يعود لمن”.
بعد العام 1949، بدأ الإسرائيليون في تسييج وزراعة المنطقة على جانبهم من الأرض. ومر طريق أردني من خلالها إلى بيت لحم.
كما وضع الجانبان قوات لهما في المنطقة. وكانت هناك أحياناً حالات من التعاون، كما حدث عدما وافق الأردن على العمل مع الخبراء الإسرائيليين للقضاء على مرض تحمله العثة ويصيب أشجار الصنوبر في المنطقة.
ولكن، عندما بدأ رجل أعمال إسرائيلي بإنشاء فندق على منحدر في المنطقة في العام 1963، قدم الأردنيون شكوى وتم إيقاف العمل.
تم افتتاح الفندق، الذي سمي “الدبلومات”، بعد انتصار إسرائيل في العام 1967. وبما أن الفندق يقع على أرض المجمع القنصلي، فقد أصبح الآن مملوكاً للولايات المتحدة وتم تأجيره كسكن للمهاجرين العجائز الناطقين بالروسية.
قبل انتقاله إلى حي أرنونا في العام 2010، كان القسم القنصلي الأميركي الذي يخدم العرب واليهود يقع في القدس الشرقية. وكانت القنصلية العامة للولايات المتحدة التي تتعامل مع السلطة الفلسطينية موجودة في القدس الغربية.
يؤكد إيوجين كوتروفيتش، مدير القانون الدولي في منتدى كوهيلت السياسي المحافظ في القدس، أن الولايات المتحدة بنقلها السفارة إلى موقع أرنونا، إنما تعترف بسيادة إسرائيل على مناطق احتلتها في حرب العام 1967.
ويقول كونتروفيتش: “الأهم بكثير مما تقوله وزارة الخارجية، هو ما تقوله أفعالها. إنك لا تبني سفارة على أرض ليست سيادية لإسرائيل”.
إيزابيل كيرشنر
صحيفة الغد