لندن – تقترب الأزمة السورية من مرحلة تعقيدات جديدة بعدما قالت تقارير إن هجوما باستخدام غاز الكلور قد وقع في مدينة دوما، بينما كان مسؤولون روس يسابقون الزمن للتوصل إلى اتفاق على إجلاء مقاتلين تابعين لفصيل جيش الإسلام. وسرعان ما اتجهت أصابع الاتهام إلى روسيا، التي تعيش عزلة فرضها عليها الغرب إثر استهداف عميل سابق على الأراضي البريطانية.
وباتت روسيا مستعدة للانتقام أكثر من أي وقت مضى، بعدما وجدت ظهرها للحائط، في أزمة دبلوماسية مع الغرب أعادت أجواء الحرب الباردة، وكشفت نقاط ضعف موسكو، وأعادت جهود الرئيس فلاديمير بوتين الساعية للاندماج بين القوى الكبرى على الساحة الدولية لسنوات مضت.
لكن محللين يقولون إن إيران، التي لطالما عارضت التوصل إلى اتفاق يسمح بخروج مقاتلي جيش الإسلام إلى جهة أخرى غير محافظة إدلب، التي تحولت مؤخرا إلى بؤرة لفصائل إسلامية متشددة، قد تكون هي التي تقف خلف الهجوم، الذي كان منفذه يسعى حتما إلى تعطيل التوصل إلى اتفاق.
ونقل التلفزيون السوري الرسمي، الأحد، عن مصدر مسؤول قوله إنه تم التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح كل “المخطوفين في دوما”.
دونالد ترامب: روسيا وإيران مسؤولتان عن دعم الأسد وسيكون الثمن باهظا
دونالد ترامب: روسيا وإيران مسؤولتان عن دعم الأسد وسيكون الثمن باهظا
وأضاف المصدر أن مسلحي جيش الإسلام سيغادرون دوما إلى جرابلس في شمال سوريا قرب الحدود مع تركيا خلال 48 ساعة بموجب الاتفاق.
وقال رامي عبدالرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي مقره في بريطانيا، إن جماعة جيش الإسلام تحتجز أكثر من 3500 أسير ورهينة في سجونها في دوما.
وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور ومقاطع فيديو تظهر جثث أطفال ونساء، وآخرين يعانون حالات اختناق جراء ما يقول نشطاء إنه استهداف للمدينة بغاز الكلور. والأحد، توعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب المسؤولين عن “الهجوم الكيمياوي المتهور” على مدينة دوما بدفع “ثمن باهظ”.
وقال ترامب في سلسلة من التغريدات إن “الرئيس (فلاديمير) بوتين وروسيا وإيران مسؤولون عن دعم (بشار) الأسد الحيوان. سيكون الثمن باهظا”.
وقال “قتل الكثيرون بينهم نساء وأطفال في هجوم كيمياوي متهور في سوريا. المنطقة التي تعرضت للعمل الوحشي مغلقة ومحاصرة بشكل كامل من قبل الجيش السوري ما يجعل الوصول إليها أمرا غير ممكن بالنسبة للعالم الخارجي”.
وقال توماس بوسرت، مستشار البيت الأبيض للأمن الداخلي ومكافحة الإرهاب، في مقابلة مع برنامج “ذيس ويك” بقناة إيه.بي.سي التلفزيونية، إن الولايات المتحدة لا تستبعد شن هجوم صاروخي ردا على الهجوم الكيمياوي الجديد على الغوطة. وقال “لا أستبعد شيئا”.
ويقول دبلوماسيون أميركيون إن الجيش الأميركي ربما يدفع ترامب إلى اتخاذ موقف متشدد حيال الأسد، مستندا على هذا الهجوم الجديد، كي يعزز من قواعده في سوريا.
ويعارض القادة العسكريون الأميركيون انسحاب قواتهم من سوريا، كما يسعى ترامب. وفي حال لجوء واشنطن إلى تبني رد عسكري واسع النطاق، فسيؤدي ذلك تلقائيا إلى حشد الآراء في الكونغرس للضغط على ترامب ودفعه إلى التراجع عن قراره.
والسبب في ذلك هو عدم السماح لروسيا بتعزيز سيطرتها على كامل الجغرافيا السورية، بما يتضمنه ذلك من مصادر الطاقة في الشرق والشمال الشرقي. لكن روسيا، التي منيت بهزيمتين دبلوماسيتين الأسبوع الماضي، في منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية ومجلس الأمن على خلفية تسميم سيرجي سكريبال بغاز نوفيتشوك في بريطانيا، عادت لتبني سياسة الانتقام في أراض مسموح فيها بذلك.
فبالنسبة للروس، حتى لو أقدم الأميركيون على تنفيذ ضربات انتقائية، كتلك التي نفذتها بوارج أميركية على مطار الشعيرات بعد تقرير عن هجوم مماثل على بلدة خان شيخون العام الماضي، فلن يمثل ذلك عقابا يذكر، لكن هجوم دوما يمنح روسيا في الوقت ذاته فرصة افتقدتها للرد.
ويصب الهجوم أيضا في صالح إيران، التي تعيش توترا كبيرا في انتظار قرار الكونغرس الأميركي بشأن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي.
ويعتقد مسؤولون كبار في طهران أن واشنطن تتجه نحو الانسحاب، وهو ما دفع إيران إلى محاولة الوصول إلى أعلى مستوى ممكن من التصعيد، متمثلا في إطلاق سبعة صواريخ باليستية على الأراضي السعودية الشهر الماضي، واستهداف ناقلة نفط سعودية في منطقة استراتيجية الأسبوع الماضي.
ويأتي الهجوم في وقت تتجه فيه الإدارة الأميركية باتجاه موقف أكثر تشددا، وقبيل ساعات على تولي مستشار الأمن القومي الأميركي الجديد جون بولتون مهامه بشكل رسمي.
ومن المتوقع أن يحظى مايك بومبيو، رئيس المخابرات المركزية الأميركية سي.آي.إيه، الذي يحمل مشاعر عدائية لروسيا وإيران، بموافقة الكونغرس لتولي وزارة الخارجية.
ومن المحتمل أن تؤدي كل هذه الظروف الاستثنائية إلى تحرك عسكري أميركي ضد نظام الأسد، لكنه سيبقى محصورا في إطار انتقائي محدود، ولن يؤثر كثيرا في موازين القوى على الأرض.
العرب